(رويترز) - تدخلت بعض الحكومات الأجنبية على مدى الأسابيع القليلة المنصرمة للضغط على الرياض من أجل ضمان سداد بعض شركات الإنشاءات في المملكة المستحقات المتأخرة لعشرات الآلاف من العاملين في علامة على تنامي الضغوط على الاقتصاد السعودي جراء هبوط أسعار النفط. ومنذ أواخر العام الماضي بدأت الحكومة السعودية في اتخاذ عدد من التدابير للتكيف مع انخفاض الإيرادات نتيجة هبوط أسعار النفط كان أبرزها خفض الإنفاق الحكومي بهدف السيطرة على عجز الموازنة البالغ نحو 100 مليار دولار سنويا. وأحدث ذلك ضغوطا على شركات الإنشاءات في المملكة مع تلقيها أموالا أقل من الحكومة ما أدى في بعض الحالات إلى تأخر دفع أجور آلاف العاملين الأجانب لبضعة أشهر. وقالت وزيرة العمل الفلبينية روزاليندا بالدوز لرويترز اليوم الاثنين إن السفارة الفلبينية في الرياض تتواصل مع سلطات سعودية لحل المشكلة.
وأضافت "سأرسل اليوم بعثة لتقصي الحقائق يرأسها وكيل الوزارة سيرياكو لاجونزاد لمقابلة العمال والموظفين والجهات المعنية." وقال دبلوماسي إن السفير الفرنسي في الرياض أرسل خلال الأسابيع المنصرمة خطابا للرئيس التنفيذي لشركة سعودي اوجيه وهي من أكبر شركات الإنشاءات في المملكة طالبا منه التدخل لحل مشاكل فرنسيين لم يتسلموا رواتبهم لأربعة أشهر. وقال دبلوماسيون من بنجلادش إنهم تواصلوا مع شركات إنشاءات كبرى لمناقشة تأخر سداد أجور عمال من بلادهم لفترة تجاوزت شهرين. ولم يتسن على الفور الحصول على تعليق من وزارة الخارجية. وقال خالد أبا الخيل المتحدث باسم وزارة العمال لرويترز "وزارة العمل تعمل على اتباع الاجراءات النظامية بحق المنشآت العاملة في السوق السعودية والتي تتأخر في صرف أجور العاملين لديها سواء سعوديين أو وافدين حيث تطبق الوزارة برنامج حماية الأجور الذي يلزم جميع منشآت القطاع الخاص بصرف مستحقات العمالة في وقتها." وأضاف "الوزارة لن تتهاون في تطبيق العقوبات تجاه المنشآت المتأخرة في صرف أجور عامليها." وقال مسؤول لدى سعودي أوجيه إن شركته مثلها مثل شركات أخرى تأثرت لعدة أشهر "بالظروف الراهنة التي أدت لتأخر الوفاء بالتزاماتنا للموظفين." وأضاف أن الشركة تبنت خطة ستمكنها من استئناف سداد مستحقات العاملين اعتبارا من مارس آذار لكنه لم يخض في تفاصيل وطالب بعدم الكشف عن هويته نظرا لحساسية الأمر. وباتت المشاكل التي يتعرض لها قطاع الإنشاءات والمقاولات أحد أبرز القضايا داخل مجتمع الأعمال في المملكة. و
خلال الشهر الماضي ناشد رجل الأعمال البارز عبد الرحمن الزامل رئيس مجلس الغرف السعودية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز التدخل لحل مشاكل قطاع المقاولات في البلاد في ظل تأخر سداد مستحقات الشركات لفترة تجاوزت الستة أشهر. وأفاد مسؤولون بالقطاع إنه في بعض الحالات - بما في ذلك شركة سعودي أوجيه - توقف مئات العمال الذين لم يتلقوا رواتبهم عن العمل ونظموا تظاهرات للمطالبة بأجورهم المتأخرة وهو أمر نادر في بلد يمنع فيه التظاهر. العمالة يوجد في المملكة نحو عشرة ملايين عامل أجنبي من جنوب وجنوب شرق آسيا وأنحاء أخرى من العالم ويعمل معظمهم في وظائف متدنية الأجور ينفر منها السعوديون مثل بعض وظائف قطاعي الإنشاءات والتجزئة والعمل في المنازل. وتدفق هؤلاء العمال إلى المملكة خلال سنوات طفرة النفط وازدهار الاقتصاد لكن الآفاق أصبحت قاتمة بعض الشيء منذ أواخر العام الماضي بفعل هبوط أسعار النفط ولجوء بعض الشركات لاسيما في قطاع الإنشاءات إلى خفض أعداد العمالة. وقالت مصادر مطلعة لرويترز في نوفمبر تشرين الثاني إن مجموعة بن لادن السعودية وهي شركة أخرى من أكبر شركات البناء والمقاولات في المملكة تعتزم خفض 15 ألف وظيفة دفعة واحدة.
