بكرة دوام

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٢/أبريل/٢٠١٨ ٠٥:١٨ ص
بكرة دوام

عزيزة راشد

تعطل جهاز البصمة في إحدى المؤسسات، فتسارع الموظفين إلى الخروج من مقر العمل مهللين مستبشرين، يبشرون زملاءهم الذين لم يلحقوا بهم إلى مقر العمل بعد إلا خوفا عليهم ولا هم يحزنون، اختفى الزحام وقلت الأصوات وتضاءل عدد الموظفين الموجودين في مقر العمل، لماذا يا ترى أصبح تعطل جهاز البصمة المسجل لحضور وغياب الموظف مصدر فرح وسعادة لبعض الموظفين.

ما الذي يعانيه الموظف؟ هل أصبحت بيئة العمل بيئة طاردة وغير جاذبة للعمل؟ أم أن هضم حقوق الموظف أو عدم إعطائه فرصا لانطلاق إبداعه أو حرمانه من مكافأة جهده أو عدم إتاحة المجال له للإبداع أسباب كفيلة برســـم ابتســـامــة فـــرح عارمــة على وجـــه الموظــف أن تعـــطل جـــهاز البصـــمة؟
ما الذي يعانيه الموظف في المؤسسات الحكومية والخاصة ويجعله يكثر من الإجازات الشرعية وغير الشرعية، وأصبحت عبارة (بكرة دوام) من العبارات الأكثر رعبا في نفس الموظف؟ بينما يوم الخميس يذاع مصحوب بأغنية وفرح؟
أن الإحباط والخذلان يولد تراكمات بمرور الزمن، مما يولد في النفس شعورا يوجد حاجزا أمام الموظف ما يلبث أن يتشكل سدا منيعا بينه وبين العمل، لذلك يصبح الدوام المتأخر سمة من سمات العمل، والتغيب عن العمل كذلك وتصنع الأعذار ومبررات الخروج من العمل كثيرة، فأي إنتاجية ستأتي من موظف يعمل في غير مجال تخصصه على سبيل المثال؟ أو موظف مهمش ومعطل القدرات أو موظف يكيدون له كيدا، سواء من قبل رؤسائه أو زملائه، عوامل كثيرة تؤثر في الموظف تجعل عبارة (بكرة دوام) عبارة مرعبة.
ومن العوامل الأخرى كذلك والتي تقف عائقا بين الموظف وعمله طبيعة المبنى الذي يضم بين جنباته عمل ذلك الموظف، فبعض المباني مصممة وفق مقاييس لا تسبب الراحة للموظف، مثل شح المواقف أو بعدها عن مقر العمل، وطبيعة البناء الهندسي لمقر العمل، فنجد أن بعض المكاتب تزدحم بالموظفين لدرجة أنك قد تجد 40 موظفا في مكتب واحد، دون أي مراعاة للخصوصية والهدوء اللائي يتطلبهما العمل، ناهيك عن الإزعاج اليومي في جمع 40 موظفا أو إعداد أخرى في مكان العمل، ففي البلدان الأجنبية والأكثر تطورا نلاحظ أن نظام المكاتب يشبه تماما النظام المعمول به في البلدان العربية والخليجية، إلا أن النسيج الاجتماعي لدينا مختلف، فكثرة الأصبحة والسؤال عن الأسرة والعلوم والأخبار وجلسات تناول الشاي والقهوة والنقاش حول آخر الأخبار يفقد مقر العمل الهدف من وجوده، ويصبح مصدر إزعاج للموظف مما يولد لديه شعورا بعدم الراحة يتحول بمرور الوقت إلى رغبة بالخروج أو الهروب من العمل.
من زاوية أخرى لماذا هذا الاستسلام من الموظف أمام ظروف حياته العملية؟ ولماذا يرى الهروب أنسب الحلول؟ لماذا لا يغير قدره بيده ويبحث عن عمل يتناسب مع تخصصه ومؤهلاته وبيئة عمل مشجعة وواعدة تناسب قدراته ؟ لماذا كل هذا الاستسلام لواقع يستطيع أن يغيره بيده؟