أجيال من الملاريا

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٦/أبريل/٢٠١٨ ٠٧:٤٨ ص

هارالد نوسر

يعد إنهاء الوباء هو عملية ماراثونية وفي حالة الملاريا، نحن نقترب من خط النهاية ولكننا سوف نحتاج إلى الحفاظ على استمرار الزخم.

وعلى مدى العقود القليلة الفائتة، تمكنت الحكومات والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص من تحقيق اختراقات جديده فيما يتعلق بعلم علاج الملاريا وقامت بتوجيه موارد استثنائية تجاه هذه القضية ولقد أتت هذه الاستثمارات ثمارها حيث انخفض معدل وفيات الملاريا في العالم بنسبة 60٪ بين عامي 2000 و 2015.

ومع ذلك، فإن التحديات المتصاعدة مثل مقاومة العقاقير ومبيدات الحشرات تهدد بعكس مسار التقدم الذي أحرزناه وعلى مدى سنتين متتاليتين فقد ارتفعت نسبة وفيات الملاريا في حين استقر التمويل على مستوى معين وبالتالي، فإن اليوم العالمي لمكافحة الملاريا هذا العام (25 أبريل) يجب أن يؤدي إلى مضاعفة جهودنا وسوف يتطلب استئصال الملاريا حلولاً جديدة في مجال الطب والسياسات الصحية بالإضافة إلى إرادة سياسية أقوى.
لقد نشطت شركتي «نوفارتيس» في أفريقيا على مدى العقدين الفائتين وقدمت الأدوية المضادة للملاريا وعملت مع الحكومات لدعم أنظمة الرعاية الصحية وقد تعلمنا خلال ذلك الوقت أننا بحاجة إلى المزيد من المعلومات المباشرة من خبراء الملاريا الذين يعملون في الخطوط الأمامية لمعركة القضاء على الملاريا.
ولتحقيق هذه الغاية، لقد قمنا بإطلاق دراسة عن «مستقبل الملاريا في أفريقيا» برئاسة مشتركة لريتشارد كاموي وهو سفير المنظمة الدولية للتعاون بين الحكومات «ايلامينيت 8» وبوب سنو من برنامج «صندوق كيمري-ويلكم» وجامعة أكسفورد وقد جمعت الدراسة نصائح من وزراء الصحة ورؤساء البرامج الوطنية لمكافحة الملاريا والأكاديميين وقادة المجتمع من 14 دولة أفريقية وكلهم يقدمون رؤى نقدية حول التحديات والفرص المهمة في مكافحة المرض.
إن واحدة من أوضح نتائج الدراسة هي أننا بحاجة إلى تسليح أنفسنا ضد التهديد المتصاعد لمقاومة العقاقير ومبيدات الحشرات من خلال الاستثمار في الأبحاث والتطوير لعلاجات الجيل المقبل المضادة للملاريا ولقد طور البعوض الحامل للملاريا مقاومة للمبيدات الحشرية الشائعة الاستخدام في 61 دولة حول العالم، وقد بدأت في جنوب شرق آسيا بعض سلالات طفيلي الملاريا نفسها في تطوير مقاومة للأرتيميسينين وهو المكون الأساسي في العلاج الاعتيادي.
وبدون استجابة متضافرة من المجتمع الصحي العالمي، يمكن أن تنتقل سلالات الملاريا المقاومة للأدوية إلى إفريقيا وتسبب أكثر من 100000 حالة وفاة جديدة كل عام ولتجنب هذه النتيجة يجب أن نستثمر أكثر في شراكات مبتكرة بين القطاعين العام والخاص مثل شركة التحالف العالمي للقاحات والتحصين وشركة أدوية لمكافحة الملاريا وصندوق ويلكم وكلها تعمل على تطوير أدوات جديدة للوقاية والعلاج.
ومن الأفكار الأساسية الأخرى التي توصلت إليها الدراسة أننا بالفعل بحاجة إلى استخدام أفضل للأدوات التي لدينا حيث يموت كل دقيقتين طفل من الملاريا، في المتوسط، ولكن واحداً فقط من كل خمسة أطفال مصابين يتلقى العلاج المناسب فقد ساعدت نوفارتيس منذ ما يقرب من عقد من الزمان على تطوير المعيار الذهبي في طب الأطفال المضاد للملاريا وقد تبرعنا بأكثر من 350 مليون جرعة منذ العام 2009 ولكن استمرار الوفيات الناجمة عن الملاريا يظهر أن العلاج لا يصل إلى كل طفل محتاج ومن الواضح أننا نحتاج إلى توسيع عملية الوصول إلى الدواء ليس فقط من خلال التدابير المحددة ولكن من خلال بناء قدرات أنظمة الرعاية الصحية.
