اتش تي جورانسون
إن رفض أبل فتح شفرة هاتف الأيفون المرتبط بالهجوم الإرهابي في سان بيرناردينو، كالفورنيا في ديسمبر قد أشعل معركة علنية مع وزارة العدل الإمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي – وهو نزاع سيكون له أثار بعيدة المدى على خصوصية البيانات على مستوى العالم ولكن القضية ليست بسيطة كما تبدو .
أنا أعتقد كشخص كان لو تواجد لفترة طويلة في دوائر الإستخبارات الأمريكية أن مكتب التحقيقات الفيدرالي قد تمكن بالفعل من الوصول لجهاز الايفون العائد لرضوان فاروق فهو نموذج أقدم لإبل ويستخدم تقنية قد تم بالفعل إختراقها في سياقات أخرى.
إن هناك جانب غريب آخر فيما يتعلق بطلب مكتب التحقيقات الفيدرالي من أبل : لماذا تريد الحكومة الأمريكية أن تنحدر إلى مستوى إجراء نقاش عام حول هذا الموضوع؟ إن مكتب التحقيقات الفيدرالي هو أقوى مؤسسة في البلاد في تطبيق الأمن وأبل سوف تجبر في نهاية المطاف على الإمتثال لطلبه ( أعلن بصراحة كاملة إنني إمتلك أسهم في شركة أبل).
لقد ذكر مكتب التحقيقات الفيدرالي إن الموضوع لا يتعلق بهاتف واحد فقط ولكن قلة هم الذين يدركون بإن هذه المسألة لا تتعلق ببساطة بمصالح متعارضة : السلامة العامة ضد حق الفرد بالخصوصية.
حتى نتوصل لفهم أفضل لمطلب مكتب التحقيقات الفيدرالي ، يتوجب علينا أن ننظر لخط الإنتاج الأخير لإبل والذي يختلف عن هاتف فاروق بشكل أساسي حيث أن الهواتف الجديدة تحتوي على رقاقة جديدة تم تصميمها بإستخدام تقنية تم تطويرها من قبل وكالة الأمن الوطني الأمريكي وبعد ذلك تم تقاسمها مع الإسرائيليين وهذا التقنية وجدت طريقها الآن لمنتجات أبل من خلال قسم تصميم الرقاقات الإسرائيلي التابع للشركة.
تتمتع كل رقاقة جديدة بتوقيع فريد يستخدم في التشفير مع بصمة إصبع المستخدم وبدون التوقيع فإن من المستحيل فك شفرة الآيفون بدون الدخول الفعلي للإقسام الداخلية للرقاقة والتي لا يمكن إختراقها بحد ذاتها. إن هذا التشفير ينطبق كذلك على أية معلومات يتم إرسالها عن طريق الهاتف لخدمة قرينة مثل نظام أبل للرسائل.
لم تكن حرية الوصول الفورية للإجهزة الهاتفية مهمة بالماضي بالنسبة لمكتب التحقيقات الفيدرالي وذلك نظرا لأن السلطات تتمتع بحرية الوصول غير المقيدة للإتصالات وهي تنتقل من وإلى الهاتف ولكن مع تحسيناتها الجديدة المتعلقة بالإمن فإن أبل تغلق هذا الباب الآن فالشركة لا تقوم ببساطة بعدم السماح بأي دخول جديد بل إنها سوف تقوم قريبا بإزالة القدرة الحالية على الدخول.
إن هذا الأمر يزعج مكتب التحقيقات الفيدرالية لأن وظيفته هي جمع الأدلة .إن من المثير للإهتمام إن وكالة الأمن القومي تبنت موقفا مختلفا فلقد إعترف مدير وكالة الأمن القومي الإدميرال مايك روجرز بإن الأبواب الخلفية خطيرة وقال "إن التشفير يؤسس للمستقبل". عندما تكون حرية الوصول للإتصالات الخاصة متاحة فإن أي شخص يمكن أن يستخدمها لأي غرض.
