خبراء لـ "الشبيبة": أزمة ليبيا تهدد الجوار وتعزز التدخل الأجنبي

الحدث الأربعاء ٠٩/مارس/٢٠١٦ ٠١:٠٠ ص
خبراء لـ "الشبيبة": 
أزمة ليبيا تهدد الجوار وتعزز التدخل الأجنبي

مسقط – محمد محمود البشتاوي

أسفرت اشتباكات "بنقردان" وفق حصيلة غير نهائية عن مقتل 36 إرهابيا واستشهاد جندي واحد و10 من عناصر الأمن، و7 مدنيين، وفي ضوء ذلك؛ جدد رئيس الحكومة التونسي الحبيب الصيد دعودته لمواطنيه أمس الأول إلى احترام حظر التجول، فيما أعلن الرئيس الباجي قائد السبسي إغلاق حدود بلادهِ مع ليبيا كإجراء وصفهُ بـ "الضروري" لمواجهة الجماعات الإرهابية، الأمر الذي يضع دول جوار ليبيا أمام تحدٍّ لا تجدُ حلا جذريا له إلا بتحصينِ حدودها وتشديد الأمن لضمان عدم تمدد الفوضى إليها.

تداعيات الأزمة الليبية
ما شهدتهُ تونس يمثل حلقة جديدة دامية ضمن فصول تداعيات الأزمة الليبية التي امتدت طوال خمس سنوات مضت، شهدت خلالها البلاد تصاعداً للجماعات المتطرفة، وتصدعاً في الكيان السياسي الليبي الذي أصبحَ هشًّا أمام مليشيات آخذةٌ بالتضخمِ والنمو، يساعدها في ذلك الفوضى وانتشار السلاح، وغياب مؤسسة الجيش، مقابل وجود أكثر من 1700 جماعة ليبية مسلحة متنافرةٌ أيدلوجيًّا وسياسيًّا، علاوةً على تناقضاتها الجهوية والمناطقية.
خطر ليبيا لا يتوقف ضمن حدودها الداخلية، وخيرُ مثال الأحداث المؤسفة في بنقردان التونسية، وقبلها مجمع آن أمناس للغاز الطبيعي بالجزائر، علاوةً على تفكيك شبكات مسلحة في دول الجوار – آخرها ما أعلنت عنه المملكة المغربية –، ليتضح لاحقاً أن لها امتدادات في العمق الليبي.
يُضاف إلى انتشار السلاح، وفوضى ليبيا الداخلية، أن حدودها متروكة بلا حراسةٍ أمنية وعسكرية متماسكةٍ، الأمر الذي حوّل تلك الجغرافيا إلى طرق آمنةٍ لجماعات تهريب السلاح والبشر، فأصبح الجوار مهدد بالإرهاب، إلى جانب الاتحاد الأوروبي الذي يواجه أزمة هجرةٍ هي الأكبر في تاريخهِ تتعلق بتدفق المنكوبين من بأس الحروب عبر البحر في الضفة الأخرى إلى المتوسط.
ورغم سوء الحال، وما وصلت إليه الأزمة من فوضى تسوتجب المعالجة، إلا أن الدول المجاورة ما تزال ترفض التدخل العسكري من قبل أحلافٍ أجنبيةٍ، وتصرُّ على أولوية الحل السياسي، إلا أن "أمنيات" الجوار تصطدم مع واقع آخر آخذ في التبلور؛ فالعجز عن حل سياسي لتلك الأزمة عبر توافق إقليمي – يبدو أنه لم يتشكل بعد –، وتمدد الفوضى لضرب الجوار – كما حدث في بنقردان – من شأنهِ أن يعزز فرص التدخل الأجنبي عسكريا، أكان ذلك عبر مجلس الأمن الدولي، ليتكرر بذلك سيناريو التدخل الأول في القرار رقم 1973، أو عبر عمليات عسكرية أحادية، كما حدث في الضربة الجوية الأمريكية التي تعرضت لها صبراتة الليبية، وبررتها واشنطن حينئذ بمنع عمل إرهابيٍّ ضخم كان يعد له في تلك المدينة ضد تونس، وثمةَ عمليات أخرى تتم في الأجواء الليبية لقصف معسكر هنا، وجماعة هناك، وكثيراً ما تقيد ضد جهةٍ مجهولةٍ.

