مسقط - يوسف بن محمد البلوشي
بالرغم من استقرار أسعار النفط عند 60 - 65 دولاراً للبرميل، وتحسن إيرادات السلطنة النفطية مع مطلع العام الجاري، مقارنة بالأعوام الثلاثة الفائتة، إلا أن سعر التعادل في الموازنة العامة للدولة ما زال رقماً صعباً وينبئ باستمرار العجوزات في الموازنة، وبالتالي استمرار التوجه نحو السحب من الاحتياطيات والاستدانة المحلية والخارجية، ما جعل الحكومة، ممثلة بمجلس الشؤون المالية وموارد الطاقة، توجه بضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للحد من تنامي الدين العام والعمل على تخفيضه باعتبار أن خدمته تشكل عبئاً كبيراً على الميزانية العامة للدولة.
«الشبيبة» اقتربت من موضوع الدين العام، والتقت بعض المسؤولين والخبراء لمعرفة أرائهم حول الموقف وكيفية معالجته ورصدتها في التقرير التالي:
بداية، أكد نائب الرئيس التنفيذي للبنك المركزي العُماني «سابقا» علي بن حمدان الرئيسي، وهو محلل اقتصادي ومالي، على أن تنامي الدين العام ووصوله إلى نسبة تقترب من 50% من الناتج المحلي الإجمالي يشكل خطورة بالغة على المالية العامة للدولة والاقتصاد الوطني بشكل عام.
وطالب الرئيسي الحكومة باتخاذ إجراءات فورية لضمان عدم ارتفاعه عن النسب الحالية خاصة أن خدمة الدين العام تشكل عبئاً كبيراً على الموازنة العامة للدولة خلال الأعوام المقبلة.
وبيّن الرئيسي أن أولى الإجراءات هو الحد من زيادة الإنفاق الحكومي وخاصة الإنفاق الجاري، معرباً عن استغرابه من ارتفاع الإنفاق العام خلال الأعوام الفائتة عما هو محدد له في الموازنة العامة للدولة في ظل استمرار الظروف المالية الصعبة التي تعيشها السلطنة نتيجة لانخفاض أسعار النفط.
وبين الرئيسي أن العمل على تحسين التصنيف الإئتماني للسلطنة يشكل أحد أبرز المرتكزات المالية التي يجب على الحكومة معالجتها ورفعها إلى المستويات الآمنة والمستقرة وضمان عدم نزول تصنيف السلطنة إلى مستويات المخاطر العالية، التي باتت قريبة إذا لم تعمل الحكومة على إعادة رسم ملامح الاقتصاد الوطني وتعزيز الاستقرار في الموازنة العامة للدولة.
وأكد الرئيسي على أن فتح أبواب الاستثمار بشقيه الأجنبي والمحلي هو السبيل الأمثل في التنويع الاقتصادي ورفع مساهمة القطاعات غير النفطية في الموازنة العامة للدولة.
وأشار أن على الحكومة تسهيل جميع العقبات، وتسهيل الإجراءات اللازمة للاستثمار وعدم اللجوء إلى منافسة القطاع الخاص عبر إنشاء شركات حكومية جديدة تكلف الدولة أموالاً كبيرة ولا تحقق العائد المطلوب منها باستثناء بعض المجالات الاستراتيجية كالطاقة البديلة التي يتردد القطاع الخاص في الاستثمار بها مع أهمية أن يكون لدى الحكومة خطة التخارج من هذه الاستثمارات بعد مدة زمنية محددة.
وشدد الرئيسي على ضرورة تضافر الجهود بين المؤسسات الحكومية والخاصة للخروج من عنق الزجاجة، مؤكداً على أن الأداء الحكومي ينبغي أن يكون أكثر اتساقاً في الفترة الحالية بحيث تكون جميع الإجراءات الحكومية مدروسة بعناية وذات أثر جيد على الاقتصاد الوطني.
في حين يرى مدير مركز البحوث الإنسانية بجامعة السلطان قابوس د. ناصر بن راشد المعولي أن الدين العام ما زال في الحدود اللآمنة، مشيراً إلى أن التوجه للاستدانة كان ضرورة فرضتها الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية التي تعيشها المنطقة مع انخفاض أسعار النفط؛ وتعد الاستدانه المالية جزء من سياسات المالية الكثير من الدول وهي ظاهرة طبيعية لمواكبة التغيرات في الدورات الاقتصادية لاقتصاد الدول.
