الاقتصاد العالمي وضبط النفس

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٩/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٠٥ ص
الاقتصاد العالمي وضبط النفس

جيفري ساكس

إن الاقتصاد العالمي يشهد بداية مضطربة لسنة 2016 فلقد هوت أسعار الأسهم وترنحت الاقتصادات الناشئة بعد الانخفاض الكبير في أسعار السلع كما أن تدفق اللاجئين يزيد من زعزعة الاستقرار في أوروبا وهناك تباطؤ ملحوظ في النمو الصيني بسبب عكس تدفق رؤوس الأموال والعملة التي تزيد عن قيمتها الحقيقية كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تعيش حالة شلل سياسي. إن هناك قلة من العاملين في البنوك المركزية والذين يصارعون من أجل الإبقاء على الاقتصاد العالمي في وضع سليم. يجب أن نسترشد حتى نهرب من هذه الفوضى بأربعة مبادئ. أولا، إن التقدم الاقتصادي العالمي يعتمد على الادخار العالمي المرتفع والاستثمارات. ثانيا، يجب النظر إلى تدفق المدخرات والاستثمارات على أساس عالمي وليس وطني. ثالثا، إن التوظيف الكامل يعتمد على معدلات الاستثمارات المرتفعة والتي تعادل معدلات الادخار المرتفعة. رابعا، إن الاستثمارات الخاصة المرتفعة من قطاع الأعمال تعتمد على الاستثمارات العامة المرتفعة في البنية الأساسية ورأس المال البشري والآن دعونا نناقش كل نقطة من هذه النقاط.

أولا: إن هدفنا العالمي يجب أن يكون التقدم الاقتصادي مما يعني ظروف معيشية أفضل عالميا. لقد تم تكريس هذا الهدف ضمن أهداف التنمية المستدامة الجديدة والتي تم تبنيها في سبتمبر الفائت من قبل 193 عضوا في الأمم المتحدة. إن التقدم يعتمد على معدل مرتفع من الاستثمارات العالمية وبناء المهارات والتقنية وأسهم رأس المال الفعلية وذلك من أجل الارتقاء بمستويات المعيشة. لا يوجد شيء بالمجان في التنمية الاقتصادية كما هو الحال في الحياة فبدون معدلات مرتفعة من الاستثمار في الخبرات والمهارات والآلات والبنية الأساسية المستدامة فإن الإنتاجية سوف تتجه للانخفاض (عادة من خلال الاستهلاك وانخفاض القيمة) مما يقلل من مستويات المعيشة. إن معدلات الاستثمار المرتفعة بدورها تعتمد على معدلات الادخار المرتفعة. لقد وجدت تجربة نفسية شهيرة أن الأطفال الذين يستطيعون مقاومة الإغراء الفوري بأكل قطعة واحدة من حلوى الخطمي ويكسبون قطعتين في المستقبل هم أكثر احتمالا للنجاح كبالغين مقارنة بأولئك الذين لم يستطيعوا المقاومة وكذلك المجتمعات التي تؤجل الاستهلاك الفوري من أجل الادخار والتوفير سوف تتمتع بمداخيل أعلى بالمستقبل وضمان تقاعدي أكبر.
ثانيا: إن تدفق الادخار والاستثمار هو أمر عالمي وبلد مثل الصين لديها معدل ادخار مرتفع يتجاوز احتياجاتها الاستثمارية الداخلية ويمكنها أن تدعم الاستثمار في أجزاء أخرى من العالم والتي لديها مدخرات أقل ولا سيما أفريقيا وآسيا ذات الدخل القليل. إن الشعب الصيني يشيخ بشكل سريع والعائلات الصينية تدخر من أجل التقاعد. إن الصينيين يدركون بأن أصولهم المالية العائلية وليس أطفالهم أو الضمان الاجتماعي الحكومي هي التي ستكون المصدر الرئيس لأمنهم المالي.
ثالثا: إن معدل ادخار عالمي مرتفع لا يترجم تلقائيا لمعدل استثمار مرتفع وما لم يكون موجها بالشكل الصحيح فإنه يمكن أن يتسبب بإنفاق مبالغ أقل من اللازم بالإضافة إلى البطالة. إن الأموال التي يتم إيداعها بالبنوك وبالوسطاء الماليين الآخرين يمكن أن تمول نشاطات إنتاجية أو المضاربة قصيرة المدى .رابعا: إن استثمارات اليوم مع العوائد الاجتماعية المرتفعة -مثل الطاقة منخفضة الكربون وشبكات الطاقة الذكية للمدن والأنظمة الصحية المبنية على أساس المعلومات- تعتمد على الشراكات بين القطاعين العام والخاص حيث تساعد الاستثمارات العامة والسياسات العامة في تحفيز الاستثمارات الخاصة وهذا ما كان عليه الحال لفترة طويلة.

أستاذ في في التنمية المستدامة وأستاذ في السياسة الصحية وإدارتها ومدير معهد الأرض في جامعة كولومبيا