تحليل خلفيات الأزمة
الباحث التونسي الدكتور جواد زواري، أستاذ العلوم السياسية في الكلية المركزية بسياتل – واشنطن، أوضح في تصريحٍ لـ "الشبيبة" موقف المجتمع الدولي من الأزمة الراهنة في ليبيا، إذ أن عدم الاستقرار الأمني والسياسي في تلك البلاد دفع كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا وإيطاليا للشروع في التدخل العسكري الفوري لوضع حد للتهديد الذي يمثله تنظيم "داعش" على المنشآت الشاسعة للنفط والغاز في ليبيا.
وفي تحليلهِ لخلفية الأزمة الليبية الداخلية، يشير زواري الخبير في الشؤون السياسية والأمنية، أن ليبيا تعيش حالة انقسام لاسيما على مستوى فريقين؛ تحالف قوات "فجر ليبيا"، وتحالف "مظلة الكرامة"، وتتواجد قوات الأول في العاصمة طرابلس الغرب، بينما "مظلة الكرامة" تنتشر في مدينة طبرق في الشرق.
وفي المرجعيات المتحكمة بكلا التحالفين، يشير أستاذ العلوم السياسية في كلية سياتل بأمريكا إلى أن تحالف "الفجر" يتكون من مقاتلين إسلاميين وميليشيات من الجزء الغربي من البلاد، مقابل "مظلة الكرامة" الذي يتشكل من القبائل الشرقية وبعض المليشيات من الجهة الغربية وضباط قدامى من اتباع الرئيس السابق معمر القذافي تم تجنيدهم بقيادة خليفة حفتر لتكوين "الجيش الوطني الليبي".
وفي ضوء ذلك التوصيف، حاولت عدة أطراف دولية وإقليمية رأب الصدع الليبي عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية، بدءا من الأمم المتحدة والدول المجاورة لها، وصولاً إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما، إلا أن الفصائل المسلحة التي تسيطر على طرابلس لا تزال ترفض أي اتفاق لتكوين هذه الحكومة التي تم الاتفاق عليها في ديسمبر 2015، بحسب زواري.
واستناداً على ذلك؛ يرى الخبير التونسي المقيم في واشنطن أن مجلس الرئاسة الليبي لم ينجح في ترسيخ ذاته وتولي مهام منصبه في العاصمة طرابلس، إذ لم يتمكن من الحصول على الدعم الرسمي من المجلسين التشريعيين للحلفين المذكورين أعلاه.

الخلاف على حفتر
ولو كان بإمكان مجلس الرئاسة التغلب على العقبات الأولية كدعم الاتفاق بين الفصائل المسلحة، فإنه سرعان ما سيواجه مشكلة إعادة إنشاء القيادة العسكرية المركزية، وبناء وحدات موالية ومتكاملة من مجموعة من الفصائل المسلحة المتفرقة. أما المعضلة الأساسية التي يوجهها المجلس الرئاسي هي أن حلف "الفجر" يرفض استمرار وجود حفتر كقائد للجيش الوطني الليبي نظرا لعدم الثقة به، وفق تحليل زواري.
يضافُ إلى ذلك؛ "فشل حركة الكرامة في إزالة حفتر من منصبه، الأمر يزيد في تعنت الرافضين في الحلف المنافس، ويحول دون إنشاء تسلسل قيادي موحد ضمن الحكومة الجديدة. وللإشارة، فإن الحلف الذي يقوده حفتر لم يكن خال من الصراعات الشخصية والحزبية: فغالبية قواته التي تقيم في بنغازي لم تكن من قوات الجيش النظامية بل من قوات الجيش غير النظامية ومن مليشيات قبلية".
وفي الوقت الذي تدعم فيه الولايات المتحدة الأمريكية جهود الأمم المتحدة لمساعدة ليبيا في تشكيل حكومة وحدة وطنية – والكلام لـ زواري –، يشعر الرئيس الأمريكي أوباما بالقلق إزاء بطء وتيرة المفاوضات السياسية، التي أصبحت مهددة أمام التقدم الذي أحرزه "داعش" واكتسح الساحة السياسية في ليبيا.
يشار إلى أن مسؤولين أمريكيين حذروا مؤخرا من أن "داعش" أرسلت مئات المقاتلين من كل من العراق وسوريا إلى ليبيا في استراتيجية احتياطية. وتم تقدير مجموع عدد مقاتلي "داعش" في ليبيا بين 3000 و6,500، كما حذر مسؤولون أمريكيون وأوروبيون في الأسابيع الأخيرة من أن العمليات العسكرية لوقف زحف داعش في شمال أفريقيا أصبحت ضرورية لمنع الانهيار الكلي لدولة ليبيا التي بات وشيكا منذ اندلاع الحرب الأهلية في 2014.
وحول استراتيجية داعش، يشير الأكاديمي التونسي إلى أن التنظيم استغل غياب الحكم واندلاع الحرب الأهلية بين الفصائل المسلحة في ليبيا لتوسيع رقعته على الأرضية المصيرية والتي تمتد الآن إلى 150 كم على الساحل الشمالي بما يسمى "بالهلال النفطي"، كما استغل "داعش" الفراغ السياسي والفوضى في ليبيا للسيطرة على مدينة سرت الساحلية الوسطى ومهاجمة المرافق النفطية القريبة للمدينة. كذلك عملت على جذب المحاربين الإرهابيين الأجانب اليها وذلك لتنظيم دورات تدريبية والقيام بتنسيق عمليات إرهابية في الخارج.
ويتابع أستاذ العلوم السياسية قائلا: لا شك أن وجود "داعش" في ليبيا يستوجب تدخل قسري من الليبيين المدعومين من طرف الأمم المتحدة والدول العظمى الغربية التي يقال عنها إنها توجد حاليا على الأراضي الليبية والتي هي بصدد تقديم تدريب ومشورة لوحدات الجيش الليبي مستعينة بطائرات تستخدم ذخائر موجهة بدقة. لكن هذا الدعم الغربي لا يخلو من مخاطر: فمثلا، على القوات العسكرية الغربية توخي الحذر والمضي بعناية في محاولاتها الرامية إلى إعادة تأسيس حكومة واحدة وانشاء قوات عسكرية وطنية متماسكة وخاضعة للسيطرة المدنية.

