مبعوث من عدن

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٤/أبريل/٢٠١٨ ٢٢:٣٤ م
مبعوث من عدن

علي ناجي الرعوي

تباينت الآراء حول تفاصيل ما جرى في اللقاءات التي عقدت مؤخراً في الرياض وصنعاء بين المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن البريطاني مارتن غريفيث وأطراف النزاع اليمنية، وذلك بسبب التعتيم الإعلامي الذي فرض على تلك اللقاءات وما طرح فيها من الأفكار والأهداف لإعادة إطلاق مسار السلام اليمني المتوقف عمليا منذ وصول مفاوضات الكويت الى طريق مسدود في صيف العام 2016 غير ان ما تسرب عنها او خرج من كواليسها يشي بشكل او بآخر الى ان تعيين الدبلوماسي البريطاني غريفيث خلفا للموريتاني اسماعيل ولد الشيخ يرسم توجها جديدا للتعاطي الدولي مع الملف اليمني الذي عرف خلال الفترة الفائتة تشعبات كبيرة حالت دون الوصول الى حل سياسي ينهي المعاناة التي يعيشها هذا البلد بفعل الحرب المستعرة على اراضيه منذ أكثر من ثلاث سنوات.

رغم أن ترتيب المبعوث الجديد الذي استلم مهامه رسميا منتصف فبراير الفائت هو الثالث في قائمة المبعوثين الامميين الى اليمن إلا أنه بدأ مشاوراته بطموح عال وتفاؤل مرتفع متخطيا العوامل والاسباب التي كانت وراء فشل سابقيه اللذين اخفقا في انجاز المهمة التي اوكلت اليهما وسواء كان الرجل يستمد هذا الطموح من التفويض الذي توفر له من مجلس الامن الدولي او من الدعم الذي سيحظى به من الدولة التي ينتمي اليها وهي بريطانيا فلا بد من الاقرار هنا الى ان اداء هذا المبعوث جاء مختلفا ومتكئا على خبرته في ادارة الأزمات علاوة على علاقاته الواسعة وإلمامه الكبير بسياقات الأزمة اليمنية والتي يتشابك فيها المحلي بالاقليمي والدولي ولذا وبعيدا عن كل التوقعات فقد حرص وبعد تسلمه مباشرة مهامه أن يبعث رسالة لليمنيين على حسابه الخاص في موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) يخبرهم فيها أنه من مواليد عدن وان معظم سنوات طفولته كانت في اليمن وكأنه بهذه الرسالة قد أراد أن يقول لكل من سيلتقي بهم بأنه ليس غريبا على هذا البلد وأنه ايضا يدرك الكثير من خفاياه وتعقيداته وصراعاته هذا إن لم يكن قد اراد تذكيرهم بأن عدن التي كانت إلى قبل نصف قرن درة التاج البريطاني وحاضرة مدن الشرق لم تصل إلى الواقع التعيس الذي تظهر فيه اليوم ومعها كل اليمن الا نتيجة الاخطاء السياسية التي طالما تكررت في حياة اليمنيين ودفعوا ثمنها باهضاً.
أما الرسالة الثانية التي سعى المبعوث الدولي الجديد لإيصالها إلى أطراف الصراع اليمنية التي التقاها في الرياض أو صنعاء فتتمثل في أن المجتمع الدولي وفي مقدمته الدول الدائمة الخمس في مجلس الامن أصبح على قناعة من أن استمرار الحرب في اليمن ودخولها عامها الرابع بات يشكل عبئاً سياسياً وإنسانياً وحالة من القلق للضمير الدولي مما يحتم على الجميع التحرك وبذل جهود أكبر لإنهاء هذه الحرب التي أخذت تعطي نتائج عكسية على المستوى الانساني مما يعني حسب غريفيث أن الدول ذات الفاعلية الدولية هي اليوم أكثر انفتاحاً واستعداداً لدعم الحل السياسي في اليمن بأسرع وقت ممكن خصوصاً، وقد تعذر الحسم العسكري حتى الآن مما أدى إلى تدهور الحالة اليمنية على كافة المستويات وساهم في إيجاد أزمة إنسانية هي الأسوأ في هذا القرن باتت تحرج المجتمع الدولي.. ويفهم من هذه الرسالة كما نقلها مارتن غريفيث بأن الكرة أصبحت الآن في ملعب اليمنيين والذين عليهم أن يدركوا أن من مصلحتهم اختصار الطريق لأن في ذلك اختصار للخسائر البشرية والمادية و المآسي الإنسانية.
ومع أن المبعوث الأممي الجديد لم يكشف حتى الآن عن طبيعة الحل الذي يتحدث عنه وكيف سيتم التفاوض عليه ومن هي الأطراف التي ستشارك في عمليه التفاوض كان من اللافت أن مقترحات هذا المبعوث والتي ترمي إلى فرض الحل السياسي بدل عن العسكري قد قوبلت بالتصعيد وليس بالتهدئة حيث شهدت الايام القليلة الماضية سباقا محموما بين مختلف الاطراف اذ سعى كل طرف الى ابراز نفسه من خلال الاعتماد على نشاطه وقوة العسكرية وسيطرته على الارض وقد برزت وتيرة هذا الجموح في احتدام المواجهات الميدانية في اكثر من جبهة فضلا عن دفعة الصواريخ التي استهدفت عدة مدن سعودية وهي مؤشرات تحمل دلالات تفصح عن ان الاشهر المقبلة ستكون هي الاكثر تصعيدا في الحرب فكل طرف سيحاول إيجاد متغير حقيقي على الارض مهما كانت كلفته قبل الدخول في أية مفاوضات قادمة.
المفارقة الأكثر تعقيداً أن أحداث السنوات الفائتة فرضت مناخ من العداء يصعب تجاوز مترتباته بسهوله كما أن الحرب قد افرزت مصالح متضخمة للبعض صارت هي الدافع الاهم بالنسبة له لمواصلة الحرب وفي حال ما كان الهدف من لقاءات مارتن غريفيث هو إقناع كل طرف بالقبول بخارطة طريق سبق وان توافق عليها اللاعبون الدوليون فإن تحقيق هذا الهدف سيبقى معلقاً على صدق نوايا كل الأطراف واستعدادها للتخلي عن مصالحها الذاتية بل إن بلوغ هذا الهدف يقتضي في المقام الأول جدية المجتمع الدولي في دعم ومساندة مفهوم الحل السياسي حتى يسد المنافذ أمام كل من يجد مصلحته في عدم توقف الحرب واستعمال السلاح وفي عدم نجاح أية عملية تقود إلى تسوية شاملة تنهي معاناة الناس.
يخطئ أبناء اليمن بحق أنفسهم ووطنهم وهم يعيدون عجلة الارتهان بالخارج الى ميدان التنافس بينهم لتستحيل علاقاتهم الى نزاع مسلح وصراع دموي لا مكان فيه للحوار ولا موطن فيه للعقل ولا وازع فيه من دين او ضمير وكم تجرع اليمنيون من ويلات هذا الارتهان في تاريخهم القديم والحديث وفي واقعهم المعاصر وليس أدل على ذلك من الحرب الراهنة التي أغرقت الشخصية اليمنية بالكثير من الملامح المشوهة الى درجة صارت معها لا تعرف بالضبط أين تقف وكيف تعيد صياغة اطوارها.. ولذلك فما كان بالامس ممكنا في هذا البلد اصبح اليوم اكثر صعوبة وقد يصبح في الغد مستحيلاً أو بعيد المنال.

كاتب يمني