مسقط - خالد عرابي
أكد رئيس اللجنة الاقتصادية والمالية بمجلس الشورى، سعادة د. صالح بن سعيد مسن على أن الاقتصاد الوطني بدأ في التعافي جراء الأزمة الاقتصادية، إلا أنه أوضح قائلا: «صحيح أن الاقتصاد العماني بدأ يتعافى إلى حد ما من تداعيات الأزمة الاقتصادية الناجمة عن انخفاض أسعار النفط عالميا إلا أنه تعاف مشوب بالخطر لأن هذا التعافي يعتمد بشكل كبير على تطورات أسعار النفط، والتي تتأثر بعوامل اقتصادية تتمثل في العرض والطلب العالمي وتعافي الاقتصاد العالمي ومخزونات النفط وحجم التطور في قطاع الطاقة البديلة والتقدم التكنولوجي بالإضافة إلى العوامل الجيوسياسية وهي جميعها عوامل خارجية تؤثر علينا ولا نستطيع أن نؤثر فيها.
جاء ذلك خلال الجلسة الحوارية التي نظمها مجلس الشورى مساء أمس الأول بعنوان: «تحديات الاقتصاد الوطني في إطار الخطة الخمسية التاسعة» (2016- 2020م)، وذلك في قاعة النور بمبنى مجلس عمان. بحضور عدد من أصحاب السعادة أعضاء المجلس والمهتمين بالشأن الاقتصادي.
وأشار مسن إلى أن الاقتصاد الوطني ما زال يواجه تحديات أخرى، بعضها تحديات طويلة المدى وهي تحديات مزمنة مثل التنويع الاقتصادي، والبعض تحديات مالية مرتهنة بتقلبات أسعار النفط، والبعض الآخر تشوهات هيكلية في سوق العمل وما يفرزه من مشكلات تتمثل في زيادة عدد الباحثين عن العمل، والتي تأتي على رأس أولويات السياسة الاقتصادية في المرحلة الحالية.
كما أشار إلى أن الجلسة تناولت تحديات الاقتصاد الوطني في إطار الخطة الخمسية التاسعة بهدف الوقوف على ما تم تنفيذه في الخطة ومعرفة انحراف الأداء الفعلي عما هو مخطط له من أهداف في الإطار الاقتصادي الكلي والقطاعات الاقتصادية المختلفة، وتوضيح الأسباب والمعوقات، وإبراز أهم الفرص والتحديات للوصول إلى رؤية مشتركة حول عملية التقويم الاقتصادي واستشراف المستقبل.
الخيار الاستراتيجي
واستعرض نائب الأمين العام للمجلس الأعلى للتخطيط، سعادة طلال بن سليمان الرحبي، والمديرة العامة للتخطيط التنموي بالمجلس الأعلى للتخطيط، وانتصار بنت عبدالله الوهيبية، ورقة عمل بعنوان: «التنويع الاقتصادي: الخيار الاستراتيجي للسلطنة جاء فيها: إن الأزمة الخارجية (الناجمة عن انهيار سعر النفط بحوالي 70% من منتصف 2014 وحتى 2017) شكلت تحديا كبيرا لأداء الاقتصاد في السلطنة، مثلها مثل بقية دول مجلس التعاون، حيث كانت الأزمة بمثابة حلقة في سلسلة من الصدمات الخارجية التي تكررت منذ ثمانينيات القرن الفائت، وقد أدت إلى تراجع معدلات النمو، وتقليص قدرة الدولة في الحفاظ على الإنفاق العام، وصاحب ذلك تفاقم عجز الموازنة العامة والميزان التجاري والدين العام.
وأكدت الوهيبية من خلال العرض المرئي الذي قدمته في الجلسة أن بوادر تعافي الاقتصاد العماني بدأت بحلول 2018، ويتوقع استمرار معدل نمو يفوق 3% حتى 2020م، وانعكست استجابة السلطنة لتحديات الاقتصاد الوطني في أن يكون التوجه الرئيسي لخطة التنمية الخمسية التاسعة هو: التنويع الاقتصادي كخيار استراتيجي، وقد تم اختيار خمسة قطاعات واعدة لكي تساهم في مصادر النمو، دون الاعتماد على مصدر واحد وهو النفط وهي الصناعات التحويلية، والنقل والخدمات اللوجستية، إلى جانب السياحة والثروة السمكية والتعدين.
وأضافت أن مفهوم التنويع اتسع ليشمل إطلاق أربعة تحولات داعمة لعملية التنويع وهي التحول على المستوى الكلي والحفاظ على السلامة المالية، وإعطاء الأولوية للقطاعات الواعدة وتعزيز القطاع الخاص، بالإضافة إلى التحولات في سوق العمل ليصبح التشغيل في القطاع الخاص هو الخيار الأول للمواطن، والتحول نحو استراتيجية وطنية للطاقة.
وأشارت الوهيبية إلى أن السمة الأساسية للاقتصاد العماني هي الاستجابة للتقلبات في أسعار النفط العالمية وأنه رغم التعافي للاقتصاد الذي بدأ في منتصف 2017م، إلا أن التوقعات تشير إلى صعوبة الوصول إلى مستوى الأسعار التي كانت سائدة قبل 2014، حيث تتراوح حول مستوى 60 دولارا للبرميل حتى 2020.
كما أكدت انتصار الوهيبية على أن من أهم مرتكزات خطة التنمية الخمسية التاسعة تنمية القطاع الخاص ليكون القطاع الرائد في عملية النمو.
