غازي السعدي
ليس سراً أن إسرائيل من أكثر المستفيدين، من الاقتتال العربي-العربي بشكل عام، وفي سوريا بشكل خاص، الذي كان يشكل الجبهة الشرقية ضد إسرائيل، ومنذ بداية الأزمة السورية، لم يكن الموقف الإسرائيلي من الأزمة السورية واضحاً، فكانت أصوات محللين عسكريين إسرائيليين وآراؤهم متباينة منهم من كان يفضل التدخل، ومنهم من أخذ موقف الحياد واكتفى بأن يكون متفرجاً، ولكل منهم وجهة نظره ومبرراته، مع أن إسرائيل، ومن خلال الشريط الحدودي في الجولان، أوجدت قنوات اتصالات لتقدم مساعدات غير معلنة، تحت غطاء مساعدات إنسانية، إضافة إلى معالجة بعض المصابين في هذا الاقتتال في مستشفياتها، فإسرائيل لا تقوم بأي خدمة أو مساعدة مجاناً.
التطورات الأخيرة على الجبهة السورية، أثارت نقاشاً إسرائيلياً يتطلب منها إعادة حساباتها، من حرب السنوات الخمس، فرئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو"، يعلن صراحة في جلسة مجلس الوزراء الأسبوعي، أن أي اتفاق قد يتحقق بين الأطراف المتنازعة في سوريا، يجب أن يضمن مصالح إسرائيل، ويجب أن يشمل وقف عمليات إيران المعادية لإسرائيل في سوريا، وأن إسرائيل لن تقبل بنقل السلاح الإيراني إلى حزب الله، أو فتح جبهة ضد إسرائيل من الجولان، وأعلن "نتنياهو" أن هذه هي الخطوط الحمر التي وضعتها إسرائيل منذ البداية، وأنها ما زالت قائمة اليوم وللمستقبل، والسؤال: هل لدى "نتنياهو" معلومات مسبقة بتفاصيل التسوية التي يجري طبخها بخصوص سوريا؟
إسرائيل ادعت أنها حافظت خلال السنوات الخمس الأخيرة، على سياسة "الحياد" الحذر حول ما يجري في سوريا، لكن الوضع قد يتغير الآن، ومن أسباب تغيره تحقيق الأسد مكاسب على الأرض، بمساعدة روسية وإيرانية، وأن هذا التغيير قد يترجم إلى خطوات عسكرية، فمن وجهة النظر الإسرائيلية، فإن انتصار الأسد سيعزز مكانة إيران وحزب الله على حدودها، بعد توقيع الاتفاق النووي مع الغرب، ورفع العقوبات عنها، فالرغبة الإيرانية بالسيطرة على الحدود في هضبة الجولان، بينما تسيطر المعارضة حالياً على نحو 90% منها، ستخلق وضعاً جديداً وسيقع الاحتكاك بين إسرائيل والحرس الثوري الإيراني، وحزب الله، وحسب المصادر الإسرائيلية، فإن إيران منذ مطلع عام 2016، تبذل جهوداً لتوسيع نشاط حركة "الصابرين" في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية وعلى حدود الجولان مع إسرائيل، فحركة "الصابرين" هي حركة شيعية يقودها الأمين العام "هشام سالم"، وهي ذراع إيران العسكرية، وحسب المصادر، فإن الحرس الثوري الإيراني، جند مئات المسلحين الفلسطينيين، من مخيم اليرموك السوري، ومن لاجئين فلسطينيين نزحوا من سوريا إلى لبنان، لوضع هؤلاء الشباب في مواجهة الحدود الإسرائيلية-السورية، مقابل مواقع الجيش الإسرائيلي في الجولان، فحركة "الصابرين" التي يرعاها حرس الثورة الإيراني، وحزب الله اللبناني، قام بتدريبهم وتسليحهم، فإسرائيل لا تريد أحداً يقف أمامها ويقارعها على الحدود.
هناك معلومات في غاية من الأهمية، حسب موقع "ديفكة 2-3-2016"، الإسرائيلي، لم تؤكد من أي مصدر آخر، أن بلدة "الزبداني" السورية الواقعة على بعد (30) كيلومتراً غرب دمشق، وبعد أن جرى إخلاؤها من السكان، وكأنها بلدة أشباح، أعلن عنها منطقة عسكرية تحت حكم حزب الله، لا يمكن لأحد، أو حتى جندي سوري أو لبناني دخولها حسب المصدر، بل أصبحت دولة لحزب الله في سوريا، تسيطر على الطريق السريع الواصل بين بيروت ودمشق، والذي يبلغ طوله (83) كيلومتراً، وهذه المنطقة المعروفة بدولة حزب الله، عبارة عن منطقة عسكرية مغلقة-كبيرة وقد تم استقطاع مساحة 2.5 كيلومتراً مربعاً، وإحاطتها بأسوار وأسلاك شائكة بارتفاع كبير، فوق وتحت الأرض بشكل يجعلها قادرة على الصمود في وجه الصواريخ والطائرات، وأفادت المعلومات حسب المصدر، أنها أصبحت مجمعاً للأبحاث والتطوير، وبشكل خاص القنابل الكيميائية، وتصنيع القنبلة "القذرة الإشعاعية"، بمساعدة خبراء أجانب، وكل ذلك إذا صحت المعلومات، فإنه يجري بحماية وغطاء سلاح الجو الروسي، مما أثار حفيظة إسرائيل التي هرعت للاستنجاد بموسكو.