إن هذا يعقد طرح مكتب التحقيقات الفيدرالي المتعلق بالسلامة العامة فعلى سبيل المثال هل نريد فعلا أن تكون مجموعة إرهابية قادرة على الوصول للمعلومات الخاصة لرئيس أو رئيس وزراء ؟ لو كان للهاتف باب خلفي فإن من الممكن فتحه من قبل أي شخص لديه الدافع الكافي- المجرمون والإرهابيون والحكومات- على حد سواء .
سوف تكون السلطات الصينية على سبيل المثال سعيدة لو إمتثلت أبل لطلب مكتب التحقيقات الفيدرالي فهي تطالب أبل منذ سنوات بإيجاد باب خلفي .إن موقف أبل الحالي يمكن أن يتسبب لها بالمعاناة في السوق الصيني الضخم – أو أن تربح بشكل كبير لو إمتثلت للطلب .
إن طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي يمثل محاولة جديدة للتحكم فهي منظمة عادة ما تكون طلباتها مختومة لتحافظ على سريتها ولكن في هذه القضية إتخذ مكتب التحقيقات الفيدرالية الخطوة غير الإعتيادية بجعل طلبه علني وذلك من أجل دفع القضية للصحافة من خلال ضغط الزر الساخن " الإرهاب". يبدو أن نية مكتب التحقيقات الفيدرالي كانت تتجه لدفع النواب للإستجابة للغضب العام.
إن معظم الأراء القانونية ضد " فتح " هذا الهاتف على وجه الخصوص تستشهد بحق حرية الرأي الذي يتمتع بحماية الدستور ولكن المثال الموازي الأفضل هو الحق بملكية الإسلحة في الولايات المتحدة الأمريكية والأحكام الدستورية التي تدعم ذلك .
لقد كان يتم تطوير التقنية في الولايات المتحدة الأمريكية في الماضي بشكل أساسي في السياق العسكري بحيث يتم تبريرها من أجل خدمة الحرب بالإضافة إلى المحافظة على النظام العام وفي نهاية القرن الثامن عشر كان السلاح الناري يعتبر ذروة تلك التقنية ولم تصل إي تقنية أخرى لمستواها وعليه حدد الدستور الأمريكي أنه يمنع إستخدام السلاح الناري في الحد من حرية الرأي (التعديل الأول) أو أن يتم حرمان المواطنين من إستخدامه (التعديل الثاني) وأن لا يتم وضع حاملي الإسلحة النارية من الحكومة في بيوت المواطنين (التعديل الثالث). إن التعديلين التاسع والعاشر يحرمان إستخدام الإسلحة النارية في إضعاف حقوق ضمنية أخرى عندما تصبح واضحة.
إن معظم التقنيات القوية اليوم تتعلق بالمعلومات الخاصة بإفكارنا وإرتباطاتنا وإجسامنا . لو كان واضعو الدستور الأمريكي على قيد الحياة اليوم وعلى نفس الدرجة من التعليم التي كانوا عليها في ذلك الزمان فإن وثيقة الحقوق سوف تركز على الأرجح على أن يكون هناك توازن في عملية الوصول للمعلومات للتحقق من أن الحكومة ما تزال تعمل ضمن الحدود.
مع وجود هذا الطلب العام من مكتب التحقيقات الفيدرالي فإن هناك تشكيك بالتوازن بين الناس وحفظ النظام وبينما يستمر النقاش فإننا بحاجة للنظر فيما إذا كان من المنطق قانونا أو على سبيل السياسة بإن يتمكن كل شخص- المسؤولون عن تنفيذ القانون والقراصنة والإرهابيون- من الحصول على المعلومة .
سوف تؤثر قضية أبل على التوازن في قوة المعلومات حيث ترجح الموازين حاليا ضد المواطن. إن حل القضية يتطلب ردا أكثر دقة من السياسيين الإمريكيين عوضا عن التغريدات الهستيرية ونظرا للقوة العصرية للمعلومات ، يجب على هولاء السياسيين أن يفكروا بعناية بالتداعيات القانونية لطلب مكتب التحقيقات الفيدرالي.
أحد كبار العلماء في وكالة المشاريع البحثية الدفاعية المتقدمة في الولايات المتحدة الإمريكية
وهو يعمل حاليا في بناء الجيل القادم من نظام أ أي .