تونس والخيارات الصعبة
وبشأن موقف تونس وآثار الأزمة عليها، يشير زواري إلى أن أي تدخل عسكري غربي قوي وغير منسق سياسيا ودبلوماسيا في ليبيا يشكل خطرا كبيرا على الدول المجاورة وخاصة تونس. علما أن تونس سوف تواجه أزمة حادة إذا أدى النزاع العنيف في ليبيا لتصعيد بين مقاتلي"داعش" وجماعات إسلامية منافسة أخرى مثل "فجر ليبيا". نظراً لتدفق 2 مليون لاجئ ليبي من حرب 2011 إلى تونس، ومن المحتمل أن تجدد الغارات الجوية الغربية في ليبيا تدفق مليون لاجئ آخر لعبور الحدود الليبية إلى تونس على الأقل، مما سيجعل الوضع الاجتماعي والاقتصادي في تونس أكثر توترا. هذا لأن تونس لديها موارد طبيعية محدودة، ولا يمكن لها أن تتحمل زيادة بهذا الحجم في عدد سكانها دفعة واحدة دون دعم دولي ماديا وأمنيا هاما.
ويتابع قائلا في تقدير هذا الموقف: لذا نرى أن من مسؤولية الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية إعانة الدولة التونسية على إقامة حواجز لوقف تدفق الإرهابيين الفارين إلى الحدود التونسية. كذلك يستوجب على الحكومة التونسية اتخاذ خطوات دبلوماسية جدية مع الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين لتقديم الضمانات الأمنية والمالية اللازمة وذلك لمساعدة الحكومة التونسية على التصدي للعواقب الإنسانية في ليبيا.
ويختم زواري حديثه لـ "الشبيبة": تحتاج تونس إلى مواصلة التزامها بالانحياد في ما يتعلق بالصراع المسلح داخل الأراضي الليبية والإصرار على ليبيا في إنشاء "حكومة وحدة وطنية" قادرة على الانتقال والسيطرة على المناطق التي ستحرر من سيطرة "داعش" قبل أي تدخل عسكري أميركي وأوروبي.

