التحرك العماني في المساحات المشتركة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٩/مارس/٢٠١٦ ٠١:١٠ ص
التحرك العماني في المساحات المشتركة

فريد أحمد حسن

يهتم البعض بالقول إن سلطنة عمان "لا ترى في أطماع إيران وسعيها لبسط نفوذها في المنطقة خطراً على مصالحها" ويتساءل عن أسباب هذا الموقف المختلف عن موقف شقيقاتها في مجلس التعاون وخارجه والذي يرى أن إيران سببا أساسا في توتير المنطقة وخطرا لا بد من الانتباه له واتخاذ ما يلزم من خطوات تقي من شره . أما الجواب عن كل ذلك فيجده العالم في سياسة السلطنة التي ملخصها أن عمان تقف على مسافة واحدة من كل الدول ومن كل شيء ، ولهذا فإنها لا ترى لا في إيران ولا في غير إيران خطرا عليها ، فالسلطنة لا تعادي أحدا ولا تشارك في العدوان على أحد وتتوقع من الآخرين دائما أن يتعاملوا معها بالكيفية التي تتعامل بها معهم ، ولهذا فإنها لم تتأخر عن توقيع الاتفاقيات الاقتصادية مع إيران خصوصا بعد رفع الحظر عنها ، بل باشرت في تسيير رحلات بحرية إلى بعض الجزر الإيرانية واعتمدت برامج سياحية وتجارية يلمس منافعها الشعبان العماني والإيراني .
في السياق نفسه تمكنت السلطنة من منع تأثير الحرب التي تدور في اليمن الذي يشترك معها في حدود ، عليها ، ولم تتورط فيها وآثرت بدلا عن ذلك القيام بدور إيجابي تمثل في توفير الفرص اللازمة لرأب الصدع بين الأفرقاء المتحاربين وبذلت الكثير من الجهد في هذا الخصوص ، ولا تزال مستمرة ، تماما مثلما فعلت فيما يخص الاتفاق النووي الإيراني الذي لولا أنه لم يكن يوجد من الأساس أي خلاف بين السلطنة وإيران لما تمكنت الدبلوماسية العمانية من توفير الأجواء المناسبة للتوصل إليه وتوفير الفرصة للعقل كي يحكم ويحقق المكاسب لمختلف دول العالم .
تجربة السلطنة توصل إلى نتيجة مهمة هي أن الطريق الأفضل لتعزيز السلم وتطوير العلاقات بين الدول هو تغليب الاقتصاد على السياسة ، فالسياسة قابلة للتغير في كل لحظة ولأي سبب ويمكن بسببها الدخول في حروب لا تنتهي وتقضي على كل جميل ، بينما الاقتصاد يقلل من فرص السياسة للتدخل لأن مثل هذا الأمر يؤثر عليه ويمنعه من التسبب في أضرار تعود على البلدين أو مجموعة البلدان التي تربط المصالح بينها . وبمعنى آخر ؛ السياسة تؤدي إلى الدمار بينما الاقتصاد ينعش الحياة ، دون أن يعني هذا الاستغناء عن السياسة ، فالأمران متكاملان ، والقصد هو توظيف السياسة ليكون في خدمة الاقتصاد وجعل الاقتصاد متحكما في العلاقة بين الدول .
هذه التجربة توصل أيضا إلى نتيجة مهمة أخرى هي أن الأفضل من مقاطعة الآخر العمل على كسبه والاستفادة من المساحة المشتركة معه ، فأمر المقاطعة سهل لكن أضراره كثيرة ، بينما الاستفادة من المساحة المشتركة تتم بتغليب الاقتصاد على السياسة ، وكلما زادت المشروعات الاقتصادية بين البلدين كلما كبرت المساحة المشتركة وقلت فرص الخلاف ، ولأن البلدين هنا – أي بلدين - يسعيان إلى الحفاظ على تلك المكاسب لذا فإنهما يتمكنان بسهولة من إيجاد المخارج لأي خلافات قد تحدث والتحكم في أي اختلافات في وجهات النظر والمواقف .
عندما لا تكون لهذه الدولة أو تلك مصالح مع الدولة الأخرى يسهل تحكم السياسة في العلاقة بينهما ، وفي السياسة – كونها مليئة بالتفاصيل - يكمن الشيطان ، بينما لا يتوفر للشيطان المكان نفسه في الاقتصاد ، وعندما يتحكم الاقتصاد في العلاقة بين الدول فإن القرارات لا تكون عاطفية أو انفعالية لأن كل طرف يحاول جاهدا ألا تتأثر المشاريع التي تدر عليه أموالا تعينه على توفير الاستقرار وحل مشكلاته الداخلية ، وبمعنى أبسط توفر تلك المشروعات الاقتصادية أموالا يستفيد منها كل بلد في تطوير حياة الناس فيحصل الاستقرار المنشود الذي يكفي الحكم شر التمرد عليه ، ويزداد الحرص على عوامله المتمثلة في استمرار تلك المصالح .
حتى على المستوي الفردي يقل الاختلاف في وجهات النظر والخلافات والمشكلات في حالة وجود مشروعات مشتركة يستفيد منها الشركاء ، والعكس صحيح ، فعندما لا تربطني بالآخر أي مصلحة فإن فرص الاختلاف والخلاف معه تزداد ويمكن أن تتطور سلبا في أي لحظة ولأي سبب ، ولكن عندما تربطني به مصلحة معينة فإن من الطبيعي ألا أخضع قراراتي لعواطفي وانفعالاتي وأحرص على ألا أخسر مكاسبي معه ، والأمر نفسه يحكم الآخر الذي بدوره يحرص على ألا يخسر أي مصلحة تربطه بي .
حسب ما تم تداوله من أخبار وتقارير في الشهور الأخيرة فإنه يمكن القول إنه في ظل الحراك الدبلوماسي والسياسي النشط بين البلدين فإن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة ازدهارا أكبر للعلاقات الاقتصادية بين سلطنة عمان وإيران ، خصوصا بعد الدور التاريخي الذي قامت به السلطنة في حل الملف النووي الإيراني وعدم اتخاذها موقفا سالبا من إيران بسبب الحرب الدائرة في اليمن والتي توجه أصابع اتهام عديدة فيها لإيران بسبب علاقتها مع الحوثيين .
وبعيدا عن التحليلات التي ملخصها أن السلطنة تحرص على علاقات جيدة مع الجميع وخصوصا إيران واليمن كي تضمن عدم تدخل أحد في أي مشكلة داخلية قد تشهدها السلطنة مستقبلا لسبب أو لآخر ، فإن المثال الذي توفره السلطنة للعالم من شأنه أن يكون سببا في تخفيف التوتر وإيجاد حلول لكثير من المشكلات بين الدول ، ملخص المثال عدم الارتهان إلى العواطف والانفعالات وتغليب العلاقات الاقتصادية والاستفادة من المساحات المشتركة عبر توظيف الدبلوماسية . هو نموذج عملي يستحق الدرس والتجربة .

• كاتب بحريني