علي ناجي الرعوي
يعتقد كثير من المراقبين ان فرصة غير محددة لوقف اطلاق النار في اليمن وإعلان هدنة مؤقتة تسبق المفاوضات القادمة بين الاطراف المتنازعة يمكن الحديث عنها الان بعد ان اقتنع التحالفان .. تحالف الحرب الداخلية وتحالف الخارج ومعه القوى الموالية لسلطة الرئيس عبدربه منصور هادي ان الحسم العسكري وتحقيق نصر نوعي لهذا الطرف او ذاك يتيح له كسر ارادة الخصم لم يعد خيارا ملائما في ظل الاكلاف الباهظة لاستمرار هذه الحرب وفداحة الوضع الانساني ونهوض الارهاب وتساقط المناطق والمحافظات اليمنية في ايدي عناصر تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وغيرهما من الجماعات المتطرفة التي تمكنت من توسيع نقاط سيطرتها وتأمين خط امداد على طول الساحل بين مدينتي المكلأ وعدن وإخضاع معظم المحافظات الجنوبية لنفوذ تلك التنظيمات بما يجعل من الخطر الارهابي يتجاوز الاطار الجغرافي اليمني ليلقي بظلاله على الجوار الخليجي والمحيط الاقليمي والدولي وهو ما اثار مخاوف القوى الدولية وقلقها بشكل عكسته العديد من التصريحات الاعلامية المحذرة من عواقب اطالة الازمة اليمنية والحرب التي يشهدها هذا البلد منذ 26 مارس 2015م.
لذلك لم يبتعد مهندس الدبلوماسية العمانية يوسف بن علوي عن هذه المعطيات عندما قال : نرى فرصا جديدة تتيح توصل اطراف النزاع في اليمن الى اتفاق سياسي عوضا عن الحل العسكري بعد ان استشعر الجميع ان هذا البلد بحاجة الى السلام وإعادة الاعمار وليس الى المزيد من العنف والاقتتال معبرا عقب لقائه بوزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير اوائل هذا الاسبوع عن تفاؤله بانفراج الازمة اليمنية وعودة الاطراف المتنازعة الى طاولة الحوار.
كما لم يخطئ وزير الخارجية الالماني حينما حذر كافة الاطراف في النزاع اليمني من الاثار الكارثية للإصرار على التمسك بالحل العسكري على اعتبار ان ذلك لا يخدم سوى العناصر المتطرفة والإرهابية مشيرا الى ان دلائل كثيرة تنم عن ان الحل السياسي اصبح ممكنا والطريق الى المفاوضات صار سالكا وفرصه في تزايد .. وليست هذه المؤشرات وحدها هي من تشي الى ان ثمة متغير مهما تتجه اليه الازمة اليمنية بل هناك العديد من القرائن التي تتبدى في الافق بشأن هذا التحول وأهمها على الاطلاق ما تناقلته وسائل الاعلام اليمنية والعربية والدولية عن محادثات جمعت في الايام القليلة الماضية مسئولين في جماعة الحوثي مع مسئولين سعوديين في محاولة من كلا الطرفين للوصول الى نقطة وسط تسهم في اغلاق ملف الصراع القائم في اليمن حيث وان هذه المحادثات تمثل اول اختراق نوعي منذ اندلاع الحرب في العام الماضي فيما تبدو القرينة الثانية في الهدوء الواضح الذي شهدته الحدود السعودية اليمنية خلال الايام الماضية بعد ان كانت هذه الحدود من اكثر الجبهات دموية طيلة اشهر الحرب وفي المقابل توقف طيران التحالف العربي على مهاجمة صنعاء وصعده بما يوحي الى ان هناك اتفاق وهدنة غير معلنة في هذه الجبهات الثلاث ولعل هذه القرائن هي من تحمل في طياتها ملامح تفاهم قد تتوافر له ظروف افضل بعد الاتفاق على قواعد التنازلات التي سيقدمها كل طرف.
الشيء الواضح ان محددات الفراغ الذي تركه ضعف اداء السلطة المدعومة من التحالف العربي والقوى الدولية قد اثار مخاوف الدول الكبرى التي وجدت في تلك السلطة انها من تقود الوضع في اليمن نحو حافة اللاعودة وبالذات بعد ان فشلت هذه السلطة في تأمين العاصمة المؤقتة عدن التي اصبحت مرتعا خصبا لعمليات التفجير الانتحارية والقتل الممنهج من قبل عناصر تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وانصارهما وهو ما يتناقض والاهداف التي كانت مطروحة بعد انسحاب الحوثيين من المحافظات الجنوبية في يوليو تموز 2015م اذ انه وبعد سبعة اشهر اكتشف العالم ان الشرعية التي ظل يدعمها ويعترف بسلطتها ليست قادرة كليا على تأمين محافظات الجنوب ولو جزئيا فضلا عن احداث أي تطور عسكري في الشمال فقد ظلت المعارك في المحافظات الشمالية تراوح بين الانتصارات المؤقتة التي عادة ما تتقهقر وتعود الاوضاع الى المربع الاول وهي معطيات تعاظمت معها تكلفة الحرب بالنسبة لدول التحالف العربي وتلاشت في ظلها الصورة الاخلاقية للدول الكبرى بعد ان اتجهت العديد من المنظمات الدولية الى توظيف الاوضاع الانسانية المتردية للتعبير عن الوجه الجاف والخشن لتلك الدول التي وقفت موقفا سلبيا او مؤيدا لهذه الحرب العبثية.
في المجمل فان المشهد اليمني يندفع لحدث اكبر اذا ما استمر الوضع في سوريا على حاله وبدأت المفاوضات في التقدم في اتجاه مسارات الحل خاصة وان الازمة اليمنية ليست منفصلة عن ما يجري في سوريا تبعا لما تنشره معاهد واشنطن وكذا مراكز الدراسات الاستراتيجية الاوروبية التي تجنح للقول بان المرحلة ستشهد تغير التموضع في منطقة الشرق الاوسط بعد انفراط عقد المسبحة العربية التي تتفرق اليوم ولا يوجد ما يوحد سياساتها كما ان الرؤية المتوازنة للتحليل السياسي عن الوضع في اليمن هي من تدور حول هذه الحسابات المتشابكة والتي تتحد في ان انتشار القاعدة وداعش في اليمن هو ما قد يفضي الى انفجار الخليج مهما ادعى هذا البيت انسجامه فان سيطرة التنظيمات الارهابية على اليمن الذي يطل على اهم الممرات المائية في المنطقة ستكون له عواقب وخيمة على الخليج والمجتمع الدولي.
وبما ان الاطراف كلها تجمع على استحالة الحل العسكري في اليمن فان تعليق الازمة في هذا البلد وجعلها ورقة في حسابات المصالح الاقليمية والدولية لم يعد منطقيا وبالتالي فليس امام الجميع سوى الدفع في انجاز تسوية قريبة تبدد حجم القلق الذي ينتاب المجتمع الدولي من تنامي الجماعات الارهابية والاكراهات المرتبطة بهذا التنامي الذي قد لا يكون له نهاية في المدى المنظور.
بعد كل هذه المؤشرات والقرائن التي اردناها ان تكون مختصرة ألا يحق لنا ان نتساءل : هل اصبح اليمن على مفترق طرق قادم ينتظر الحل على طاولة الحوار ام ان السير في هذا الطريق لازال محفوفا بالأشواك والتعرجات المميتة التي تقتضي من اليمن المزيد من الدماء والدمار والتمزق والجوع المتوحش؟!