سيناريو مرحلي
الخبير الجزائري في الشؤون العسكرية الدكتور نسيم بلهول يرى في حديث لـ "الشبيبة" أن المشهد الليبي اليوم هو "سيناريو مرحلي لبناء طوق أزموي من على المحيط الحدودي الجزائري، يضع المنطق القبلي والحدودي الهش من الجهة الشرقية الجزائرية" في اعتباره، مشيراً إلى أن ذلك الطوق "شبيه بمناطق رمادية تتقاطع فيها حركة الفعاليات المسلحة الغامضة وبناءات الإستخبارات في جغرافيا ليبية أصبحت فضاء تتمازج فيه لغة المال بفعل الإستخبارات الأجنبية وهذا في إطار تفعيل منطق الإستراتيجيات المتوترة ومن خلال إحياء حروب الإرجاع الإستعمارية".
ويتابع الخبير الجزائري قائلا: هذا من مدخل الحرب على الإرهاب كأحد تطبيقات نظرية الهدف المتحرك، فالعجة لا يمكن تحضيرها دون كسر قشورها، وهو ما عجل بضربات الناتو الجراحية والتي تدخل في إطار فتح وتأمين الرواق الذي يربط بين كل من غرب مصر وشرق ليبيا وهي ممرات الشيطان كما تسميها المخابرات البريطانية، إذ تلتقي فيه خطوط المخابرات والإرهاب.. حيث تحدي الإستخبار فيها يرتقي بمجتمع الميليشيات في ليبيا إلى مستوى التواطؤ والتآمر، كما ويرتقي بمجتمع القبيلة إلى منطق التشظي والتجزئة كحراك يعجل بمنطق إعادة هندسة الطبوغرافية البشرية الليبية.

المقاربة الجزائرية
و"تشكل الأزمة الليبية بالنسبة للمقاربة الأمنية السيادية الجزائرية خطا فاصلا بين الخطاب الدبلوماسي وضرورات الإستراتيجية. أي حدا بين الإلتزامات الأخلاقية وبناءات العمليات العسكرية والتي تدخل في إطار التزام أمني دولاتي يعزز من حتمية بناء أمن ذاتي خاصة مع تصاعد مستويات الشك الإستراتيجي ولا موثوقية الجوار كرقعة شطرنج باتت أحجارها مكشوفة لدى الأطراف الأكثر فاعلية وتأثيرا (فرنسا والناتو بدرجة أقل)" بحسب بلهول،
يعود الأكاديمي الجزائري، والباحث المختص في الشؤون الاستراتيجية، إلى نقطة البداية في الأزمة الليبية، مشيراً إلى أن الجزائر كانت من أشد المعارضين للتدخل الأجنبي، و"هو ما كلفها حملة إعلامية شرسة من قبل المحللين وبعض الفضائيات المأجورة"، موضحا: "بعد انتشار الفوضى ومستويات العنف في ليبيا وقف الجميع على مدى عقلانية وحكمة الجزائر الإستراتيجية والتي اكتفت بالسكوت الدبلوماسي والعمل في الكواليس بهدوء ويقظة استراتيجية تراعى فيها مفاتيح الإدارة الأمنية للأزمة الليبية وهذا من خلال معادلة قائمة على: المصداقية، اللا إنكشافية والأمن التقليدي".
ويستطرد أستاذ العلوم السياسية بجامعة تيزي وزو الجزائرية قائلا: "الأزمة الليبية هي أزمة أمنية خاضعة لمعادلة رياضية متعددة المجاهيل والترويض الجزائري للقلاقل الأمنية من على شريطها الحدودي الشرقي مع ليبيا لحد الآن يبقى أولوية المعالجة والتعاطي الاستراتيجي السيادي الجزائري مع المعضلة وهذا خاصة في إطار التصعيد من سيناريو تأسيس حزام (باشتوني) من على الحدود الشرقية تكون الدعشنة مدخلا استخباراتيا لقوات الناتو وهذا من أجل إيجاد نقاط مراقبة يمكن أن تؤسس من خلالها خطوطا لاختراق الآخر للحصن الحدودي الجزائري، خاصة وأن الأبيض الأمريكي يعتبر أن الجزائر لحد الآن تعتبر من الدول الوحيدة التي صمدت أمام هذا الحزام الحدودي الناري وهو ما أهلها لتصبح الدولة القلعة في نظر الخبراء الأمنيين الأمريكيين".