وتهدف الخطة إلى أن تصل مساهمة القطاع الخاص إلى 52% من إجمالي الاستثمارات وهو ما قد تحقق بالفعل منذ العام 2014، كما ذكرت إلى أن هناك إجماعا على أن التنفيذ هو المعيار الرئيسي لنجاح استراتيجية التنويع الاقتصادي للانتقال من مرحلة التخطيط إلى التنفيذ فقد تم إطلاق «البرنامج الوطني لتعزيز التنويع الاقتصادي (تنفيذ)» بالاستفادة من التجربة الماليزية.
أما مستشار وزارة المالية، سعادة محمد جواد بن حسن جاء في عرضه لورقة العمل التي قدمها بعنوان: «مسار المالية العامة في ظل انخفاض أسعار النفط»: أنه في العام 2014 ارتفع الإنفاق رغم تراجع عائدات النفط بشكل كبير، حيث تسبب هبوط أسعار النفط واستمرار الإنفاق في معدلاته المرتفعة إلى حدوث عجز مالي في 2014م وزيادة حدته في عامي 2015م و2016م.
كما ارتفع الإنفاق العام في جميع بنوده خلال السنوات (2011 - 2014م) بوتيرة متسارعة، حيث قفز من 7,9 بليون ريال عماني في 2010 إلى 15,2 بليون ريال عماني في 2014 بزيادة قدرها 7,3 بليون ريال أي ما نسبته 92%. بالرغم من الإصلاحات المالية منذ عام 2015م، إلا أن العجــز قد ارتفــع نظرًا للهبوط الحاد لإيرادات النفط.
وأكد سعادته على أن أبرز التحديات التي تواجه الوضع المالي بالسلطنة هي الاعتماد الرئيسي على عائدات النفط علاوة على عدم استقرار أسعار النفط، وضعف قاعدة الإيرادات غير النفطية، ووصول الإنفاق العام إلى مستوى غير قابل للاستدامة، وارتفاع المصرفات الجارية وخاصة الرواتب والأجور وارتفاع تكلفة إنتاج النفط والغاز بالإضافة إلى ارتفاع العجز المالي إلى مستويات عالية مما يشكل مخاطر على الاستقرار المالي، إلى جانب ارتفاع حجم الدين العام خلال عام 2017م (42% من الناتج المحلي). وتراجع التصنيف الائتماني للسلطنة.
السياسة النقدية
وقال مدير الاستقرار المالي بالبنك المركزي العماني، محمد بن راشد الجهوري خلال الورقة التي ألقاها والتي حملت عنوان: «السياسة النقدية في السلطنة- التحديات وركائز الاستقرار»: إن الأنشطة النفطية حققت نموا ملحوظاً نتيجةً لاستمرار تعافي أسعار النفط العالمية، وساهمت بما يقارب 64% من النمو في الناتج المحلي حتى سبتمبر 2017، كما بلغ حجم الصادرات السلعية بنهاية سبتمبر 2017م مبلغ قدره 9,143 مليون ريال عماني بنمو 18% مقارنة بنفس الفترة في 2016م. في حين ارتفعت الواردات بنسبة 13% لتصل إلى 6,846 مليون ريال، فيما بلغ الفائض في الميزان التجاري في عام 2016م حوالي 1.5 بليون ريال عماني وبلغ الفائض التجاري ما يقارب 1.4 بليون ريال بنهاية عماني سبتمبر 2017، مشكلا نسبة تناهز 7% من إجمالي الناتج المحلي.
وأشار الجهوري في كلمته إلى أن الأرقام الأولية تشير إلى أن الحساب الجاري قد سجل عجزا أوليا قدره 4.6 بليون ريال عماني في 2016م، مع توقعات بانخفاض العجز بنهاية 2017 جراء تحسن قيمة الصادرات النفطية وارتفاع الصادرات الأخرى وتراجع في التحويلات الجارية، وأضاف إلى توقعات بانخفاض حجم تحويلات القوى العاملة للخارج تزامناً مع تباطؤ النشاط الاقتصادي، كما ذكر الجهوري أن إجمالي الاستثمار الأجنبي في الســلطنة ناهز 15 بليون ر.ع في عام 2015م، وشــكل الاســـتثمار الأجنبي المباشر حوالي النصف ويتوقع زيادة هذه الاستثمارات.
كما أفاد بأنه لا زالت الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي العماني محافظة على مستوياتها الداعمة لاستمرار الحفاظ على مستوى سعر الصرف الثابت الحالي بالرغم من حدوث تغيرات في أحجامها جراء الطلب الكبير على الدولار الأمريكي. مشيرًا إلى أن إجمالي أصول البنوك (التجارية والإسلامية) بلغ حوالي 32 بليون ر.ع بنهاية شهر ديسمبر2017م بارتفاع 5 % مقارنة بنهاية ديسمبر 2016م.
وأوضح أن البنوك التجارية استطاعت زيادة رأس المال المدفوع والاحتياطيات، وذلك مع تبني البنك المركزي العُماني لسياسات احترازية كلية من شأنها رفع جاهزية البنوك للتصدي للتحديات والمخاطر الاقتصادية.
وتطرق الجهوري عن مستويات التعمين في القطاع المصرفي، مشيرا إلى النسبة تفوق 90%، حيث بلغ عدد المشتغلين بنهاية 2016 عدد 11373 موظفا وموظفة يشتغلون في هذا القطاع، وقد بلغت نسبة التعمين في الإدارة العليا نسبة 77.2% .