علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي يجب أن يكون الاجتماع التنسيقي بين مجلس الوزراء ومجلس عُمان بغرفتيه (الدولة والشورى) أن يكون فرصة لتدارس الخطط والبرامج الهادفة لتعزيز الشراكة بين المجالس الثلاثة فيما يخدم البلاد والعباد، ولفتح آفاق مستقبلية أوسع في بناء الغد، وحل الإشكاليات التي دائما ما يطالب بها أعضاء مجلس الشورى في الجلسات العلنية بعدم تعاون الحكومة وتأخر الردود وغيرها من الإشكاليات التي تعتري العلاقة بين المجالس، إلا إنه وللأسف يبدو أن الاجتماع التنسيقي تكرس في أغلبه لتقديم طلبات ورسائل لا ندري عن فحواها على وجه الدقة، هل تتعلق بقضايا وهموم تخص مشاريع تنموية وتلامس حياة المواطن مباشرة، أم طلبات خاصة واستثناءات ليس أكثر، لكن مع هذا وذاك فإن الاجتماع التنسيقي بين المجالس الثلاثة الهدف منه أكبر من تقديم رسائل وطلبات.
لقد تفاجأنا بالوزراء وهم يحملون كما كبيرا من الرسائل وقد يكونون قد وجدوا صعوبة في حمل كل ذلك الكم في أياديهم المجردة وهم أصلا لم يحضروا معهم حقائب لاستيعاب تلك الرسائل لأن الأمر لم يكن في الحسبان حكما، كما يفترض أن تكون الاجتماعات بهذا المستوى بين السلطات بعيدا عن تلك المشاهد.
إذن تلك كانت واحدة من الأخطاء التي تستحق المراجعة، وقد بث التلفزيون والتقط المصورون مشاهد الاجتماع والأعضاء يتحلقون حول أصحاب المعالي وأياديهم تفيض بالرسائل في مظهر غير حضاري على الإطلاق تمثل في تقديم طلبات ورسائل وليست مناقشة التنسيق والتعاون بين المجالس.
إن مثل هذه الأخطاء تسبح عكس تيار مصطلح دولة المؤسسات والقانون واجب الاتباع والحرص عليه من الجميع خاصة أعضاء مجلس الشورى، وباعتباره مجلسا تشريعيا في المقام الأول، وبالتالي هم أحرص من غيرهم على تجسيد هذه القيم النبيلة في عدم طلب استثناءات مهما كان نوعها وطبيعتها، و تقديم رسائل شخصية، سواء كانت لطلبات عامة أو خاصة، والتأكيد على النظام في كل شيء.
في الواقع لا نعرف مبررات تقديم الرسائل والطلبات خاصة لبعض الوزراء من أعضاء الشورى الذين يستطيعون الوصول لمكاتب الوزراء والوكلاء وغيرهم بكل سهولة عبر التنسيق لمقابلات وغيرها، وتكون هذه الاجتماعات لمناقشات أمور أهم وأكبر من البت في طلبات وموافقات استثنائية قد تحرج الوزراء بإعطائهم موافقات عفوية وشفهية تتجاوز الأنظمة المعمول بها.
إن مثل هذه الممارسات من الطبيعي أن تكرس أزمة ثقة بين الأعضاء ومنتخبيهم في الولايات بهذا الظهور غير الملائم، وليس سارا ولا مبهجا أن يظهر ممثلو الولايات وهم يقدمون طلباتهم بذلك النحو، وهي صورة سلبية بطبيعة الحال، وقد تقود إلى معنى قد يشير إلى إن الأعضاء جاءوا لقبة المجلس لتحقيق مصالح ذاتية، وقد يكون هذا الطرح غير صحيح ولا علاقة له بالواقع، هذا مع احترامنا لنزاهة وحصافة الأعضاء، إلا أن مستصغر الشرر لا ينبغي الاستهانة به، وتلك حقيقة تستحق الاحترام.
بل إن مثل هذه المظاهر قد تكرس ممارسات مماثلة لدى المواطنين عندما يجتمعون أو يلتقون بالوزراء والمسؤولين في أي لقاءات أو تجمعات وزيارات لغياب القدوة في ذلك والنظام في العمل، فمن الخطأ ترسيخ هذه الممارسات مهما كانت أهدافها و دواعيها.
فأعضاء الشورى يجب أن يكونوا هم الأنموذج المضيء كاليراعة في دياجير الظلمة يقدمون الأنموذج الذي يستحق أن يقتدى به في كل الظروف وفي كل المواقف، وبالتالي قد لا يكون هناك مجال للتفسير والتأويل فمن الأحرى والأفضل أن تكون هناك طريقة أخرى ومثلى لتسليم الطلبات ومناقشة الاقتراحات والأطروحات بغير تلك المشاهد التي تم بثها تلفزيونيا وصحفيا وإعلاميا.
بالطبع لا نعمم فيما شاهدنا، فهناك من ناقش وحاور كما ينبغي وفي إطار تحقيق الأهداف المتوخاة من الاجتماع وفي سياق الوصول إلى التفاهمات التي تحقق المصلحة العامة، لكن الصورة العامة التي ترسخت واستتب لها الأمر كانت مشهدا نتطلع لأن لا يتكرر مرة أخرى.
على النقيض لم نشهد أعضاء مجلس الدولة يقدمون رسائل وطلبات للوزراء كما لاحظنا من المشاهد التي بثت، وهو ما يطرح العديد من الأسئلة بشأن ذلك.
نأمل من أعضاء مجلس الشورى أن يعطوا الأمور حقها في المناقشات وفق طبيعتها المحددة في النظام ، والالتزام بماهية وأهداف الاجتماعات وليس الخروج عنها، وأن تكون الاجتماعات فرصة للمزيد من التشاور والتباحث وصولا للأهداف والمصالح الوطنية العليا لا تقديم رسائل وما فيه من طلبات عامة أو خاصة.