كرة قدم نسائية

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٣/أبريل/٢٠١٨ ٠٧:٣٣ ص
كرة قدم نسائية

مي رستم

تحطم فتيات قرية البُرجاية الأعراف الثقافية وتكسر الحواجز بين الجنسين من خلال ممارسة كرة القدم، الرياضة التي يسيطر عليها الذكور بشكلٍ تقليديٍ، في إحدى قرى صعيد مصر. يروي يحيي فاروق، رئيس مجلس إدارة مركز شباب البُرجاية، كل تفاصيل القصة.

في العام 1920، كانت كرة القدم النسائية أكثر أهمية من نظيرتها للرجال، إذ كانت تهدف إلى جمع الأموال للمؤسسات الخيرية في فترة ما بعد الحرب العالمية وكانت تحظى بمتابعة آلاف المشاهدين. وفي فيلمٍ وثائقيٍ مفاجئٍ للصحفية الإذاعية البريطانية كلير بالدينغ، كشفت عن أكبر سر خفي في عالم كرة القدم وهو أن الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم قرر حظر الفرق النسائية في 5 ديسمبر 1921، موضحا أن «لعبة كرة القدم غير مناسبة تماما للإناث» وأمر بضرورة عدم تشجيعهن على ممارستها. ومع ذلك، وبعد بضع سنوات، أُنشئ الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم النسائية، وأخيرا بعد عقودٍ رُفع الحظر عن ممارسة كرة القدم النسائية العام 1971. ولم تبدأ كرة القدم النسائية في استعادة شعبيتها إلا بعد مرور عامين آخرين. قرية البُرجاية هي قرية صغيرة تقع بمحافظة المنيا في صعيد مصر. ومثلما تتوقع أن تكون أي قرية، فإن قرية البُرجاية صغيرة للغاية ومقيدة -مثلها مثل باقي ضواحي صعيد مصر- بقواعد صارمة وأعراف ثقافية تُفرض على أي خطوة تتخذها. لكن حينما يتعلق الأمر بكسر المحرمات الاجتماعية، يثبت أهل القرية أن كل ما يتطلبه الأمر هو العزم والمثابرة.

أحد سكان القرية هو يحيى فاروق، لاعب كرة قدم سابق في أحد أكبر الأندية بالعاصمة المصرية القاهرة، الذي أجبره والداه على ترك رياضته المفضلة بعد رسوبه في اختبارات المرحلة الدراسية الثانوية. وقال يحيى: «نشأت في بيتٍ تقليديٍ للغاية مع والدين متشددين للغاية. عندما علم والدي أنني رسبت في اختبارات المدرسة الثانوية، منعني من رؤية زملائي بالفريق وفي نهاية الأمر منعني من لعب كرة القدم في القاهرة تماما».
ولشعوره بالعجز، ترك يحيى أحلامه بممارسة كرة القدم في العاصمة خلفه ليركز في دراسته ويعود إلى قريته. وفي حين لم يتخلّ يحيى عن حلمه تمامًا، نجح اللاعب الذي كان يبلغ من العمر 19 سنةً وقتئذ في الجمع بين الدراسة وممارسة كرة القدم في مركز شباب القرية. لم يكن اجتياز الاختبارات وإتمام الدراسة الجامعية بجانب اللعب في الدوري المصري الممتاز بالمهمة السهلة، لكن يحيى نجح في إنجازها. بعد سنواتٍ، وبعد تخرجه في كلية إدارة الأعمال والعمل بالخارج، قرر يحيى أن الوقت قد حان ليشعل حبه للعبة من جديد ويوجهه لخدمة مركز شباب قريته. وأوضح يحيى قائلًا: «لم أكن أريد أن يعاني أحد من الشعور بالرفض واليأس الذي شعرت به عندما كنت في سن المراهقة. كان الوقت قد حان لفعل شيء من أجل مسقط رأسي وبلدي ولهذا السبب قررت أن أترشح لرئاسة مجلس إدارة مركز شباب البُرجاية». وفي العام 2002، عُين يحيى رئيسا للمركز؛ مما منحه الفرصة لإنجاز شيء حقًا. وقال يحيى: «لم يكن لدى قرية البُرجاية ملعب كرة قدم مناسب، إذ اعتدنا اللعب في ملعب ترابي؛ وهو ما جعلنا وآباءنا غاضبين بشدة. زرعت ملعب عشبي بنفسي وبمساعدة بعض سكان القرية، كنا نرويه بالماء ونجز العشب حتى أصبح مناسبًا للعب عليه». شيئًا فشيئًا، استمر يحيى في إجراء تغييرات فارقة قليلة في جميع أنحاء المركز. بدايةً من تسوير الملعب إلى بناء محلات تجارية (التي ستمول المركز بأكمله لاحقًا)، بدأت جهود يحيى لتطوير المركز تؤتي ثمارها، وكان تفكيره المتطور وحبه للمركز سببًا في بناء علاقة جديرة بالثقة مع أهل قريته. وأوضح يحيى قائلًا: «كان من الصعب للغاية إنجاز أي شيء بالاعتماد على المساعدات المالية السنوية التي تقدمها الحكومة للمركز. كان هناك الكثير من الأشياء التي تحتاج إلى التغيير وكانت الطريقة الوحيدة التي يمكنني فعل ذلك من خلالها هي جمع الأموال. طلبت المال من والديّ، وبنيت محلات تجارية وعرضتها للبيع في مزادٍ علنيٍ، بل وأنفقت من مالي الخاص لأتمكن من دعم المركز بكل طريقة ممكنة».

