مسقط: ش
يرى الفنان عصام الزدجالي إن الدراما العمانية تواجه عدة أزمات ليست وليدة الصدفة ولم تظهر على الساحة اليوم فقط، ويقول: نقف على أبواب الجهات المسؤولة عن انتاج وتنفيذ بل وتطوير الأعمال الدرامية ولا نجد من يجيب، الواقع صعب فعلى الرغم من عدم وجود قرار صريح بوقف انتاج الدراما في عمان إلا أننا أصبحنا لا نرى على الأقل 15% مما كان يتم انتاجه في السابق، معتبرا أن مشكلة تدني الأجور اصبحت شبحاً ملازماً للممثل العماني سواء كان العمل المنفذ من انتاج القطاع العام أو الخاص الأمر الذي حذا به إلى امتهان وظائف أخرى فأصبح الفنان العماني غير متفرغ وإن كان الممثل العماني يتمتع بالأصالة التي تجعل من هذا العائق لا يذكر .
وقال الزدجالي: أضحى عدد الأعمال ضئيل ليثبت بما لا يدع أدنى مجال للشك أن الدراما العمانية تسير بخطوات بطيئة جدا يرجع السبب فيها إلى ضعف الانتاج، وتوجه بعض المسؤولين إلى فكرة أن الهيئة العامة للإذاعة والتليفزيون غير معنية بتطوير الدراما إذن فمن المسؤول؟ الإجابة أنه لا توجد جهة مختصة بانتاج الأعمال الدرامية، فاصبح الشعور بالضيق وخيبة الأمل تطاردان الفنان العماني لأنه يرى أحلامه وطموحاته تتبدد وتذهب مع الريح فتجد الممثل حاضراً ومستعداً للبذل والعطاء من أجل أن يخرج المسلسل إلى النور لكنه يصطدم بالاجواء الخانقة من مشكلات تحيط بصناعة العمل كاملا، بالطبع ينتهي الحال به وبالجميع إلى الشعور بالاحباط فنجد الممثل حتى لا يفقد حيويته اتجه إلى منافذ أخرى بعيداً عن التليفزيون.
ويضيف الفنان عصام الزدجالي أن هناك مشكلة عدم توفر النصوص الجيدة التي تعتبر من أهم مقومات العمل الدرامي بسبب ندرة الكتاب، والذي معه قلت محاولات الكتابة، فلا توجد دورات تدريبية أو ورش عمل تسعى للنهوض بمستوى النص الأدبي والحوار الدرامي، لذلك فإن بعض الشركات أصبحت تلجأ إلى استيراد نصوص درامية من بعض الدول المجاورة ويتم تعمينها بمعنى تطويعها للتماشى مع طبيعة المجتمع هنا كي تقنع المشاهد، ويعد ذلك أمراً جيداً كبداية إذ يعتبر تدريباً للقائمين على كتابة الأعمال الدرامية كي يتعلموا منها كيفية صياغة السيناريو، إلا أن استمرار جلب النصوص من الخارج سيكون خطأ كبيراً في المستقبل.
ويؤكد الفنان عصام الزدجالي على أن غياب عنصر التمويل هو العائق الأساسي أمام الدراما العمانية، فالشركات المتخصصة في الانتاج الدرامي باتت في مأزق بسبب ما أنفقته على شراء الاجهزة الخاصة بالتصوير والأن أصبح الواقع لا يوجد نشاط درامي أو انتاج أعمال تلفزيونية، وقال إن النهوض بالدراما العمانية مسؤولية تقع على عاتق كلا القطاعين العام والخاص متمثلا في الوزارات والهيئات الحكومية إلى جانب المؤسسات والشركات، إذ لابد من تقديم الدعم الكامل سواء المادي أو اللوجستي، إلا ان تلك المسؤولية قد غابت عن المشهد بشكل كبير، وأتوقع في حال وجود مقومات ستخرج إلى النور أعمالاً درامية عملاقة قادرة على المنافسة والتواجد على الساحتين الخليجية والعربية بل انها ستتفوق لتصل إلى مرحلة الاكتساح.
ويضيف: أذكر كانت هناك 5 أعمال درامية تقدم خلال العام الواحد أما الآن فلو وجدنا عمل درامي واحد فنحن محظوظون، فالفن وخاصة الدرامي يعد من أهم الطرق الفاعلة في توجيه وتغيير سلوك الجمهور فهو مرآة المجتمع يحمل على كاهله مسؤولية عرض المشكلات التي تواجهنا ونحياها يومياً ويحاول من خلال مناقشتها إيجاد حلول لها، ومعنى توقف تقديم هذه الأعمال أي أن الصورة قد أظلمت، فالأعمال الفنية هي سبيل لغذاء العقول فماذا لو منع العقل غذاءه.