استراتيجية التضاد
وفي ضوء تلك المعطيات، يرى الخبير الجزائري، أن الناتو الآن مقبل على مرحلة ثالثة من راحل تطبيقات استراتيجية التضاد (القائمة أساسا على ما يعرف باستراتيجية "أعلن الحرب على أعدائك")"، مشيراً إلى أنه خلال "شهر مارس العام الفائت عرف الرواق الغربي المصري والشرقي الليبي 156 تحرك استخباراتي وتهدف تلك التحركات إلى تعزيز أطر هشاشة القوات الحكومية الليبية أمام التصعيد من كثافة الميليشيات والتنظيمات المسلحة في إطار أجندة غربية نحو إضعاف العسكرة في ليبيا، الهدف من هذا السيناريو هو تقوية طرف على حساب أطراف أخرى".
ويختم بلهول حديثه من "كون منطق وهندسة نظام التدخل الغربي بات حتمية أمنية لدى الآخر على الأقل بالنسبة للقوة الأطلسية، فقط عملية التريث الإستراتيجي الأطلسي تدخل في إطار التنافس الأمريكي – الفرنسي حول قضايا التموضع الجغرافي والعسكري للتمركز والترقب والتدخل، ويكفي أن نعرف أن منظمة الجلاديو الصهيونية باتت حاضرة الآن في كل رموز الحياة في طرابلس وبنغازي وشفرة الأطلسي باتت معروفة خاصة بعد أضحى تنظيم داعش فزاعة الغرب للانقضاض على أخر كنوز القذافي وقتل الجغرافيا في المنطقة باسم المال وفعل المخابرات وقودها شباب ليبي يفكر في الإنتقام.. ما عدا الإنتقام".

خلل في التسمية
يعود عالم الاجتماع الليبي ومدير مركز دراسات وأبحاث التنمية المستدامة الدكتور مصطفى عمر التير إلى جذور الأزمة الليبية، ويوضح في تصريحٍ خص به "الشبيبة" أن ليبيا دخلت في الفوضى منذ خمس سنوات مضت، بعد أن اندلعت انتفاضة 17 فبراير، مشيرا إلى أن هنالك خلاف حول ما حدث إذ "يصف الكثيرون الانتفاضة بالثورة ويدخلونها تحت مظلة الربيع العربي. لم تكن هذه التسمية بناء على اجتهاد عربي، وإنما صفة أطلقتها وسائل إعلام غربية على خلفية ظواهر مماثلة حدثت في الغرب. ولأن المنطقة العربية تختلف في خصائصها الاجتماعية والثقافية عن الغرب لم تكن التسمية منذ البداية موفقة، وما آل إليه الوضع في المجتمع الليبي عبارة عن دليل واقعي لابتعاد المضمون عن التسمية".
ويؤكد التير أن نسبة من الليبيين استقبلوا الانتفاضة بالفرح، "آملين أن تخلصهم من حكم دكتاتوري تميز في ابتكار أكثر الطرق شيطانية في إحداث مختلف الآلام لأكبر فئة من المواطنين، طالت حتى القريبين من مركز السلطة. لكن الفرحة لم تدم طويلا إلا لدى الذين انتهزوا الفرصة لتعظيم مصالحهم المادية، والتي تسببت في تدهور سريع للوضع الاقتصادي، أوصل البلاد إلى حالة الافلاس. وتحولت ليبيا من مانح للمساعدات بمئات الملايين، بل وحتى البلايين من الدولات، إلى بلد متسول للمعونات لم يتجاوز بعضها حتى المليون أو الملونين من الدولارات".
وبحسب أغلب المؤشرات على الأرض فإن "حالة الفوضى العارمة ستستمر، ولا يلوح في الأفق القريب ما يشير إلى أن أوضاع ليبيا الاقتصادية والسياسة والأمنية ستتحسن أو تتعافى" بحسب الخبير الليبي الذي يدلل على النتيجة السابق قائلا: أكثر من 1700 مليشيا مسلحة تتحكم في أمور البلاد. تجمهم عبارة ثوار 17 فبراير، وتفرقهم المصالح والأيديولوجيا، لذلك دخلوا في حروب طاحنة داخل المدن وبين المدن. ولم تنجو القرية القابعة في قلب الصحراء من نيران هذه الحروب".
ليبيا من حيث الحجم هي أكبر رابع بلد أفريقي، حدودها البرية طويلة وتشترك فيها مع ست بلدان. و"هي حدود لا يوجد اليوم من يحرسها، ولأن غالبية البلاد عبارة عن صحراء، تحولت الصحراء القاحلة إلى مكان آمن لجميع أنواع الجماعات الخارجة على لقانون"، وفي ضوء ذلك – والكلام للخبير الليبي – تزدحم الصحراء بفرق المهربين للبشر والبضائع والأسلحة بأنواعها بما فيها الصواريخ على اختلاف مهامها. وتتواجد الجماعات التي تصنف ارهابية حيث يمارس أعضاؤها جميع أنشطتهم بحرية كاملة. ففي هذه الصحراء يتدربون على استخدام الأسلحة، وتخزين الأسلحة، والانطلاق لتنفيذ هجمات على أهداف في دول الجوار كما حدث في حالة مجمع آن أمناس للغاز الطبيعي بالجزائر مثلا".