التقدم

وبعد 14 سنةً من العمل الشاق، يملك مركز شباب البُرجاية الآن واحدًا من أفضل ملاعب كرة القدم في صعيد مصر. وبجانب كرة القدم، سعى يحيى جاهدًا إلى بناء صالة تدريب مغلقة لدعم رياضة الجمباز ورياضة الكونج فو واستضافة الفعاليات والأنشطة الرياضية الأخرى.

وفي جزءٍ من التغييرات التي كانت تحدث في هذه القرية الريفية، أراد يحيى والمدير الفني لفريق كرة القدم النسائية بالمركز، أيمن طه، فعل شيء مختلف.
وقال يحيى: «قبل سنتين، طرأت علينا أنا ومدرب الفريق أيمن طه فكرة تكون فريق لكرة القدم النسائية. كنا نريد كسر الأعراف التقليدية وإيجاد بيئة لنسائنا للتعبير عن أنفسهن رياضيا». وبعد أن واجها الكثير من المقاومة من أولياء الأمور في البداية، كان يحيى وأيمن متحمسيّن للترحيب بالمشاركات من جميع أنحاء القرية.
وقال يحيى: «كانت لدينا أمهات عاملات وطالبات بالمدرسة والجامعة وفتيات ملازمات لبيوتهن، أتين إلينا من جميع أنحاء القرية. في البداية، كان آباؤهن يرافقونهن في أثناء التدريبات لكن بمرور الوقت ازدادت الثقة بنا وارتفع مستوى المشاركة». وتحول الأمر الذي بدأ بمجموعةٍ مكونةٍ من عشر فتيات في سن المراهقة، كن يتدربن بهدف اكتساب المرونة وتقوية العضلات ورفع مستوى اللياقة البدنية، سريعًا إلى فريقٍ مكونٍ من 25 فتاةً مسجلةً الآن في الاتحاد المصري لكرة القدم ويشاركن بالدوري المصري الممتاز لكرة القدم النسائية؛ ليتمكنّ من الفوز بمباراتهن الأولى أمام فريق الغردقة بنتيجة 3-1. وقال يحيى: «قوبلت مباراتنا الأولى على الإطلاق بحماسٍ بالغٍ. كنا نلعب ضد فريق الغردقة في ملعبنا وتابع المباراة أكثر من 800 متفرجٍ بحضور عمدة القرية، وقامت عشرات النساء بتشجيع الفتيات من شُرفات منازلهن. لن أنسى هذا اليوم أبدا». والآن يأمل يحيى أن يرى المزيد من فتيات قريته يمارسن كرة القدم، ويعتقد أن شيئًا بسيطًا مثل فريق كرة قدم يمكنه صنع الفارق للنساء في ريف مصر. وقال يحيى: «أنا فخور للغاية بالفتيات لأن لديهن الآن ما يمنحهن الأمل ويعلِّمهن المسؤولية والالتزام. يمكنهن الآن أن يصبحن النساء القويات المستقلات، وهن كذلك بالفعل».