سلام على الحدود

الحدث الأحد ٢٩/أبريل/٢٠١٨ ٠٢:١٦ ص
سلام على الحدود

سول-واشنطن (رويترز)

يقول لي سو-كيونج (34 عاماً) وهو مدرس في سول العاصمة الكورية للجنوب «لم أره إلا في وسائل الإعلام وهو يقف في موقع نووي أو حدث سياسي لا تظهر على وجهه أي تعبيرات لكنه في الحقيقة بدا ودوداً ومحترماً حين رحب بمون».

لكن في لقطات بثها التلفزيون على الهواء مباشرة وشاهدها ملايين الكوريين الجنوبيين ابتسم بود وتحدث ومزح بل وعانق الرئيس الكوري الجنوبي مون جيه-إن خلال أول قمة بين الكوريتين منذ العام 2007.ولعدة سنوات اعتبر الكوريون الجنوبيون الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون متنمراً لا يعرف الرحمة فهو وجه دولة معادية عقدت العزم على تطوير أسلحة دمار شامل انصاع مواطنوها لكل نزواته.
لكن خلال زيارة استغرقت 12 ساعة عبر الحدود سعى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون على ما يبدو إلى تحسين هذه الصورة، ولو بقدر قليل من خلال تقديم نفسه كشخص عادي بل ربما ودود له جانب متواضع خفي وحاضر البديهة. كانت هذه فرصة نادرة للحصول على لمحة عن كيم الذي نادرا ما يغادر بلده وتصوره آلة الدعاية الكورية الشمالية باعتباره البطل معبود الجماهير. وبدا كيم سعيدا بلقاء مون فمازحه في أحيان وأنصت إليه باهتمام في أحيان أخرى. وقال مسؤولون إنه في إحدى المراحل مزح كيم قائلا: إن إطلاق كوريا الشمالية للصواريخ في الصباح الباكر أيقظ مون عدة مرات على الأرجح ووعد ألا يكرر ذلك مرة أخرى.وظهر على كيم الارتياح خلال القمة.وقال كيم هيونج-سوك نائب وزير الوحدة الكوري الجنوبي السابق: «يبدو أنه قام بالكثير من التحضيرات لكنه كان مرتاحاً جداً وخرج عن النص». وأضاف: «كان هذا ظهوره الأول على الساحة العالمية، والآن يريد العمل مع المجتمع الدولي وإعادة بناء الاقتصاد ولهذا يحتاج صورة الزعيم اللطيف الراقي». وتعانق زعيما كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية بعد التعهد بالعمل من أجل «نزع السلاح النووي بالكامل من شبه الجزيرة الكورية» لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال إنه سيواصل الضغط على بيونج يانج قبل اجتماع مرتقب لم يسبق له مثيل مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون.وخلف اللقاء صوراً مفعمة بالمشاعر ودرامية للكوريين ونتج عنه إعلان طموح لكنه لم يخرج بالتزامات محددة، وفشل في الإجابة على أسئلة رئيسية بشأن نوايا بيونج يانج فيما يتعلق بترسانتها النووية قبل قمة أمريكية كورية شمالية متوقعة في الأسابيع المقبلة.وفي يوم حافل بالابتسامات والمصافحات خلال أول قمة بين الكوريتين منذ أكثر من عشرة أعوام أعلن البلدان أنهما سيتعاونان مع الولايات المتحدة والصين هذا العام لإعلان نهاية رسمية للحرب الكورية التي دارت رحاها في الخمسينيات، والسعي لإبرام اتفاق لتحقيق سلام «دائم» و»راسخ» في شبه الجزيرة. وشمل الإعلان من زعيمي كوريا تعهدات بالحد من التسلح بشكل تدريجي ووقف الأعمال العدائية وتحويل الحدود المحصنة بين البلدين إلى منطقة سلام والسعي لإجراء محادثات متعددة الأطراف مع دول أخرى مثل الولايات المتحدة.وقال الجانبان: «يعلن الزعيمان أمام شعبنا الذي يبلغ تعداده 80 مليونا وأمام العالم بأسره أنه لن تكون هناك حرب أخرى في شبه الجزيرة الكورية وأن عصراً جديداً من السلام قد بدأ»وعقدت القمة في قرية بانمونجوم في المنطقة منزوعة السلاح شديدة التحصين على الحدود التي تقسم الكوريتين منذ أكثر من ستة عقود.وعلى الرغم من اتفاق الكوريتين على هدف مشترك وهو شبه جزيرة خالية من السلاح النووي لم تفصحا عن المعنى المحدد لذلك عملياً ولا كيفية تنفيذه.وقال الزعيمان إن الرئيس الكوري الجنوبي مون جيه-إن وافق على زيارة بيونج يانج هذا العام. وأصبح كيم جونج أون أول زعيم لكوريا الشمالية تطأ قدماه الجنوب منذ الحرب الكورية بين عامي 1950 و1953 بعد أن صافح مون فوق حاجز خرساني قصير يرسم الحدود بين البلدين في المنطقة شديدة التحصين منزوعة السلاح.