الخطر القادم من ليبيا
وحول تداعيات الأزمة على دول الجوار، يقول: "يؤكد زعماء الدول التي لها حدود برية مع ليبيا من حين إلى آخر، على أن خطرا كبيرا يهدد أمن بلدانهم جراء تواجد الجماعات الخارجة عن القانون على التراب الليبي. يرجع بعض هذه التأكيدات والتصريحات إلى عام 2013. وفي مطلع عام 2014 وجه وزير داخلية النيجر دعوة صريحة لفرنسا وأمريكا بضرورة التدخل في ليبيا لوقف الخطر القادم إلى بلده من الشمال. ثم تعالت أصوات المسؤولين في الاتحاد الأوروبي تشير إلى الخطر القادم من الجنوب على شكل هجرة غير شرعية، واحتمال تسرب أعضاء من تنظيم داعش، بعد أن أصبحت ليبيا مسرحا لنشاط هذا التنظيم. تكاثرت خلال الأشهر الأخيرة الأصوات الداعية إلى ضرورة أن يكون هنالك تدخل عسكري آخر في ليبيا".
ويتابع التير أن الهدف، هذه المرة ليس حماية المدنيين في حال التدخل الأجنبي، و"إنما وضع حد لانطلاق قوارب الهجرة غير الشرعية المتجهة إلى جزيرة لامبادوزا الإيطالية، التي لا يفصلها عن الشاطئ الليبي سوى 113 كيلومترا. ويبدو من خلال كثرة تصريحات المسؤولين الغربيين، بمن فيهم الأمريكان والكنديين، أن نوعا من التدخل أصبح وشيكا. وقد تدخلت الولايات المتحدة في السابق أكثر من مرة عندما اختطفت ليبيين من مدينة بنغازي متهمان بالمشاركة في تنفيذ هجمات إرهابية على أهداف أمريكية، ثم كانت أخيرا الضربة الجوية على هدف في مدينة صبراتة. ويبدو أن التدخل القادم سيستفيد من تجارب الغرب في كل من أفغانستان والعراق، لذلك يمكن أن يقتصر على عدد من العمليات النوعية، ويبتعد عن إنزال عسكريين على الأرض".
وفي العودة إلى دول الجوار، يقول لـ "الشبيبة" إنه "لا يوجد توافق إقليمي بإمكانه بناء قوة موحدة تستطيع أن تتدخل لمصلحة إعادة الأمن في البلاد. وفي المقابل ساهم تدخل أطراف إقليمية لها مصالح متضاربة في حالة الفوضى العارمة التي انحدرت إليها البلاد. لقد وجد كل طرف من يتجاوب معه من الليبيين، فانقسم هؤلاء إلى معسكرين متعارضين يدعى كل منهما أنه وحده الثوري والغيور على مصلحة البلاد، ويخون الطرف الآخر وينعته بمختلف الصفات السلبية. انعكست خلافاتهما على جميع المكونات الاجتماعية ابتداء من الأسرة إلى العائلة إلى القبيلة والإقليم، فتفسخ النسيج الاجتماعي الليبي بصورة غير مسبوقة، وستنج عنه تداعيات سلبية ستستمر لأجيال طويلة قادمة".

