فريد أحمد حسن
مؤلم عدم الالتفات للتقرير الصادر عن الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال والمتزامن مع يوم الطفل الفلسطيني الذي يصادف الخامس من أبريل من كل عام رغم تضمنه أرقاماً يفترض أن يندى لها جبين العالم أجمع، حيث ذكر التقرير أن إسرائيل تعتقل وتحاكم سنويا نحو 700 طفل فلسطيني وأن المحاكم عسكرية و»صورية» وتسيء معاملة الأطفال بهدف الحصول على اعترافات بالإكراه.
في الخبر أن مدير الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال (فرع فلسطين) عايد أبو قطيش أوضح أن القوات الإسرائيلية قتلت 2000 طفل فلسطيني منذ اندلاع الانتفاضة الثانية قبل 18 عاماً، وأنه لم تتم محاسبة أي جندي إسرائيلي على ذلك، بينما أشارت الإحصاءات الصادرة عن تلك الحركة إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت أكثر من 14 ألف طفل فلسطيني منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية وأن 350 منهم لا يزالون داخل السجون وأن الانتفاضة الفلسطينية الثانية أو انتفاضة الأقصى التي اندلعت في 28 سبتمبر 2000 أسفرت عن مقتل ما يزيد على 4 آلاف فلسطيني.
مؤلم أن يمر مثل هذا الخبر وهذه الأرقام من دون أن تجد الاهتمام الذي ينبغي أن تجده فيضيع بين الأخبار والتقارير ولا يجد المرء فرقاً بينها وبين غيرها من الأخبار التي ليس مهما أن يتخذ بسببها موقفاً. ومؤلم أن يكون هكذا هو حال الطفل الفلسطيني فلا يجد إلا الصمت من العالم.
أما يزيد من الألم فهو أن الطفل السوري والطفل العراقي والطفل اليمني وآخرين من الأطفال العرب في العديد من البلدان التي شهدت اضطرابات في السنوات الأخيرة يعانون أيضا من الذي يجري في بلدانهم، وتؤكد الإحصاءات أن الكثيرين من هؤلاء الأطفال عانوا ويعانون مثلما عانى ويعاني الطفل الفلسطيني، ما يدفع إلى التساؤل عما إذا كان هذا الذي يتعرض له الأطفال العرب مقصودا أم أن معاناتهم هي نتيجة ما تعانيه بلدانهم من أحداث وتطورات صعبة؟
السؤال في صيغة أخرى؛ هل إسرائيل تستهدف الطفل الفلسطيني أملاً في قطع دابر الثورة الفلسطينية والقضاء على أي مقاومة مستقبلية أم أن استهدافه يدخل ضمن باب استهداف المقاومة الفلسطينية ؟ وهل الدول ذات العلاقة بما يجري في سوريا والعراق وليبيا واليمن تستهدف الأطفال هناك أم أنهم يتعرضون لما يتعرضون له كونهم جزءاً من كل؟
هذا السؤال صار مشروعاً وهو خطير، وصارت الإجابة عنه واجبة على كل ذي ضمير حي، تماما مثلما أن السؤال عن سكوت العالم – والأمة العربية على وجه الخصوص – عن الذي يتعرض له هؤلاء الأطفال ومثالهم الأبرز الطفل الفلسطيني صارت الإجابة عنه واجبة على كل ذي ضمير حي. والأكيد أن السؤال عما إذا كان العالم سيستمر في سكوته عن كل هذا الذي يحدث في البلاد العربية ويغتال الطفولة مشروعا وواجبا.
من الناحية المنطقية والعملية يصعب استثناء الأطفال من التعرض للمخاطر، لكن تعريضهم لكل هذا ولعمليات الاعتقال والتعذيب والإكراه على الاعتراف والإدلاء بما قد يتوفر لديهم من معلومات أمر خارج عن ضمير العالم وعن الأخلاق، فهؤلاء ليسوا إلا أطفالا وقد لا يدركون في الغالب ما يقومون به.
حتى الأطفال الذين يتم استغلالهم من قبل المنظمات الإرهابية مثل داعش هم في النهاية أطفال، ولولا أنهم مجبرون على فعل ما يفعلونه لما اختاروا المضي في هذا الطريق، بل أن مسئولية حماية هؤلاء الأطفال ومنع تلك المنظمات من استغلالهم هي مسئولية العالم الذي يفترض ألا يسكت عن هذه الجريمة.
الأوضاع الصعبة التي يعيشها الأطفال في تلك البلدان يدخل فيها أيضا معاناتهم عند الهجرة وعند إخراج ذويهم من منطقة إلى أخرى يعتقد أنها أكثر أمنا، ويدخل فيها معاناتهم من الطقس في الشتاء حيث لا يجدون وسائل التدفئة المناسبة والتي تليق بالطفولة.
مؤلم سكوت العالم عن كل هذا الذي يجري للطفل العربي في فلسطين وفي البلدان العربية الأخرى، ومؤلم أن تكتفي المنظمات الدولية العالمية بإصدار البيانات واتخاذ القرارات التي لا تجد طريقها للتنفيذ أو المتابعة، ومؤلم أكثر متاجرة بعض السياسيين بهذا الملف بينما يحصد الموت والأذى في كل يوم المئات من الأطفال. ما يجري للطفولة العربية يدخل في باب العار الذي يستوجب الاستنفار وإعادة النظر في كثير من الأمور بل حتى في العلاقات مع الدول المؤثرة التي يفترض أنها تستطيع إلزام الجميع بتجنيب الأطفال العرب من كثير من هذا الذي يتعرضون له.
السكوت عن هذا الذي يجري للطفولة العربية جريمة لا تقل عن جريمة المشاركة في قتل الأطفال واعتقالهم وتعذيبهم وسجنهم وإجبارهم على الاعتراف بأمور لا يدركونها، ومسئولية وضع حد لكل هذا هي مسئولية الجميع وخصوصا الدول المؤثرة والأفراد الذين يستطيعون بحكم عملهم السياسي والدبلوماسي أن يسهموا في هذا الملف بفاعلية.
هل يشهد العالم تحركاً قريباً ينقذ الطفولة العربية مما صارت فيه وتعاني منه ؟ هل يصحو الضمير العالمي والضمير العربي وينتبه إلى أن الطفل العربي ليس هو الخصم وأن تركه يعيش لا يعني أنه سيتحول إلى سلاح رادع مستقبلا إذ أن هذا الأمر مقدور عليه بتحقيق العدالة وإعادة الأمور إلى نصابها وبإحقاق الحق.
إنقاذ الطفولة ليس مسئولية الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال وحدها، وإنقاذها غير مرتبط بيوم الاحتفال بالطفولة، فهذه الجريمة كبيرة، والجريمة الأكبر هي السكوت عن هذه الجريمة وعدم التحرك لإنقاذ الطفولة من كل هذه الآلام.
كاتب بحريني