علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي نطالب فيه الحكومة بتنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على مصدر واحد للدخل القومي، وهذه مطالب مشروعة ومهمة تنطلق من قلوب محبة للوطن، لكن السؤال ذاته يطرح على بعض المواطنين لماذا لا ينوعوا مصادر دخلهم؟ فبدلا من الاعتماد على دخل واحد وهو الراتب سواء من وظيفة في القطاع العام أو الخاص، في حين بالإمكان أن يعمل أكثر من عمل أو يفكر في مشروع بجانب عمله الرئيسي يدر عليه دخلا إضافيا يساعده على مواجهة تزايد تكاليف الحياة والزيادات في الأسعار، والمطالب الحياتية المختلفة، بل يكون احتياطا في الأزمات لا سمح الله، الأمر الذي يتطلب أن يبدأ البعض بالتفكير في تنويع مصادر دخلهم، وفتح آفاق لأنفسهم وأبنائهم في المستقبل في هذا الجانب.
فبلا شك أن نتابع الكثير من التفاعل والنقد لسياسات الحكومة بأنها لم تنوع مصادر الدخل في السنوات الفائتة، والمغالاة في الأطروحات حول هذا الجانب، بعضها صائبا وبعضها الآخر غير دقيق، وفي المقابل نحن نرى بأن البعض للأسف هو نفسه لم ينوع مصادر دخله وأصبح رهينة للراتب طوال حياته ويتوجس من أي ارتفاع في الخدمات والرسوم أو أي تغيرات في هيكلة الخدمات أو إضافات نتيجة عدم تهيئة لهذه المرحلة للأسف، وعدم إيمانه بتنويع مصادر دخله وإيجاد دخل إضافي يسد به احتياجاته، معتمدا على الراتب الذي يخلص قبل منتصف الشهر ويبقى مديونا إلى أن ينزل الراتب وهكذا دواليك طوال العام يظل في هذه الدوامة لا يحرك ساكنا للأسف، ويشتكي ويبكي من كل شيء حوله، ولا يدبر شؤونه ولا يحاول أن يغير من حاله في تناقض بين ما يدعو إليه وبين حاله.
إن من شأن إيجاد مصادر بديلة للدخل للمواطن أن لا يكون رهينة لأي ارتفاع في الأسعار نتيجة لتضخم في الداخل أو الخارج في عالم يموج بالتغيرات المتلاحقة منها ما ليس لنا به علاقة به، وخارج عن إرادتنا طبعا، مثل انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية أسبابها خارج إرادتنا تتحكم بها التوازنات في الأسواق والعرض والطلب وأمور أخرى، وعندما تعيد الدولة هيكلة الدعم وترفعه عن بعض السلع التجارية يصرخ المواطن لأي زيادات غير مستعد لها في حين يجب أن يستعد لمثل هذه المرحلة من خلال إيجاد مصادر بديلة لدخله وعدم الاكتفاء بما يحصله شهريا نظير عمله في هذه الجهة أو تلك الشركة.
إن بعض الموظفين يتوجسوا ليس من الزيادات في الأسعار فحسب، وإنما حتى من سن التقاعد، ويتخوفون من الحديث عنه كأنه مرض للأسف، لعدم جاهزيتهم لمثل هذه المرحلة التي من الطبيعي أن يصل لها أي موظف في الحكومة أو القطاع الخاص، في حين البعض يحب أن يخرج قبل سن التقاعد، بل إن البعض يستقيل من العمل الحكومي ليمارس عمله الخاص ويدير مشروعه غير مهتم بالراتب والتقاعد وارتفاع الرسوم والضرائب وغيرها باعتبارها باتت طبيعية في الكثير من الأحيان تنتج عن تطورات ليس للدول دخل فيها، ومتهيئا لها بشكل يتواكب مع متطلبات الحياة، ويخطط أن يعمل من أجل بناء نفسه بشكل لا يجعل الأيام تقسوا عليه.
إن هناك نماذج طيبة من المواطنين ممن لديهم أفكار ومشروعات، ويسعون دائما تطويرها بما يعكس تطلعاتهم لتغيير واقعهم والتكيف مع متطلبات الحياة المتزايدة، بل إن هناك من يعمل أكثر من عمل على أمل أن يساعدهم على مواجهة مصاريف الحياة اليومية المتزايدة، ويرفع من دخله، مؤمنين بأن الراتب لا يكفي إلا للأكل والشرب فقط ليس أكثر، وسد متطلبات الحياة الأساسية.
وعلى الرغم من اعتماد الكثير من الأسر على الراتب إلا أن هناك عدم ترشيد من قبل هذه الأسر، فتجدها تسرف في الإنفاق العشوائي وأكثر من حاجة الفرد والعائلة مما ينتج عنه عجز لدى العائل في نهاية الشهر يوازي بعض الأحيان مرتبه كاملا، وبعض الأسر لا تؤمن بما يسمى بالادخار والتوفير للأيام الحالكة التي قد تواجهه، مما يضعه وأسرته في مأزق صعب في الكثير من الأوقات.
ندرك أن الفرد أصبح تنازعه الكثير من المصاريف الأساسية والكمالية وغيرها، ويوجه مرتبه إلى سداد بعض الالتزامات كالقروض البنكية لشراء سيارات وبناء منازل وغيرها من المستلزمات، وهذا واقع معاش في السلطنة والكثير من الدول، لكن في المقابل يجب أن نعي بأن هذه الزيادات والالتزامات لا يمكن أن نواجهها بالرواتب فقط.
بالطبع إن عمل المواطن عملا آخر متعب له، يقضي فيه جهدا ووقتا يمكن أن يقضيه مع أسرته ويستمتع به، لكن هذه هي الحياة صعبة.. ليس لدينا فقط وإنما في كل بلدان العالم، إذا أردنا أن نغير في أحوالنا، في ظل الالتزامات اليومية المتصاعدة كلما كبرت الأسر وتزايدت النفقات.
نأمل أن يسعى المواطن كذلك إلى تنويع مصادر دخله ولا يعتمد على الراتب مثلما يطالب الحكومة بتنويع مصادر الدخل، فالحال «من بعض» كما يقال، ففي هذه التوجهات عدم الاعتماد على الحكومة وتوجهاتها في تحرير الأسعار وعدمه، وعدم الارتهان للظروف أيا كانت والاستعداد لأي متغيرات حياتية غير مواتية في هذه الحياة المتقلبة.