**-**

مصر.. حلول استباقية في ضرب الجماعات الإرهابية داخل ليبيا لتأمين الحدود
القاهرة – ش – وكالات
أكد مساعد وزير الداخلية المصري السابق اللواء محمد نور الدين، على صعوبة اختراق الحدود المصرية الليبية ‏نظرًا لطول مساحتها، على عكس الحدود الليبية التونسية، مشددًا على ضرورة حماية البوابة الغربية ‏لمصر، والتي تتطلب جهدا كبيرا من جانب الجيش المصري.‏
‏ وقال الخبير الأمني في تقرير نشره موقع "الدستور" المصري في وقتٍ متأخرٍ من يوم أمس الأول إن الجيش المصري يجري عمليات إستخباراتية من داخل الأراضي الليبية لحماية الحدود المصرية، ‏بالإضافة إلى إرسال طلعات جوية من جانب سلاح الطيران بصفة دائمة؛ للكشف عن أي محاولات ‏تستهدف اختراق الحدود المصرية.‏
وأضاف أن القوات المصرية رصدت من قبل أربع عمليات استهدفت اختراق الحدود المصرية، كانت ‏إحداهم بالقرب من الوادي الجديد، وأخرى بمحيط منطقة السلوم، إلا أن القوات المصرية تمكنت من إحباط ‏هذه المحاولات.‏
وأوضح أن تحركات الجيش المصري على الحدود مستمرة، ولا تنتظر وقوع أي عملية إرهابية على ‏حدودها مع ليبيا كي تتحرك، مؤكدًا على وجود عمليات إستخباراتية مصرية من داخل ليبيا لزيادة تأمين ‏الحدود المصرية، وتنسيق مباشر بين كل من مصر، والجيش الليبي بقيادة اللواء حفتر.‏
‏ وأشار إلى أن المناورات العسكرية التي تتم بين الجيش المصري والليبي، ومساندة كلًا منهم للآخر، ‏تمكن الطرفين من الحفاظ على أمن بلاده القومي، وعدم التعدي على الحدود الفاصلة بينهم، أو وقوع أي ‏عمليات إرهابية عليهم.‏
أما اللواء نبيل أبو النجا، الخبير الاستراتيجي المصري، فأكد في تصريحات لـ "الدستور" أن الإرهاب يتجه حاليًا لإفريقيا بعد أن ضاق عليه ‏الخناق في سوريا والعراق، خاصة بعد عقد اتفاقية الصخيرات، مشيرًا إلى أن النسيج الوطني الليبي المقسم ‏إلى قبائل، يُصّعب من مواجهة الإرهاب بالمنطقة.‏
وأكد أن الحدود الليبية بها العديد من المعسكرات الإرهابية، حيث يوجد نحو خمس معسكرات أمام السلوم ‏تعمل على تدريب العناصر الإرهابية، إلا أن الجيش المصري يرصد تحركاتهم جيدًا، موضحًا أن الحدود ‏التي تجمع مصر وليبيا تبلغ نحو 1154 كيلو متر، وبالتالي لابد من التحكم فيها جيدًا، حتى لا تترك الباب ‏مفتوحًا في وجه الإرهاب.‏
وشدد على ضرورة ضرب المستنقعات الإرهابية داخل ليبيا بالاتفاق مع الحكومة الليبية المنتخبة حاليًا، ‏بما يضفي شرعية للتواجد المصري داخل الأراضي الليبية بهدف حماية أمنها القومي، ولا تتحول الحدود ‏إلى بؤرة للعمليات الإرهابية مثل تونس.‏ ‏
يشار إلى أن تقارير إخبارية أجمعت مطلع الأسبوع الجاري على أن هنالك تحركات غير مسبوقة لقوات الجيش المصري خلال اليومين الماضيين، باتجاه الصحراء الغربية المجاورة لدولة ليبيا، حيث يأتي ذلك بالتزامن مع انطلاق فعاليات التدريب المصري – الفرنسي المشترك “رمسيس – 2016″، والذي استضافته مصر قبالة سواحل مدينة الإسكندرية (شمال البلاد)، في إطار خطة التدريبات المشتركة للقوات المسلحة لكلا البلدين. واعتبر مراقبون أن تلك التدريبات بمثابة بداية لتنفيذ تفاهمات مصرية – فرنسية على أرض الواقع، كخطوة تسبق تنسيقا دوليا، ستكون القاهرة محور التحرك لمواجهة التنظيمات الإرهابية في الداخل الليبي.
وتحدثت تقارير دولية خلال الفترات السابقة، عن محاولات غير محدودة لفرنسا، بهدف الحصول على موافقة أكبر عدد من الدول المتأثرة والمؤثرة في الملف الليبي للتدخل العسكري في ليبيا، وهي الرغبة التي تتقاطع دائمًا مع رغبة القاهرة في القضاء على تمدد إرهابي قادم من الحدود الغربية.