هل نعرف متطلبات سوق العمل؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٢/أبريل/٢٠١٨ ٠٣:٥٣ ص
هل نعرف متطلبات سوق العمل؟

سمعان كرم

ترد عبارة مواءمة مخرجات التعليم والتدريب مع متطلبات سوق العمل في كل حديث عن تأهيل وتوظيف القوى العاملة الوطنية. نشعر وكأن تلك المتطلبات مجهولة وتحتاج الى استبيانات ودراسات واسعة النطاق للتعرف عليها. متطلبات سوق العمل تنقسم الى قسمين: حالية ومستقبلية.

المتطلبات الحالية معروفة وواضحة، إن كان في أعداد الوظائف أو في اختصاصاتها. ما علينا سوى أن نحلل الوضع القائم لسوق العمل في القطاع الخاص. إن هذا القطاع يوظف حالياً مليوني عاملاً تقريباً، أي أنه أوجد خلال النهضة المباركة هذا العدد الهائل من الوظائف المختلفة، هذا العدد الذي يقارب عدد المواطنين صغاراً وكباراً. إذاً ما علينا سوى أن نتطلع على سجلات وزارة القوى العاملة والهجرة لنعرف عدد المهندسين وسائقي المعدات، والبنائين والنجارين والمحاسبين والأطباء والفنيين والمزارعين. هذه هي الإعداد التي يتطلبها القطاع الخاص اليوم من المهن المختلفة. والمهارات المطلوبة هي نفس مهارات المليوني موظفاً وإن لم يكن كذلك لكان القطاع الخاص قد صرفهم من الخدمة. لو اقرينا هذه الحقيقة وهذا الواقع، لتعاملنا مع مسألة توظيف القوى العاملة الوطنية بطريقة بديهية ومنطقية. بدلاً من أن نبحث على إيجاد وتوفير فرص عمل جديدة حالياً نركز على الاستفادة من المليوني وظيفة، أي على الإحلال. فجأة تصبح مسألة توظيف خمسة وعشرين ألفاً أو حتى خمسين ألفاً ومائة ألف مسألة ممكنة وسهلة. لكن الإحلال لن يتم بالفرض على القطاع الخاص، وقد أثبتت التجارب عدم نجاحها، بل بالحوار والشراكة الفعلية. لنأخذ مثلاً مهنة ضابط السلامة على مواقع العمل. وهي مهنة لائقة يقبلها الشباب العماني. فقد نصت القرارات الوزارية على أنه يجب تعيين ضابط سلامة واحدٍ لكل خمسين عاملاً. أي لو طبقنا القانون على المليوني وظيفة، ولا عذر لعدم تطبيقه، نستنتج أن هناك مجالاً للإحلال والتدريب يتمثل بأربعين ألف وظيفة من الناحية النظرية أو أقل من هذا الرقم عملياً. ولو أخذنا من شرطة عمان السلطانية عدد المعدات التي تعمل حالياً في الإنشاءات واللوجستيات، نرى أن هذا العدد قد يصل إلى خمسين ألف معدة أي أن هناك اليوم أكثر من خمسين ألف وظيفة في القطاع الخاص في هذا المجال. ولا يمكن استثمارها أو استغلالها لمصلحة القوى العاملة الوطنية دون أن تكون هناك مراكز تدريب مجهزة بالمعدات والمدربين لتوفير المشغلين المؤهلين. بهذا الصدد، وتماشياً مع توصيات المخيمات السلطانية قام القطاع الخاص بدعم من وزارة القوى العاملة بإنشاء وتشغيل مركزين للتدريب المتخصص، وذلك في العاصمة مسقط. عملاً لفترة وتوقفا عند توقف الحوار بين القطاعين.

والتدريب وحده لا يكفي بل يجب أيضاً تسويق المهنة بإعطائها تعريفاً لائقاً مقبولاً لدى مجتمعنا، ومعاشاً كافياً للبدء في بناء أسرة وقانون عملٍ يحمي حقوق الموظف من جهة وحقوق المؤسسة أو الشركة، من ناحية السهر على المعدة وعدم الإفراط بها تحت طائلة العقوبة وضمان الإنتاجية المفترضة والالتزام بالدوام وأوقات العمل. الفكرة هي إذاً التركيز على الوظائف القائمة وليس على توفير فرص عملٍ جديدةٍ مرتبطة بالنمو الاقتصادي على الأقل في المرحلة الأولى. وفي غياب الاطلاع على الواقع الحالي تقع الأخطاء وتتسع الفجوات. فلو دربنا وخرجنا اليوم ألفي محاسب ولا يوجد في القطاع الخاص حالياً سوى ألف وظيفة تزيد حدة معضلة الباحثين عن عمل. وقد تكون اللجان المشتركة للتعمين، إن فعلت وأعطيت الصلاحيات، قد تكون قادرة على تنظيم عملية التعليم والتدريب من أجل الإحلال المركز وليس من أجل التوظيف بشكل عام.
أما متطلبات السوق في المرحلة المستقبلية القريبة المدى، يجب استنتاجها من سياسات وبرامج وخطط الحكومة ورؤيتها للاقتصاد. في أول دفعة من مختبرات برنامج «تنفيذ» للتنويع الاقتصادي مثلاً، تم تركيز على ثلاث قطاعات إنتاجية هي السياحة والصناعة واللوجستيات، تدعمهم ورشتي التمويل وسوق العمل. احتسبت مختبرات الإنتاج متطلبات المبادرات من القوى العاملة. ذكرت أرقاماً ولم تذكر يومها بالتفصيل توصيف الوظائف والإعداد المطلوبة من كل مهنة. وانطلق البرنامج منذ اكثر من سنة وقامت بعض المشاريع في القطاعات الثلاث مثل مشاريع الأمن الغذائي، وبعض الصناعات والفنادق ولاندري إن كان هناك تنسيق قائم بين الجامعات والكليات والمعاهد والمراكز والوزارات المعنية ووحدة متابعة ودعم «تنفيذ» لتوفير مخرجات تحتاجها تلك المبادرات والمشاريع. وعلى المدى البعيد، ترسم الآن معالم الرؤية 2040، آخذة بعين الاعتبار الثورة الصناعية الرابعة وماسينتج عنها من متغيرات نتيجة التقدم التكنولوجي الفائق السرعة.
التحديات كثيرة لكن الفرص أكثر والحمد لله. وعلينا أن نتذكر دوماً أن الاقتصاد يُوجِد الوظائف والتوظيف لا يُوجِد الاقتصاد.