تناقض مع التوتر

تناقضت مشاهد مون وكيم وهما يمزحان ويسيران معا بشدة مع لقطات من العام الفائت لإطلاق الصواريخ الكورية الشمالية وأكبر تجربة نووية أجراها الشمال والتي أدت إلى عقوبات دولية واسعة ومخاوف من نشوب صراع في شبه الجزيرة الكورية.
وتأتي القمة قبل أسابيع من لقاء مزمع بين كيم والرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي سيكون أول اجتماع على الإطلاق بين زعيمين للبلدين في السلطة.ويقول كثير من المحللين إنه على الرغم من أن العقوبات أضرت بكوريا الشمالية إلا أن كيم يعتقد الآن أن لديه ميزة في التفاوض بعد التقدم الذي حققه في تطوير صاروخ قادر على حمل رؤوس نووية يصل مداه للولايات المتحدة وليس من المرجح أن يتخلى بالكامل عن قدرات بلاده النووية.

وقال كيم بعد توقيع الاتفاق: «سنبذل جهوداً لتحقيق نتائج طيبة عبر التواصل عن كثب من أجل ضمان ألا ينتهي المطاف بالاتفــــــــاقات التي وقعنـــــــاها أمام العالم بأسره بأن تكون مجـــــــــرد بداية مثل الاتفاقات السابقة».

تاريخ جديد

كان مون استقبل كيم عند خط ترسيم الحدود العسكرية حيث تبادلا الابتسام وتصافحا. وفي لفتة عفوية، دعا كيم الرئيس الكوري الجنوبي إلى عبور الخط إلى الشمال لفترة وجيزة قبل أن يعود الاثنان مرة أخرى إلى الجانب الكوري الجنوبي من الحدود. وقال كيم الذي ارتدى بذلته السوداء التقليدية: «كنت متحمساً للقاء في هذا المكان التاريخي وإنه لأمر مؤثر بالفعل أن تأتي كل هذه المسافة إلى خط ترسيم الحدود للترحيب بي بنفسك».
وكتب كيم باللغة الكورية في دفتر الزوار ببيت السلام في كوريا الجنوبية قبل بدء المحادثات: «تاريخ جديد يبدأ الآن. عهد من السلام». وقال مسؤول رئاسي كبير إن كيم أخبر مون في جلستهما الخاصة في الصباح بأنه جاء إلى القمة لإنهاء تاريخ من الصراع، ومزح الزعيم الكوري الشمالي مع رئيس الجنوب قائلا: إنه يأسف لإيقاظه بسبب تجارب إطلاق الصواريخ التي كان يجريها في الصباح الباكر. وكشف مون وكيم عن إعلانهما المشترك قبل التوجه لمأدبة عشاء.
وشاهدا في وقت لاحق مع زوجتيهما عرضاً موسيقياً وتابعا عرضاً لصور التقطت خلال القمة على وقع أغنية شعبية من نوع (كيه-بوب) تشمل كلمات «نصبح عائلة من جديد». وبعد وداع حار، عاد كيم في سيارته إلى كوريا الشمالية.
وقبل أشهر فحسب تبادل ترامب وكيم التهديدات والإهانات فيما حققت كوريا الشمالية تقدماً سريعاً في تطوير أسلحتها النووية وقدراتها الصاروخية.