الوطن هو القبيلة!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٥/أبريل/٢٠١٨ ٠١:٥٥ ص
الوطن هو القبيلة!

علي بن راشد المطاعني
ali.matani@hotmail.com

على الرغم من ترسيخ دولة المؤسسات والقانون في السلطنة وتعزيز ‏مفاهيم الدولة الوطنية لدى المواطنين بإزالة كل ما يمس هذا التوجه، وإزاحة كل ما يفرق أبناء الوطن الواحد كالعشائريات والقبليات والفئويات والأجناس والأعراق والمذهبيات وغيرها من أشكال التفرقة التي تنهك الأوطان والشعوب، إلا أن هناك بعض الظواهر قد ترفع من وتيرة التقوقع في إطار القبيلة وإعلاء شأنها على حساب الوطن والوطنية وعلى حساب مفهوم دولة القانون والمؤسسات، وتشكل كذلك قاعدة قد تنتهجه الكثير من القبائل فلا يمكن أن يسمح لبعض ويمنع الآخرين وبالتالي يقوض ذلك جهود تعزيز دولة المؤسسات والقانون التي تسعى الحكومة ترسيخها في كل الميادين.

فالمجتمع العُماني عرف عبر العصور بالتآلف والتآخي والتآزر، وهو ما يجسد حرص الدولة على الاستمرار في بناء المجتمع العُماني على أسس ومفاهيم المواطنة وليس شيء آخر.
فالماضي الذي لن يعود عندما عانت البلاد كثيرا يوم ارتفع شأن هذه النعرات وأرجع البلاد ردحا من الزمن، إلى أن جاءت النهضة العُمانية المباركة التي أكدت على أن كل ذلك الإرث القبلي القديم الذي يقوض مفهوم الدولة موضوع ولا مكان له تحت شموس النهضة القائمة على حقيقة أن الانتماء للوطن سابق لأي انتماء آخر، وإن المواطنة هي الأساس في منظومة البناء الاجتماعي الجديدة، وبالتالي لا ينبغي أن نسمح مرة أخرى بعودة القبلية والتحزبات والفئويات القائمة على أساسها.
إن الوحدة الوطنية الماثلة الآن أمامنا والمتجذرة في نفوس أبناء هذا الوطن العزيز تأتت عبر نضال وكفاح كبير قاده حضره صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- طوال سنوات النهضة المباركة، فهذا المنجز الوطني الشامخ يعد من أكبر المنجزات غير المادية التي تحققت في هذه الأرض الطيبة، فلا يمكن أن نسمح للبعض بزعزعة هذا المكتسب الوطني العظيم الذي لولاه لما تسنى لنا تحقيق هذه الإنجازات التنموية والحضارية التي يشيد بها العالم أجمع.
إن السلطنة بكل مكوناتها وطوائفها هي في الواقع قبيلة واحدة متراصة كالبنيان المرصوص وكما يحب ربنا ويرضى ولن يفلح دعاة التفرقة والشتات والمتربصين بهذا الوطن عبر وسائط التواصل الاجتماعي من النيل من وحدتنا الوطنية وسيذهب كيدهم سدى بحول الله وقوته ما بقينا وسنبقى على العهد والوعد الذي قطعناه جميعنا لقائد نهضتنا المباركة، ولكن في نفس الوقت لا يحب أن نوجد للذباب الإلكتروني ما قد يحوم حوله، فهذه مسؤوليتنا نحن كمواطنين.
فالدولة معنية بالعمل على تفتيت الانتماءات القبلية، وما تجارب الدول الأخرى التي لم تنتبه لذلك عنا ببعيدة، وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف الغالية لابد من الارتهان للقانون الذي يحظر ويجرم التجمهر، واختصار التجمعات المرخصة للمناسبات الاجتماعية كالأفراح والأحزان فقط، لتلافي استغلال البعض هذه الجوانب وتكيفيها كيفما يرغب.
يجب أن لا نسمح تحت أي شعار كان بالعودة إلى الممارسات التي كانت سائدة في الأزمان الغابرة والتي من شأنها النيل من منجزاتنا التي حققناها بالعرق والجهد وكد السنين الطوال، والتي أفضت لهذا الأنموذج العُماني الفريد والمتمثل في كل أوجه النهضة الُعُمانية الخالدة بحول الله وقوته.
وإذا ما نظرنا إلى الواقع الاجتماعي للعديد من الدول والتي تكتنفها الاضطرابات الاجتماعية الداخلية نجد إنها لم تنتبه في الوقت المناسب لتنامي الظواهر القبلية والطائفية والعرقية، والنتائج وخيمة كما نرى في العديد من الدول العربية للآسف.
إن ما تؤكده حكومة حضرة صاحب الجلالة الســلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- في هذا الوطن منذ بواكير النهضة المباركة، النأي عن كل ما يمس النسيج الاجتماعي ويعكر صفو ‏الانســجام والتعايش الأخوي بين أبناء الوطن الواحد، لكن بدون الدخول في المحظورات التي تقلق مجتمعنا وتلحق الضرر بالوحدة الوطنية.

بعض الأعيان الذين صنعتهم الدولة بحكم وضعهم القبلي والوظيفي آنذاك، لا يجب أن يستغلوا ما تحقق لهم في هذا الشان بشكل مغاير في إظهار مكانتهم الاجتماعية واستغلالها على حساب النظام العام.

بالطبع التواصل والتعارف وتوطيد العلاقات الاجتماعية متاحا، مما يسهم في ترسيخ الروابط الاجتماعية بين المجتمعات، إلا أن ذلك لا يعني بأي شكل من الأشكال العبث بالأمن من خلال إثارة النعرات والامتدادات الأسرية التي يرغب البعض باستغلالها بشكل مغاير لما يجب أن تكون عليه.
نأمل من الجميع الالتزام بضوابط التواصل بين القبائل والجماعات في إطارها الاجتماعي الصرف، وعدم تجاوزها، فهذا الوطن يسمح بكل أريحية بالممارسات الهادفة إلى إرساء العلاقات الاجتماعية وتعزيزها، إلا أنه لا يقبل أن تكون أداة تهدم ما تحقق من مكاسب وطنية لا تقدر بثمن، فلا يمكن أن تكون القبيلة أيا كان شأنها أكبر وأهم من الوطن الذي نستنشق فيه عبق الأمن والأمان ونستشعر في حماه روح الانتماء بكل ما يعنيه هذه المعنى في قواميس الوطنية.