ولم تستجب بن لادن لطلبات من أجل التعليق على الأمر. وطالما كان تأخر سداد رواتب العمال الأجانب نتيجة تعقيدات روتينية ونقص السيولة أمرا عرضيا في قطاع المقاولات والإنشاءات في دول الخليج. لكن تراجع الإنفاق الحكومي منذ هبوط أسعار النفط أدى إلى تفاقم الوضع. كانت وزارة المالية خفضت الدفعة المقدمة التي تصرفها للشركات في عقود المشاريع المبرمة لصالح الجهات الحكومية. وقلصت الحكومة عدد المشروعات التي تنفذها ويقول مسؤولون بالقطاع إن هناك تباطؤا في صرف مستحقات الشركات التي نفذت مشروعات بالفعل. ولا يعني تراجع إيرادات النفط أن المملكة تواجه أزمة مالية إذ تبلغ قيمة الأصول الأجنبية للحكومة نحو 600 مليار دولار لكن يبدو أن توجه السلطات لخفض الإنفاق أدى لتباطؤ عمليات الموافقة على المستحقات وصرفها. ولم تعلن الحكومة عن قيمة المستحقات المتأخرة التي تدين بها للشركات لكن مسؤولين بالقطاع يقدرون أن تصل في مجملها إلى مئات الملايين من الدولارات فيما يتوقع مسؤول أن تقدر ببضعة مليارات من الدولارات. وقال مسؤولون إن السلطات أبلغتهم بأن الحكومة تعتزم سداد المستحقات المتأخرة بنهاية الشهر الجاري.
إلا أن آخرين أبدوا تشككا بشان تلك الوعود التي تكررت دون تنفيذ فعلي خلال الشهور الماضية. وقال دبلوماسي تدخل في محاولة لسداد الأجور المتأخرة لعمال بلاده إنه التقى بمسؤولين في شركتي أوجيه وبن لادن. وأضاف "قالت سعودي أوجيه إنها دفعت رواتب العمال في فبراير لكن اتضح أن ذلك كان عن شهر اكتوبر 2015 وقالوا إنهم سيدفعون للموظفين مرة أخرى في مارس." وبحسب وثيقة اطلعت عليها رويترز توصل ممثلون عن العمال الذين لم يتقاضوا رواتبهم ومسؤولون من وزارة العمل وآخرون من شركة بن لادن لاتفاق يقضي بحل مشكلة تأخر الرواتب وذلك بعدما احتشد العمال في تظاهرة في مشروع للشركة بمكة في وقت سابق من هذا العام. وبموجب الاتفاق جرى تخيير العاملين في مشروع قطار الحرمين في مكة والذي تنفذه بن لادن بين البقاء في مساكنهم لحين صرف مستحقاتهم مع التزام المجموعة باحتساب فترة بقائهم في السكن واعتبارهم على رأس العمل وبين الخروج النهائي وتصفيه مستحقاتهم أو نقل خدماتهم إلى شركة أخرى والحصول على الموافقة الفورية من إدارة الشركة واستلام جميع مستحقاتهم. ولم تستجب بن لادن لطلبات للتعليق على الأمر.