دولة الأغنياء ..

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٩/مارس/٢٠١٦ ٠١:٥٠ ص
دولة الأغنياء ..

لميس ضيف
lameesdhaif@gmail.com

ثمة أرقام صعبة الهضم ، تعكس واقع تكديس الثروة والممتلكات في العالم ، تعكس الظلم والفساد والاستبداد وموبقات أخرى. اليوم ، وعلى هذه الأرض ، يملك 1% من سكان العالم نصف ثروة العالم فيما يتقاسم 7 مليار إنسان الباقي !
وهناك مجموعة ضئيلة من البشر ، لا يتجاوز عددهم 85 شخصاً يمكن جمعهم ببساطة في حافلة واحدة ؛ يملكون وحدهم 1.7 تريليون دولار ( التريليون ألف مليار للعلم).. وهو ما يعادل ما يملكه 3,5 مليار نسمة مجتمعين !
واقعا ؛ وصلت ثروة العالم بأسره اليوم إلى 110 تريليون دولار - وفقا لصحيفة الإندبندنت البريطانية – مقسمة بشكل مؤسف على مناطق العالم ؛ بحيث يموت آلاف من الجوع والبرد لعدم تحملهم كلفة التدفئة ، فيما ترى بعض الدول نفسها " مضطرة" للتخلص من محاصيلها الوفيرة من الذرة والحبوب والقمح عبر حرقها كي لا تؤدي " وفرتها " للإطاحة بسعرها في السوق !!
في تقريرها الذي عرضته بالتزامن مع مؤتمر دافوس الاقتصادي.. صفت منظمة "أوكسفام" للإغاثة صوراً مروعة وحذرت من اتساع الفجوة بين الأغنياء والفقراء ، والعواقب الوخيمة التي ستحصدها البشرية ، وقالت بأن النظام الرأسمالي الذي يحكم العالم يحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى " لكوابح أخلاقية " ليوقف مهزلة الأمعاء الخاوية في عالم تفيض موارده على حاجاته .. ولم يلتفت لدعوتهم أحد .. فمن أستوطنهم الجشع لا يقفون كثيرا عند الوسيلة ، ولا يتحاشون ظلم الفقراء ، ولا يجدون بأسا في الاستغلال والصعود على الجماجم.. لذا بلور العالم اليوم منظومة طبقات شرسة ، هي مرآة لكل آثام وشرور هذا العالم . فأكبر شركات العالم نقلت مصانعها لأفقر دول العالم – لا لتنهض بهم – بل لتستغل فقرهم في دفع أجور زهيدة ، وتستغل القوانين المطاطية المتعلقة بعمل الأطفال والقصر ، وغياب حقوق العمال لتتعملق أكثر على حساب الأجساد الهزيلة . وعندما حاولت الاشتراكية تحدي هذا النموذج خرجت بنموذج أصّم أعور آخر لم يصمد كثيرا ..
وبلا تحيز – صدقونا- لازال النظام الإسلامي يبدو كحل متكامل لتلك المعضلة – وإن لم يكن مطبقا أو مفعل – يقول جل وعلا في سورة الحشر " كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاء مِنكُمْ " محذرا من تكدس الثروة في يد فئة قليلة . ولم يحرم الإسلام الربا والاحتكار والاكتناز عبثا ، ولم يشرع الزكاة ويشدد على الصدقات إلا لضرب نموذج الغنى الفاحش الذي يُميت القلب والضمير..
وتحريم الاكتناز بالمناسبة مبدأ إسلامي متفوق، يقول تعالى" وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ " والاكتناز اقتصاديا هو ترك ثروات " أراضي ، أموال وغيرها" في صورة عاطلة، تقود لاختناقات في حركة تداول الثروة يترتب عليها تباطؤ النشاط الاقتصادي وهو ما نراه اليوم في " رأس المال الجبان" الذي يجمد نفسه مع كل هزة اقتصادية ويسرح الموظفين ما يؤدي لدمار ينال أكثر ما ينال من الفقراء والمهمشين ..
أننا نفخر – من جهة – أننا ننتمي لدين صنف الزكاة والصدقة على أنها " حق " ليصون كرامة الفقراء .. ونخجل من جهة أخرى بأننا نملك مفاتيح نظام كان ليحل معضلات العالم لو كنا قدمناه للعالم أو حتى طبقناه على أنفسنا ..