ولهذا السبب يجب أن يركز الفصل التالي من التنمية الصحية العالمية على تحسين تقديم الرعاية حيث أنقذ المجتمع الصحي العالمي منذ العام 2000 ملايين الأرواح من خلال الاستجابة لأوبئة محددة مثل فيروس نقص المناعة البشرية والسل والملاريا ولكن يجب الآن دمج هذه الجهود بالكامل في النظم الصحية الوطنية لضمان حصول جميع المرضى باستمرار على رعاية عالية الجودة.
سوف يتطلب التقدم القضاء على النقص في الأطباء والممرضات وحفظ السجلات إلكترونيا وتعزيز توفير الرعاية الأولية وتحسين نوعيتها حيث إن هذه التدابير لن تساعد فقط في مكافحة الأمراض المعدية ولكن أيضا سوف تساعد في الجهود الجارية لعلاج الأمراض المزمنة والتي تفرض عبئاً إضافياً بالنسبة للأمراض على العديد من البلدان النامية.
وغني عن القول بإن تحسين نظم الرعاية الصحية سوف يتطلب المزيد من الموارد والقيادة القوية لا سيما في البلدان الأكثر تضرراً بالملاريا وكما أوضح جميع المشاركين في الدراسة تقريباً، فإننا بحاجة إلى تجاوز آليات التمويل التقليدية من المانحين للاستفادة من الموارد المحلية.
إن غانا هي واحدة من الدول التي تقود الطريق على هذه الجبهة فنظراً لانخفاض أموال المانحين فقد جمعت الحكومة الغانية قادة القطاع الخاص في البلاد لإطلاق مؤسسة غانا لمكافحة الملاريا والتي تعمل حالياً على سد فجوات التمويل العاجلة، ولكنها سوف تساعد في النهاية على قيادة جهود محلية مستدامة للقضاء على الملاريا في ذلك البلد.
إن هذه لحظة صعبة في مكافحة الملاريا ولكنها أيضاً لحظة يمكن اغتنام الفرص من خلالها فمن جانبها، أعلنت شركة نوفارتيس مؤخراً أنها ستستثمر أكثر من 100 مليون دولار في الأبحاث المضادة للملاريا خلال السنوات الخمس المقبلة من أجل المساعدة في احتواء سلالات المرض المقاومة الناشئة وينصب تركيزنا الآن على إكمال التجارب السريرية لاثنين من العقاقير المرشحة الواعدة الجديدة المضادة للملاريا وفي الوقت الذي يجري فيه تطوير هذه العلاجات، فإننا نعمل أيضًا على وضع إستراتيجية لضمان قدرة المرضى في البلدان الموبوءة بالملاريا على تحمل تكاليف تلك العقاقير وتحسين فعالية استجابتنا من خلال تحديد المناطق التي تحدث فيها اكثر حالات الملاريا.
لقد كان الكفاح ضد الملاريا بمثابة ماراثون امتد لعقود عديدة علما أن العالم قد تعهد رسمياً من خلال أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بإنهاء وباء الملاريا بحلول العام 2030 وهذا الهدف يمكن تحقيقه قريبا ولكن لا يمكننا الاعتماد على نهجنا الحالي حتى نتمكن من عبور خط النهاية.
وبدلاً من ذلك، نحتاج إلى الاستماع إلى أولئك الموجودين على الخطوط الأمامية ونصغي لنداءاتهم من أجل تجديد الالتزام بإنهاء الملاريا ومن خلال الاستثمار في أدوات الجيل المقبل وبناء أنظمة الرعاية الصحية المستدامة، يمكننا نقل هذا المرض إلى كتب التاريخ إلى الأبد.

رئيس الأعمال الاجتماعية لشركة نوفارتيس.