القرصنة البحرية في مفهوم قانون الجزاء (ج1)

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٣٠/أبريل/٢٠١٨ ٠٨:٤٩ ص

طاهر بن محمد بن خليفة البوسعيدي

ظهرت القرصنة البحرية منذ عدة سنوات في عدة مناطق بحرية حول العالم إلا أنها بدأت بالتأثير المباشر على صناعة النقل البحري وحركة الملاحة البحرية الدولية في العام 2008م وبالتحديد في منطقة المحيط الهندي. وقد أدرك المجتمع الدولي ممثلا في المنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية خطورة هذه الظاهرة الإجرامية لما تسببه من آثار مباشرة وغير مباشرة على التجارة البحرية إذ غالبا ما يكون ضحيتها البحارة العاملون على متن السفن، وكذلك تكبد ملاك السفن لمبالغ طائلة تدفع كجزية للقراصنة لأجل الإفراج عن السفينة والبحارة والبضائع، بالإضافة إلى ارتفاع قيمة التأمين البحري في مناطق بحرية معينة.

وتختصر القرصنة البحرية في قيام مجموعة من الأشخاص بالتسلل إلى السفن العابرة في البحار والقيام بأفعال التهديد باستخدام السلاح والعنف الموجه مباشرة ضد طاقم السفينة والسيطرة الفعلية على السفينة وحمولتها، ثم المطالبة بالفدية المالية للإفراج عن السفينة وحمولتها والبحارة. حيث قام القراصنة بالاستيلاء على مجموعة من السفن التجارية في منطقة المحيط الهندي قبالة السواحل الصومالية وخليج عدن وذلك باستخدام الأسلحة النارية المختلفة وبالعنف والتهديد الذي كان ضحيته عدد من البحارة من مختلف الجنسيات، وتشير الإحصائيات الرسمية الصادرة من الجهات المختصة التابعة لمنظمة الأمم المتحدة إلى أن عدد السفن التي تم الاستيلاء عليها من قبل القراصنة بلغ (53) سفينة في العام 2010 م، و(5) سفن في العام 2017م. وبعد مرور عامين على انتشار هذه الظاهرة ومع الرغبة الأكيدة من المجتمع الدولي في تفادي وتجريم أفعال القرصنة البحرية فقد عقدت الأمم المتحدة مؤتمراً في عام 2010م وذلك لمناقشة أسباب ومبررات وأهداف القرصنة البحرية والتي غالبا ما تعزى إلى الفقر وانعدام الاستقرار بكافة أنماطه، حيث خرج المؤتمر بجملة من التوصيات منها أهمية قيام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باستحداث أو تعديل القوانين الجزائية الوطنية لتشمل تجريم ظاهرة القرصنة البحرية التي ترتكب في المناطق البحرية الخاضعة لسيادة أي دولة عضو في الأمم المتحدة أو التي ترتكب ضد السفن أو حمولتها والتي تحمل علم دولة ما وإن كانت السفينة في أعالي البحار، وتجريم أفعال الترهيب والعنف والتهديد باستخدام السلاح بمختلف أنواعه ضد الأشخاص على متن السفينة مهما كانت جنسيتها.

يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء عن الأطر القانونية الدولية ثم الوطنية التي تهدف إلى قمع ومكافحة جريمة القرصنة البحرية فقط، وذلك لإعطاء صورة واضحة عن النهج التشريعي الحديث في قـــــــانون الجزاء الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم (7/‏2018) على أن نترك المجال للحديث عن جريمة القرصنة المرتكبة ضد وســــائل النقل الأخرى للمختصين في هذا الجانب. ونبدأ بالتشريعات الدولية ثم التشريعات الوطنية.
تعتبر اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1982م والتي انضمت إليها السلطنة بموجب المرسوم السلطاني رقم (67/‏89) أول اتفاقية دولية جرمت أفعال القرصنة البحرية، فقد عالجت هذه الاتفاقية جريمة القرصنة في المواد (100 - 107). حيث اتجهت إلى تعريف القرصنة في المادة (101) من خلال تحديد مجموعة من الأعمال أو الأفعال التي يعتبر فاعلها عمدا مقترفاً لجريمة القرصنة ومنها القيام بأعمال غير قانونية من أعمال العنف والاحتجاز أو أي عمل سلب في أعالي البحار أو في منطقة بحرية خارج ولاية أي دولة وتكون هذه الأفعال موجهة ضد السفن أو ضد الأشخاص فيها أو ضد حمولتها، كما امتدت هذه الأفعال غير المشروعة لتشمل فعل التحريض على ارتكاب أعمال غير مشروعة موجهة ضد السفن والأشخاص وحمولتها كما سبق بيانه، وفي هذا الصدد نجد أيضا بأن هذه الاتفاقية قد اعتبرت السفن المملوكة لمنظمات أو جمعيات خاصة غير حكومية تطوعية قد تعنى مثلا بالمحافظة على نوع معين من الأحياء البحرية كالحيتان أو الدلافين بأنها سفن قرصنة وذلك لما تقوم به هذه السفن من استخدام بعض الأسلحة لترهيب صيادي هذه الأحياء البحرية. وحثت أحكام هذه الاتفاقية بأنه ينبغي التأكيد على الجهات الأمنية أو السلطات القضائية المعنية بالتحقيق وجمع الأدلة في السلطنة أن تنظر بعين الاعتبار وبشكل دقيق إلى البلاغات التي ترد إليها بارتكاب جريمة القرصنة أو مجرد الاشتباه في جريمة القرصنة وذلك لتجنب حجز السفن أو تأخيرها بدون مبررات كافية مما يترتب عليه عند حجز السفينة أو تأخيرها بدون مبررات كافية دفع تعويضات مالية من خزانة الدولة إلى المتضررين.
كما تعتبر الاتفاقية الدولية لقمع الأعمال غير المشروعة الموجهة ضد سلامة الملاحة البحرية لعام 1988م والتي انضمت إليها السلطنة بموجب المرسوم السلطاني رقم (66/‏90) ثاني اتفاقية تهدف إلى ضمان اتخاذ الإجراءات المناسبة ضد الأشخاص الذين يرتكبون الأفعال غير المشروعة ضد السفن أو الأشخاص عليها أو على حمولتها. فقد نصت المادة (3) من هذه الاتفاقية على مجموعة من الأفعال الإجرامية التي ترتكب عمداً وبطريقة غير مشروعة وهي الاستيلاء على سفينة أو السيطرة عليها باستخدام القوة أو التهديد باستخدامها أو باستعمال أي نمط من أنماط الإخافة، وممارسة عمل من أعمال العنف ضد شخص على ظهر السفينة إذا كان هذا يمكن أن يعرض للخطر الملاحة الآمنة للسفينة، وتدمير السفينة أو إلحاق الضرر بها أو بطاقمها مما يمكن أن يعرض للخطر الملاحة الآمنة لهذه السفينة، والإقدام بأية وسيلة كانت على وضع أو التسبب في وضع مادة على ظهر السفينة يمكن أن تؤدي إلى تدميرها أو إلحاق الضرر بها أو بطاقمها مما يعرض للخطر أو قد يعرض للخطر الملاحة الآمنة للسفينة، وتدمير المرافق الملاحية البحرية أو إلحاق الضرر البالغ بها أو عرقلة عملها بشدة، كما وقعت السلطنة على مدونة السلوك الدولية لقمع القرصنة البحرية في 29 يناير 2009م، فقد نصت هذه المدونة على تعريف مستقل لكل من القرصنة البحرية والسطو المسلح، حيث عرفت هذه المدونة القرصنة على أنها أعمال غير قانونية من أعمال العنف أو الاحتجاز أو أي عمل سلب يرتكب في أعالي البحار ضد السفينة أو ضد أشخاص أو حمولة السفينة، كما شملت القرصنة أيضا أعمال الجمعيات التطوعية إذا اقترفت هذه الجمعيات التطوعية أثناء ممارسة نشاطها في البحار أحد أعمال العنف أو السلب أو الاحتجاز الموجهة ضد السفن أو الأشخاص عليها أو حمولتها، كما شمل تعريف القرصنة أيضا التحريض على ارتكاب أحد الأعمال التي سبق بيانها أو سهل عمدا ارتكابها. حيث عرفت هذه المدونة السطو المسلح على أنه عمل غير مشروع من أعمال العنــــف أو الاحتجاز أو أي عمل من أعمال السلب أو التهديد بالسلب تكون هي الأخرى موجهة ضد السفينة أو الأشخاص عليها أو حمولتها.
و خلاصة مما تقدم نجد بأن الاتفاقيات الدولية ومدونة السلوك قد اتفقت في جملة من العناصر في جريمة القرصنة، أولها تحديد الأعمال أو الأفعال الإجرامية التي تمثل جريمة القرصنة، ثانيا حددت هذه الاتفاقيات المنطقة الجغرافية التي تنطبق عليها وهي المياه الواقعة وراء الحدود الخارجية للبحر الإقليمي لدولة منفردة أو الحدود الجانبية لهذا البحر مع الدول المتاخمة أو عبر تلك المياه أو منها أو في أعالي البحار، ثالثا ذهبت هذه الاتفاقيات ومدونة السلوك إلى واجب الدول في معاقبة مرتكبي جريمة القرصنة وفقا لقوانينها الوطنية بما يتواءم مع أحكام القانون الدولي العام ومراعاة اتفاقيات حقوق الإنسان، رابعا أكدت هذه الاتفاقيات على أهمية تجنب حجز السفينة أو تأخيرها بدون مبررات كافية مما يترتب عليه في حالة حجز السفينة أو تأخيرها بدون مبررات كافية إلى دفع تعويضات مالية من خزانة الدولة إلى المتضررين.

مدير دائرة التشريعات البحرية مستشار للمنظمة البحرية الدولية