باري آيكنجرين
ظَلَّت سياسة سعر الصرف في الصين على مدار عِدة أشهر تقض مضاجع الأسواق المالية العالمية. أو على نحو أكثر دِقة، كان الالتباس بشأن هذه السياسة يقض مضاجع الأسواق. إذ كان أداء المسؤولين الصينيين سيئاً في نقل نواياهم، الأمر الذي شجع الاعتقاد بأنهم لا يدرون ماذا يفعلون.
بيد أن انتقاد السياسة الصينية أسهل من تقديم المشورة البنّاءة. والحقيقة هي أن حكومة الصين لم تعد تملك أية خيارات جيدة. ولا شك أن البلاد ستكون أفضل حالاً مع سعر صرف أكثر مرونة يقضي على رهانات المضاربين في اتجاه واحد ويعمل كأداة لامتصاص الصدمات الاقتصادية. ولكن ما كُتِب عن «استراتيجيات الخروج» -حول كيفية الاستعاضة عن ربط العملة بسعر صرف أكثر مرونة- يبين بوضوح أن اللحظة -حيث كان بوسع الصين أن تبحر عبر هذا التحول بسلاسة- قد وَلَّت. لا تستطيع أي دولة الخروج بسلاسة من سعر صرف مربوط إلا إذا كانت الثقة في الاقتصاد متوفرة، على النحو الذي يشجع الاعتقاد بأن سعر الصرف الأكثر مرونة قابل للارتفاع بقدر ما هو قابل للانخفاض. ولعل هذا كان ليصدق في حالة الصين ذات يوم؛ ولكنه لم يعد حقيقياً اليوم.
وهذا يضع صناع السياسات في الصين في موقف السائح الأيرلندي الذي يسأل عن كيفية الوصول إلى دبلن، فيأتيه الرد: «حسناً يا سيدي، لو كنت مكانك فما كنت لأبدأ من هنا». ما هو إذن الخيار الأقل سوءاً المتاح للصين الآن؟ بوسع السلطات أن تستمر على استراتيجيتها الحالية المتمثلة في ربط الرنمينبي بسلة من العملات الأجنبية، والدفع بأجندة إعادة هيكلة وموازنة الاقتصاد قُدُما. بيد أن إقناع المراقبين المتشككين بأن السلطات الصينية ملتزمة بهذه الاستراتيجية سوف يستغرق بعض الوقت، نظراً للعثرات الأخيرة. ومن ناحية أخرى، سوف يكون المستثمرون ضدها. وهم كذلك بالفعل. فقد بلغت تدفقات رأس المال إلى الخارج نحو 100 بليون دولار شهريا. وتشير الحسابات البسيطة إلى أن السلطات ربما تصمد لمدة عامين على الأقل بالاستعانة باحتياطيات تعادل 3 تريليون دولار أميركي. غير أن هروب رأس المال يميل إلى الارتفاع بشكل كبير مع اقتراب النهاية. وبهذا تصبح مهلة العامين وهما.
وبدلاً من ذلك، تستطيع السلطات الصينية أن تسمح لسعر صرف الرنمينبي بالتقلب بقدر أكبر من الحرية. وبوسع بنك الشعب الصيني أن يسمح بخفض قيمته في مقابل سلة العملات المرجعية، ولنقل بنحو 1 % شهريا، من أجل تعزيز القدرة التنافسية للمصدرين الصينيين ومعالجة المخاوف بشأن المبالغة في تقدير قيمة العملة. ولكن نظراً لضعف الطلب العالمي، فإن هذا النوع المتواضع من خفض القيمة لن يفعل شيئاً يُذكَر لتعزيز الصادرات ودعم النمو الاقتصادي. وعلاوة على ذلك، مع خسارة الرنمينبي 1 % من قيمته كل شهر، سوف تتسارع وتيرة هروب رأس المال. وثمة خيار ثالث يتلخص في خفض قيمة الرنمينبي لمرة واحدة، ولنقل بنسبة 25%. هذا من شأنه أن يعمل على تعزيز القدرة التنافسية للصادرات على الفور. ووفقاً لهذه الحجة فإن خفض قيمة العملة إلى الحد الذي تصبح عنده مقومة بأقل من قيمتها بشكل ملحوظ من شأنه أن يجعل المستثمرين يتوقعون أن يتعافى. وبهذا يتدفق رأس المال إلى الداخل وليس إلى الخارج ومع استبعاد الخيارات، يصبح الخيار الوحيد المتاح متمثلاُ في إحكام ضوابط رأس المال. فالضوابط الصارمة من الممكن أن تمنع المقيمين والأجانب من بيع الرنمينبي في مقابل عملة أجنبية في أسواق الداخل وتحويل العائدات إلى الخارج.
أستاذ بجامعة كاليفورنيا في بيركلي وجامعة كمبريدج