أليشا بولر
عقب مرور عقدين من الزمان على شروع الحكومات وجهات التمويل في إعادة النظر لأول مرة في نهجهم للتعامل مع الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم بشكل جدي، أخذت مناطق في الشرق الأوسط تشهد ظهور بشائر ثقافة ريادة الأعمال. سجلت الشركات الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا استثمارات قياسية بلغت 560 مليون دولار في 260 شركة ناشئة، وذلك بحسب تقرير التمويل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعام 2017 الصادر عن منصة «ماغنيت Magnitt» الإلكترونية للشركات الناشئة بدبي.
زادت الاستثمارات بنسبة 65% مقارنة باستثمارات العام 2016، مع استمرار التجارة الإلكترونية والتقنية المالية بوصفهما القطاعين الأكثر شعبية بنسبة 11.9% لكل منهما. حصلت دولة الإمارات العربية المتحدة على غالبية الاستثمارات، بنسبة 70 في المئة تقريبًا، بينما شهدت المملكة العربية السعودية زيادة بنسبة 4% في معاملات الصفقات منذ العام الفائت، رغم تراجع عدد الصفقات نفسها بنسبة 3%.
ولكن، وفقًا للخبراء، يلزم عمل الكثير لتهيئة تربة خصبة لمجموعة رواد الأعمال المتنامية في المنطقة.
يفيد تقرير موجز السياسات الصادر عن معهد بروكنجز بعنوان «ريادة الأعمال: محرّك لإنتاج فرص عمل ولتحقيق نمو شامل في العالم العربي» بأن الإرادة السياسية القوية والاستعداد لتحدي المصالح السياسية والاقتصادية الراسخة ضروريان لبناء منظومة ملائمة ومواتية لرواد الأعمال المحليين.
يسلط التقرير الضوء على الحاجة إلى «زيادة الضغط على البنوك لتوسيع نطاق فرص التمويل لرواد الأعمال، وتحسين الوصول إلى الأسواق من خلال سلاسل التوريد الإقليمية المتكاملة، وتفكيك الحواجز غير الجمركية».
يؤكد ويزلي شوالييه، رئيس العمليات بشركة «تحسين للاستشارات» على أن وجود منظومة محكمة لريادة الأعمال أمر أساسي لنمو الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم وازدهارها واستغلال الأفكار المبتكرة تجاريًا».
يقول شوالييه إنه «متفائل» بشأن الاتجاه الذي تتخذه حركات التطوير في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم الإقليمية ومنظومات ريادة الأعمال في كل من دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة ككل.
ويضيف: «منذ العام 1997، عندما شهدنا للمرة الأولى بلدان مثل الأردن والمغرب وتونس ومصر تستند إلى تحولات اقتصادية قائمة على المعرفة في خططها التنموية، أصبحت ريادة الأعمال هدفًا ذي أولوية لدى الحكومات في جميع أنحاء العالم العربي».
يستطرد شوالييه قائلًا لقد بدأت هذه الدَّفعة الأولية لإنعاش منظومة ريادة الأعمال في المنطقة تجني ثمار هذه الرؤية المستقبلية. ويقول معقبًا: «نشهد الآن عمليات اندماج واستحواذ لشركات شابة في المنطقة تقوم بها شركات عالمية شهيرة، واهتمام أكبر بأسواق رأس المال في المنطقة، كما يجري احتضان الشركات الناشئة المتميزة، ونشهد اهتمامًا ملحوظًا بالأسواق الإقليمية من شركات التكنولوجيا العالمية؛ وفي المقابل نشهد وجود ثغرات تاريخية خطرة في منظومة ريادة الأعمال، مثل غياب رأس المال المخاطر والوصول إلى مرحلة التشبع».
«من البديهي أن يختلف المشهد تبعًا للبلد الذي يتواجد فيه، لكن ثمة شعور جماعي ومنتشر أن الوقت الآن مواتٍ لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».
كريستوفر شرودر - مستثمر مخاطر وصاحب كتاب «الصعود المستمر للشركات الناشئة: ثورة ريادة الأعمال التي تعيد صياغة الشرق الأوسط» - له نظرة إيجابية أيضًا حيال نمو قطاع ريادة الأعمال في المنطقة.
يقول المؤلف في هذا السياق: «أنا شخص متفائل، وما يحدث الآن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يحدث في كل مكان - صعود الطبقات المتوسطة الاستهلاكية والوصول شبه الشامل للتكنولوجيا. نستطيع الآن إيجاد حلول للمشاكل واقتناص الفرص بسرعة لم يكن من السهل تخيلها حتى قبل سنوات قليلة فائتة».
يقول شرودر يمكن أن يكون «إطلاق العنان للمواهب» حلًا للعديد من التحديات التي تواجه المنطقة. ويشرح ذلك بقوله: «إن أسرع ما يمكن أن يتغيّر الآن هو سيادة القانون لتمكين هذه المواهب من النجاح. في حين أعتقد عموما أن منظومات ريادة الأعمال الكبرى تبدأ وتنمو تصاعديًا - أي تتحرك المواهب بسرعة لحل المشاكل واقتناص الفرص - إلا أن سيادة القانون والبنية الأساسية السليمة والوصول إلى التكنولوجيا والمعلومات بأسعار معقولة والتعليم الأفضل تأتي جميعًا من جانب الحكومات التي تهتم بهذه الأمور وتأخذها على محمل الجد. توجد هذه النماذج في كل مكان حول العالم، وما على الحكومات سوى أن تقرر تطبيقها».
ويضيف المؤلف إن رواد الأعمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على قدم المساواة تقريبًا مع الأفضل في أي مكان. «لطالما كان الشرق الأوسط منطقة رواد الأعمال منذ آلاف السنين، وسيكون لإطلاق العنان لتلك الرغبة والمهارة الكامنة تأثيرات متضاعفة وضخمة».
في معظم الاقتصادات العربية، توفر الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم جميع وظائف القطاع الخاص تقريبًا. لذلك، من الأهداف الرئيسية في المنطقة الآن طرح برامج مساعدة تدعم المشاريع المغامرة الوليدة في المراحل المبكرة الضعيفة من إنشائها كي تنمو وتصبح محركات تعمل على استدامة النمو من أجل تحقيق التنمية على المدى الطويل.
يقول شوالييه: إن الإصلاح الذي ينبغي لكثير من البلدان العربية إجرائه في السياسات المتعلقة بريادة الأعمال هو التوقف عن اعتبار قطاع التكنولوجيا هو المجال الوحيد الذي يستحق الدعم.
ويستطرد شوالييه: «نجد أن المعدلات المتدنية لانتشار التكنولوجيا في الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم متقاربة إلى حد بعيد في جميع أنحاء المنطقة. وعليه، فإن القضية الرئيسية التي ينبغي للشعوب العربية أن تجد لها حلًا هي كيفية دعم الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تعمل في غير قطاع التكنولوجيا. ويوجد الكثير من الشركات الناشئة في المنطقة القادرة على الاستمرار ولكنها لا تحظى بتمويل رأس المال المخاطر؛ إنها تستحق اهتمامنا ودعمنا».
«إن جميع الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في المنطقة مستقبلًا، سواءٌ كانت تكنولوجية أو لا، تبدأ كشركات وليدة تتمتع بإمكانيات كبيرة للإسهام في مواجهة تحديات توفير فرص العمل للشباب في العالم العربي. إن دعم ريادة الأعمال التكنولوجية هو أحد الحلول التي يمكن أن تطبيقها، ولكن لا ينبغي له أن يكون الحل الوحيد».
متخصصة في مواضيع الأعمال والتكنولوجيا