ويقول الزدجالي: أن أن الحديث لابد أن يكون عن سبل دعم وتطوير الدراما العمانية الذي يتمثل في تطوير الكم وذلك بزيادة عدد الأعمال المقدمة من ثم تطوير الكيف الذي يتأتى بممارسة الممثل للعمل حتى يكتسب الخبرة ويصحح من مساره يوما بعد يوم وليس العكس كما هو حادث الآن، خاصة في ظل تحرر الأعمال الدرامية من الرقابة الخانقة التي كانت تمارس في السابق فهناك طفرة ليست بالبسيطة في رفع يد الرقابة، الذي أوجد متنافساً عن الضغوط السابقة،
ويضيف: هناك قطاع يفترض أنه معني بالانتاج الدرامي بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون إلا أنه غير مفعل، والذي أفرز مشكلة أخرى هي انصراف بعض نجوم الشاشة الصغيرة إلى العمل في الإعلانات التجارية أو برامج اليوتيوب كي يخرجوا ما بداخلهم من طاقات فنية أو أنهم قبلوا بعروض عمل خارجية، إضافة إلى الجيل الجديد من الممثلين الشغوفين بذلك العمل، ولكن السؤال أين يذهب هؤلاء؟، لدينا طاقات شبابية متميزة ولكنهم يعلمون حال من سبقوهم وعلى ذلك فهم ينتظرون الفرصة ولكن من يمنحها لهم طالما لا يوجد جهة مهتمة بالدراما إذن لن يكون هناك جيل جديد من الممثلين.
وتوجه الزدجالي بالنداء للجهات المسؤولة بضرورة انشاء هيئة عامة مستقلة مادياً وإدارياً تختص بالقطاع الدرامي في السلطنة، وبدون ذلك ستظل الدراما العمانية مكبلة بقيود ضعف التمويل وغيره من الأزمات التي تتعرض لها يوماً بعد يوم، ويقول: لابد من انشاء معهد عال للفنون المسرحية يكون تحت مظلة الدولة لتدريس العلوم الفنية والمسرحية لكي يتسنى إخراج جيل جديد من الفنانيين المدربين والمثقفين القادرين على حمل لواء الفن العماني والوصول به إلى أعلى المراتب.
ولكن رغم كل ما تواجهه صناعة الدراما من مشكلات إلا أن الفنان الزدجالي يرى أن الغد سيكون أفضل وسيخرج جيلاً جديداً من الممثلين الشباب المبدعين يندمج مع الأجيال الموجودة وتخرج بحصيلة مجهوداتهم أعمالاً درامية متميزة في ظل وجود المشاهد العماني المتابع للأعمال التي تُعرض على الشاشات الصغيرة.
ويقول: هذا الجمهور العملاق يستحق تحية احترام وتقدير، لأن المشاهد أضحى هو العامل الوحيد المحفز لنا على الاستمرار لما لديه من وعي مستنير وثقافة شارك في ثقلهما الغزو الكبير للقنوات الفضائية التي أعطت مساحات كبيرة لعرض العديد من الأعمال الدرامية القادمة من ثقافات مختلفة مما عمق من وجهة نظره، فوضع الدراما العمانية في موضع المقارنة المباشرة فأصبح قادراً على نقد وتقييم العمل واعطاء رأي حقيقي فيه، كما أنه يقدر شيئاً اسمه الإبداع، وبرغم تعرض الدراما لبعض الانتقادات الحادة واللاذعة أحياناً من قبل بعض الفئات، إلا انها تسير في طريقها الصحيح نحو البناء والارتقاء بمستوى ما يقدم من أعمال درامية.
واقترح الفنان عصام الزدجالي تدشين قناة تلفزيونية جديدة للدراما العمانية تعرض الأعمال القديمة والحديثة والتي ستكون بمثابة المحفز والداعم للمعنيين بالانتاج للإقدام على تنفيذ أعمال جديدة لأن القناة التلفزيونية تعد منفذا حياً لتسويق تلك الأعمال مما سيدفع بهم لاتخاذ قرار خوض التجربة الانتاجية بسبب ضبابية مشهد الجدوى التسويقية من وراء العمل .
ويقول: من حق الدراما العمانية أن تصل لمستوى المنافسة على جميع الأصعدة الخارجية، ولا أراه أمراً صعباً خاصة بعد ما أولته الهيئة من اهتمام في تدشين مجموعة جديدة من القنوات التلفزيونية الناطقة بلسان عمان، ونجد في الدراما التركية مثالاً فقد حققت نجاحا واسعاً على الشاشات العربية وخاصة هنا في السلطنة لأنها استطاعت أن تلامس التشويق والاثارة من خلال توظيف الاخراج السينمائي لخدمة القالب الدرامي وعرض جيد لمواقع التصوير مما ساهم في زيادة نسبة السياحة الوافدة إلى تركيا لزيارة تلك المواقع كما أن فكرة دمج الدراما العمانية مع الثقافات العربية الأخرى لانتاج أعمال درامية مشتركة ستساعد في انفتاحها على تلك الثقافات مما سيساعد على وصولها لمستوى مختلف من النضج وسيوفر لها مقومات إضافية إلى جانب فتح نافذة على العالم الخارجي لتوصيلها إليه، الذي سيساعد في تطوير جوانب أخرى وربما جلب سياحة إضافية.