تغيرت العصور.. وبقي أبو جهل

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٨/أبريل/٢٠١٨ ٠٣:٣٣ ص
تغيرت العصور.. وبقي أبو جهل

لميس ضيف

في كتابه «مهزلة العقل البشري»، يقول د.علي الوردي: «يعتقد المسلمون اليوم أنهم لو كانوا يعيشون في زمن الدعوة لدخلوا فيها، ولست أرى مغالطة أسخف من هذه المغالطة.

تصور يا سيدي القارئ نفسك في مكة إبان الدعوة الإسلامية، وأنت ترى رجلاً مستضعفاً يؤذيه الناس بالحجارة ويسخرون منه، ويقولون عنه إنه مجنون. وتصور نفسك أيضاً قد نشأت في مكة مؤمناً بما آمن به آباؤك من قدسية الأوثان، تتمسح بها تبركاً وتطلب منها العون والخير. ثم تجد ذلك الرجل المستضعف يأتي فيسب الأوثان التي تتبرك بها فيكرهه الناس وينسبون إليه كل منقصة ورذيلة. فماذا تفعل؟ أرجو أن تتروى طويلاً قبل أن تجيب عن هذا السؤال». (انتهى الاقتباس).

*****
لذلك على الأرجح نحمد الله قياماً وقعوداً على نعمة الإسلام، فنحن شعوب متعصبة بطبعها وتكوينها البدائي، وربما تحرج المفكر الوردي من القول إن أغلبنا سيكون من طراز أبي جهل وأبي سفيان وأبي لهب، أو سيكونون داعمين، ومبررين، لموقفهم على أقل تقدير.

هي حقيقة لا لبس فيها..
قضى رسولنا العظيم -صلى الله عليه وسلم، ثلاث عشرة سنة كاملة، كاملة! في مكة يدعو للإسلام، كان بينهم ووسطهم ولم يجد منهم إلا الأذى والإنكار والمقاطعة والمحاربة له ولأصحابه، والمفارقة هنا أن هؤلاء، رغم استصغارهم وتقزيمهم للدين الجديد وأتباعه، لم يجدوا في أنفسهم فسحة لتجاهل هذا الدين، وترك هؤلاء القوم يمارسون حريتهم الدينية أنى شاؤوا، وتماماً كما نرى اليوم، تقبل هؤلاء دين اليهود والنصارى ولم يتقبلوا المسلمين الذين يشتركون معهم، على أقل تقدير، في البيئة والقبيلة؛ لذا وصل بهم التعصب لمحاولة تجويعهم وطردهم من المدينة كحال أغلب الأقوام مع كل من يتطهرون.

****
دار الزمن بنا.. ثم دار ودار.. وطفحت على السطح ذات النوعيات وذات العقول الجاهلية، التي تتحدى كل فكر وخطاب لا يتساوق مع ما وجدوا عليه آباءهم الأولين، لا على صعيد فئوي فحسب، بل حتى ضمن الفئة نفسها، فمنسوب التسامح في الاختلاف اليوم في أدنى مستوياته.. على صعيد السياسة والعقيدة وحتى القيم المجتمعية، والعدائية هي لغتنا الأثيرة ونارنا التي لا تخبو.

ويبقى أن نقول هنا..
إن الإنسان مُطالب، على الأقل، بالاعتراف بقصوره عن التحرر من قالبه الفكري وموروثاته، وعليه، أقلها، أن لا يرفض الناس ويحاول توجيه دفة قناعاتهم، بل وأسوأ من ذلك، يحاول تسقيطهم وإلغاءهم.
وكما بدأناها بالوردي نختمها بمقولته الشهيرة: «كلما ازداد الإنسان غباوة.. ازداد يقيناً بأنه أفقه من غيره في كل شيء»..
ودمتم أذكياء.