ووصف المعولي التوجه للاستدانة عبر المصادر المختلفة بـ «الخيار الآمن» في ظل الظروف الراهنة، مبيناً أن الاستدانة أصبحت جزءاً رئيساً للتمويل في المنظومة العالمية، وتلجأ إليها أكثر الدول ازدهاراً كالولايات المتحدة الأمريكية واليابان وغيرها من الدول الاقتصادية الكبيرة.
وأوضح المعولي أن الإدارة للدين العام في السلطنة جيدة وحصيفة؛ وخصصت وزارة المالية وحدة خاصة لإدارة الدين العام، ويتميز الدين العام بالدولة بالتنوع والتباين، تنويع من حيث النطاق الجغرافي للدائن بين المحليين والمصادر الخارجية، التي هي الأخرى اختلفت مؤسساتها والدول التي تنتمي بها، إضافة إلى تنوع أشكال الدين بين اقتراض مباشر وسندات صكوك وكذلك تواقيت السداد بين القصير والطويل الأمد، الذي يعكس حسن الإدارة لوزارة المالية التي عملة مؤخرا على إنشاء وحدة متخصصة لإدارة الدين العام.
وبيّن المعولي أن الحكومة تعمل في الجانب الآخر على إيجاد معالجات دائمة في الموازنة العامة للدولة عبر التوجه نحو دعم و تعزيز القطاع الخاص لقيادة قاطرة الاقتصاد والتوجه نحو اعتماد موازنة البرامج والأداء، وكذلك عبر زيادة مساهمة استثمارات القطاع الخاص في الاقتصاد والوطني وكذلك انتهاج مبدأ الشراكة بين القطاعين العام والخاص في بعض مشاريع التنويع الاقتصادي والذي سينعكس بدوره على الاقتصاد الوطني والمالية العامة للدولة.
من جانبه، أكد الخبير المالي لؤي بن بديع بطاينة أن الدين العام للسلطنة لا يشكل وحده مصدر قلق على الاقتصاد العُماني، خاصة إذا ما قابله ارتفاع الإيرادات الحكومية من المصادر النفطية وغير النفطية، وتنامت مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني وارتفاعها كقيمة في الناتج المحلي الإجمالي.
وأضاف بطاينة أن الدين العام للسلطنة يقدر في حدود 50% من الناتج المحلي الإجمالي، الذي يعد مرتفعاً نوعاً ما في ظل الظروف المالية التي تعاني منها السلطنة، مشيرا إلى أن الاقتراض كان خيارا طبيعيا في ظل العجوزات المتكررة في الموازنة.
وأوضح بطاينة أن على الحكومة الإسراع في وضع خطة لسداد الدين العام وتفادي زيادته وذلك من خلال قلب معادلة الموازنة العام للدولة بزيادة معدلات الإيرادات غير النفطية التي تأتي عادة من الاستثمارات الحكومية في القطاعات المختلفة والضرائب والرسوم التي تجنيها الحكومة إذا ما استطاعت أن توجد قطاعاً خاصاً متيناً واستثمارات أجنبية ومحلية في القطاعات الواعدة.
وأشار لؤي إلى أن الحكومة بدأت في انتهاج خطوات ملموسة لجذب الاستثمارات خاصة في قطاعات السياحة والتعدين واللوجستيات مشيرا إلى أن تسهيل الإجراءات سيضمن استمرار تدفق الاستثمارات في هذه القطاعات.
وبيّن لؤي أن الحوافز هي السلاح القوي الذي تملكه الحكومة إذا ما أرادت تصحيح المسارات الاقتصادية للسلطنة بجعل القطاع الخاص هو المحرك الأساسي للإنتاج وتشغيل القوى العاملة الوطنية مؤكداً على أن نمو القطاع الخاص يساهم بشكل مباشر في تحسن الإيرادات الحكومية.
وحذّر لؤي من وجود معالجات مجتزئة للاقتصاد الوطني والمالية العامة للدولة مشدداً على ضرورة تكامل الجهود وتسريع عملية الشراكة بين القطاعين العام والخاص لضمان تحسن الأوضاع الاقتصادية واستدامتها.