إن هذا الموضوع، كان سيؤدي إلى أزمة بين إسرائيل وأستراليا، فقد كان من المقرر أن يلبي الرئيس الإسرائيلي "روبي ريفلين"، دعوة من الرئيس الاسترالي، بين تاريخي 13-22 من مارس الجاري، لكن ما يطلق عليه بأزمة الزبداني، وتصنيع القنبلة القذرة، أدى إلى إلغاء الرئيس زيارة أستراليا، لتلبية زيارة موسكو الأكثر أهمية، والاجتماع مع الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" المحددة بتاريخ من 14-18 مارس، مما أدى إلى اعتذار "ريفلين"، للرئيس الأسترالي، بتفضيله السفر لموسكو للأهمية، على خلفية التطورات الأخيرة في سوريا، فقد تصادف المواعدان في زمن واحد، أمام هذه التطورات، تقوم إسرائيل بمراجعة مواقفها من الأزمة السورية، دون الإعلان عن ذلك رسمياً، بل من خلال التسريبات، فقد توصلت إلى ثلاثة مفاهيم بالنسبة لسورية:1-أن انتصار الأسد سيكون سيئاً لإسرائيل، لأنه يعني بالمفاهيم الإسرائيلية نجاح لإيران وحزب الله، 2-أن المسألة لم تنته بعد، لأنه على الرغم من القصف الروسي، والخلافات في صفوف المعارضة، إلا أن المعارضة السورية لا تزال بعيدة عن الاستسلام، 3-أن على الغرب أن يستيقظ من جموده، وعليه أن يرسل قوات عسكرية كبيرة لسوريا، لتشكيل قوة عسكرية ثالثة، بالإضافة إلى قوات سنية أقل تطرفاً، ومليشيات كردية لمحاربة النظام وداعش.
وكما ذكرنا فإن الموقف الإسرائيلي من الأزمة السورية ومستقبلها غير موحد، كذلك الأجهزة الأمنية ومراكز الدراسات، يعتقدون أنه من المبكر الإعلان عن انتصار الأسد، الذي يسيطر حسب تقديرهم على ربع الأراضي السورية فقط، وأن ما استعاد عليه من سيطرة مؤخراً صغير جداً، أما نظرة الغرب من هذه الأزمة فليس له إستراتيجية واضحة، وكل ما يهمه المحافظة على هدفين: الأول: وقف موجة نزوح اللاجئين إلى أوروبا، والثاني: منع تنظيمات جهادية إسلامية من تنفيذ عمليات إرهابية أخرى في الدول الأوروبية، أما وزير الجيش الإسرائيلي الجنرال "موشيه يعلون"، فإنه يعتقد أن سوريا لن تعود دولة موحدة في المستقبل القريب، متوقعاً انشطارها لعدة مناطق، للجماعات الرئيسية المسيطرة على الأرض، وحسب "يعلون" فإن تواجد كل من إيران وداعش في سوريا، يمثلان خياراً سيئاً لإسرائيل خاصة، وللشرق الأوسط والعالم الغربي عامة.
إسرائيل نجحت في عدم التورط بالأزمة السورية التي وصلت أحياناً حتى حدود الجولان، فهي الحرب الأكثر أهمية للمحور الأكثر معاداة لإسرائيل في المنطقة، أي محور إيران-حزب الله، حتى حين حاول الدروز في إسرائيل دفع الجيش الإسرائيلي إلى التدخل، لحماية أبناء طائفتهم، انطلاقاً من القلق على الأقلية الدرزية في سوريا، نجحت إسرائيل بعدم الرضوخ لضغوطهم، واحتواء الأحداث، والتملص من التورط بها، فالغموض الإسرائيلي هو أحد الأدوات الرئيسية في تعامل إسرائيل بالموضوع السوري، وبعدم التورط، ومع ذلك، فإن "نتنياهو" اعترف في خطابه بمؤتمر "الجليل" الذي عقد مؤخراً، أن إسرائيل تعمل في سوريا بين الفينة والأخرى، تحت مزاعم عدم تحويل سوريا إلى ساحة ضد إسرائيل، فإسرائيل ترى بهذه الحرب المتواصلة، بأنها ساهمت بسحق الجيش السوري، إلى حد لم يبق من قدراته الأصلية إلا الظل، بعد أن تم تفكيك غالبية مستودعات الأسلحة الكيماوية، في أعقاب الاتفاق الأميركي-الروسي، وأن إسرائيل ترى بأن حزب الله بقي الخصم الرئيس للجيش الإسرائيلي في الحلبة الشمالية.
بعد مضي حوالي الخمس سنوات على اندلاع الأزمة السورية، وحتى إن نجحت إسرائيل بعدم التورط في هذه الحرب، غير أن المعلومات التي تسربها وسائل الإعلام الإسرائيلي، سواء كان في موضوع الزبداني، أو تصنيع القنبلة القذرة، فإنه إذا تأكدت هذه المعلومات، فلا نستبعد تورط إسرائيل في الوحل السوري، بعد إعادة حساباتها، وعليها أن تجتاز عقبتين: ضوء أخضر أميركي، وعدم إغضاب روسيا ولكل حادث حديث.
مدير مركز دار الجليل للدراسات والنشر