أفول شمس الغرب الذي نعرفه

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٩/مارس/٢٠١٦ ٠١:١٠ ص
أفول شمس الغرب الذي نعرفه

آن أبلباوم

في الخمسينيات عندما كانت المؤسسات ما تزال جديدة وهشة، أكاد أجزم أن الكثير من الناس كانوا يخشون أن التحالف الغربي لن تقوم له قائمة، وفي السبعينيات في عصر الألوية الحمراء وفيتنام، كان عدد أكبر يخشى أن الغرب قد لا يبقى على قيد الحياة. وربما لا أتذكر أننا واجهنا من قبل لحظة فارقة كتلك التي نواجهها الآن: اثنان أو ثلاثة انتخابات تفصلنا عن نهاية حلف شمال الاطلسي ونهاية الاتحاد الاوروبي وربما نهاية النظام العالمي الليبرالي الذي نعرفه.
في الولايات المتحدة نواجه احتمال حقيقي لفوز مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، وهو ما يعني أننا يجب أن نأخذ على محمل الجد احتمال وجود الرئيس ترامب، فحملة هيلاري كلينتون قد تنهار لأي من الأسباب الواضحة للغاية والتي لا نحتاج الى ذكرها هنا، ما يعني أننا في شهر يناير المقبل قد يكون لدينا في البيت الأبيض رجل غير مهتم على الاطلاق بما وصفه الرؤساء أوباما وبوش وكلينتون وريجان، وكذلك جونسون ونيكسون وترومان أنه "قيمنا المشتركة".
فترامب يدافع عن التعذيب والترحيل الجماعي والتمييز الديني ويتفاخر بأنه لن يهتم كثيرا بانضمام أوكرانيا الى الناتو، فهو لا يهتم بالناتو ولا ضماناته الأمنية في الأساس. وكتب ترامب عن الناتو يقول أن صراعاتهم لا تساوي حياة الأميركيين وأن انسحاب الولايات المتحدة من أوروبا من شأنه أن يوفر لواشنطن ملايين الدولارات سنويا. وعلى أية حال فهو يفضل الصداقة مع الأنظمة الديكتاتورية عن الديمقراطية، فهو يستطيع أن يعقد الصفقات مع الصنف الأول، ومن ثم يتطلع الى علاقة جيدة مع فلاديمير بوتين.
والأمر ليس فقط أن ترامب لا يكترث بتحالفات أميركا، بل لن يكون قادرا على المحافظة عليها. فالاتحادات العسكرية والاقتصادية لا تتطلب في الواقع قطب ثروة يقوم بعقد الصفقات ولكن الى مفاوضات مملة وتنازلات غير مرضية، وأحيانا، التضحية ببعض المطالبات الوطنية من أجل تحقيق الصالح العام. وفي عصر يكاد الجدل حول السياسة الخارجية في معظم البلدان الغربية يكون قد اختفى تماما ليحل محله برامج الواقع السياسي الأقرب الى الترفيه الهزلي، يكون من الصعب الشرح والتبرير لجمهور غير مهتم بالأساس.
وبعد عام من الآن ستكون فرنسا أيضا على موعد مع انتخابات رئاسية، ومن بين المرشحين البارزين مارين لوبان من الجبهة الوطنية التي تعد بالخروج من الناتو والاتحاد الأوروبي وتأميم الشركات الفرنسية وتقييد أنشطة المستثمرين الأجانب. ومثلها مثل ترامب، فهي تتوقع علاقة خاصة مع روسيا، التي تمول بنوكها حملتها الانتخابية. ويؤكد أصدقاء فرنسيون لي أنها إذا نجحت في الوصول الى التصفيات النهائية فإن يسار الوسط ويمين الوسط سيتحدان معا، كما حدث قبل عقدين من الزمان ضد والدها. ولكن ماذا لو أن منافس لوبان سقط فجأة ضحية لفضيحة ما، أو أن داعش نفذ هجوما في باريس؟
وبحلول ذلك الوقت ستكون بريطانيا أيضا في منتصف الطريق وعلى موعد مع اجراء تصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي. وفي الوقت الحالي فالدعوة الى اجراء الاستفتاء غير بعيدة تماما، كما أن المطالبين بالخروج هم الأعلى صوتا. وربما يتبع ذلك استفتاءات مماثلة في دول أخرى في الاتحاد الأوروبي، وبالفعل نجد فيكتور اوربان رئيس الوزراء المجري يتحدث أحيانا عن الخروج من تحت عباءة الغرب لصالح تحالف استراتيجي مع اسطنبول أو موسكو.
وليس من الصعب على الإطلاق أن نتخيل أن يعقب انفصال بريطانيا عن أوروبا انفصالها كذلك عن التحالف عبر الأطلسي. وإذا أعقب خروج البريطانيين من الاتحاد الأوروبي اضطرابا اقتصاديا شديدا ربما يصوت الرأي العام البريطاني ضد حكومة المحافظين ويعطي صوته لحزب العمال الذي تأخذ قيادته موقفا مناهضا بشدة للولايات المتحدة. وماذا بعد ذلك؟ بدون فرنسا سينتهي السوق الأوروبي الموحد، وبدون بريطانيا سيكون من الصعب أن نرى كيف يمكن أن يستمر الناتو لفترة أطول بعد ذلك. وكما لا تخفي خطابات ترامب الجذابة فإن تكاليف التحالفات ( ملايين من الدولارات سنويا) أسهل أن نرى من مكاسب على المدى الطويل.
ولأكثر من نصف قرن ظلت الوحدة الغربية والردع النووي والتسليح العسكري تعطينا الاستقرار السياسي، وساعد الفضاء الاقتصادي المشترك في تحقيق الرخاء والحرية في أوروبا وأمريكا الشمالية على حد سواء، بيد أنه وعلى ما يبدو فإن هذه الأشياء التي اعتقدنا في وقت ما أنها من المسلمات قد نستيقظ يوما لنجد أنها قد ذهبت أدراج الرياح.

كاتبة عمود في الشؤون الخارجية لصحيفة واشنطن بوست،
ومديرة برنامج التحولات العالمية في معهد ليجاتوم في لندن