متحف يحاكي تاريخ العطور منذ الفراعنة حتى اليوم

مزاج الاثنين ٠٧/مارس/٢٠١٦ ٢٣:٣٥ م
متحف يحاكي تاريخ العطور منذ الفراعنة حتى اليوم

باريس - هدى الزين

افتتحت دار فارغونار العريقة المعروفة بصناعة للعطور منذ بدايات القرن العشرين متحفها السادس المكرّس لتاريخ العطر وذلك قرب دار الاوبرا في باريس.
هذا المتحف يحمل اسم العلامة التجارية المعروفة للأسرة التي قدمت فخر التراث والتقاليد في صناعة العطور الباريسية، وافتتحت اليوم سادس متحف لعشاق العطور حيث يوجد منهم اثنين اخرين في باريس وثلاثة في مدينة غراس المشهورة بصناعة العطور حيث يتيح للزائر جولة في تاريخ صناعة العطر واستخدامه منذ العصور المصرية القديمة وصولاً إلى يومنا الحاضر.
ويظهر هذا المتحف من خلال مجموعاته المعروضة مغامرة هذه العائلة، التي تجمع بشغف منذ القرن التاسع عشر وحتى الآن بين قطع فنية وعطور تمزج بين التقاليد والحداثة، وبين الأناقة والقوة حكاية المتحف مبنى المتحف الذي يقع قرب اوبرا غارنييه الباريسي يعود الى القرن التاسع عشر كان بالاصل مسرحا يطلق عليه مسرح ومركز عدن للترفيه في باريس الذي انشأ عام 1880 ا وتم اقفاله بعد سنوات لانه لم ينجح في استقطاب جمهوره خاصة بعد بناء الاوبرا غارنييه العريق.
وفي زيارتي لمتحف دار العطور الشهير "فراغونار" الذي يكشف لزواره اسرار العطور منذ أن تبصر النور وهي مجرد زهور ومواد حتى تعبئتها بقوارير لتكون جاهزة للتداول.
خطواتي الاولى من بوابة المتحف حملتني الى عبق روائح عطرية تملا فضاء المكان وبنكهات لا تحصى الورد والياسمين واللافاندر والعنبر تثير فينا احساس روحيا رائعا في التحليق بمملكة السحر او الغوص في اسرار باريس التي تسمى عاصمة الجمال والعطور، وتفاجئنا بجديدها ومفاجئاتها مع مطلع كل نهار.
اتنقل في ارجاء المتحف مع تلاميذ مدارس وسياح اجانب وزوار فضوليين، تدلني حاسة الشم وحب اكتشاف ناس الزمن البعيد الذين كانوا يتعطرون مثلنا، منذ ان تعطرت كليوباترا لانطونيو في زمنها الفرعوني مرورا بعصر الرومان وسلسلة الملوك الفرنسيين المتعاقبين حتى الثورة الفرنسية ملوك لم يعرفوا الحمامات في قصورهم ولم تلامس اجسادهم ماء الاستحمام ولا الصابون، فاغرقوا اجسادهم وشعورهم المستعارة بالعطور، مرورا باهل روما ونيرون في عندما اغرق بلده بالبخور والعطور يوم زواجه امتدادا بالزومان حتى مطلع القرن العشرين.
حين انشا اوجين فوكس مؤسس دار فراغونارد اهم مؤسسات العطور في فرنسا واسس اولاده ستة متاحف للعطور بين باريس وغراس ابدا الجولة في المتحف الذي يحمل في ديكوره طابع المسرح وكانه لم يفارق مهده الاول مسرح عدن القديم.
يلفت النظر في البناء الداخلي الذي يتجلى بشكل اعمدة شبيهة باعمدة برج ايفل الذي يظهر البراعة في تقنية القرن الفائت والتي تعطي شخصية خاصة للمكان.
اتعرف في جولتي على ارضية وسطية بين الطابق الاول والثاني تضم احد الآت التقطير القديمة التي كانت تستخدم في صناعة العطور على مر الازمان والتي توسطت الصالة وهي على شكل وعاء كبير على شكل قدر دائري وهو من الآت صنع العطور بالقرن التاسع عشر حيث يستخدم كخلاط للازهار، وهو لازال يحتفظ حتى اليوم بعبق رائحة كبش القرنفل.
وفي احدى الصالات اتعرف على تقنية صناعة العطور التي سادت في القرون الماضية في استخدام دهن البقر لامتصاص رائحة لزهور التي لاتتحمل الحرارة وتشرح لنا المسؤولة عن الجناح قائلة: بانها تقنية استخدمت من عصر الفراعنة وسميت الطريقة المصرية واستخدمت فيما بعد في القرن التاسع عشر لصناعة العطور، حيث تمد الدهون على شرائح زجاجية ثم يوضع عليها الزهور حيث تبدل الزهور كل يوم حتى يتشبع الدهن برائحة الزهور ثم يوضع الدهن المشبع داخل خلاط مع الكحول حيث تفصل المادة الدهنية عن المادة العطرية المركبة.
كما ان هناك تقنيات اخرى لتقطير الزهور عرضت في المتحف عبر ادوات حديثة وقديمة وتتربع على الرفوف قوارير لروائح عطرية مركزة تحمل اسم الشركات التي صنعتها وهي اكثر من ثلاثة الاف نوع من الروائح العطرية تساعد العطارين ومصممي العطور على ابتكار عطورهم.
وتشرح كاترين سيرة العطور فترة عصر الفراعنة حيث كانت مصر القديمة من اقدم واهم صانعي العطور الاوائل، حيث كان يستخرج من عرق الالهة ولذلك كان العطر بالنسبة اليهم مقدسا يرقى الى مستوى الالهة وكان التحنيط يالنسبة لهم لرفع الميت الى مستوى الالهة عبر لف جسده بالنباتات المعطرة والبهارات.
وقد اهتم المصريون بالعطور ودفعهم الى ايجاد تركيبات معقدة جدا وقد تحتوي التركيبة الواحدة منها على مئة وعشرين رائحة وفق ما وصلوا اليها من بعض الحفريات الاساسية.
فالمصريات اللواتي انتمين الى الطبقة الارستقراطية كانوا يضعون العطور على اجسادهم ويعطرن شعرهن المستعار.
ومع الجولة داخل قسم تاريخ العطور هناك شاشات تعرض اشرطة الفيديو لشرح تفاصيل المكان والاجهزة وقوارير العطور والحقبة التاريخية التي يتحدثون عنها.
عرفت روما العطور خلال مآدب الطعام الكبرى حيث توضع صناديق خشبية معلقة في السقف لتضفي رائحة الزهور على المدعويين ويقال ان خلال زواج الامبراطور نيرون تم احراق مايعادل سنة ونصف من البخور كما اعتبر الرومان ان للعطر فوائد علاجية حيث اشتهروا بحمامات المياه المعدنية حيث كانوا يمارسون التدليك بالزيوت العطرية، وفي الفترة المسيحية منع استخدام المياه واستبدلوها بالعطور وفي فرنسا تحول العطر الى مصدر رفاهية في القرن الرابع عشر وكانت تستهلك فيه العطور يكميات كبيرة كانوا يعطرون كل شيء من الشعر المستعار ىالى الملابس مرورا بالستائر.
وتطور العطر مع مرور السنوات واصبح مادة للابداع والابتكار من الفنانين الذين ابتكروا زحاجات العطور وعلب تغليفها التي اصبحت تتنافس بجمالها وابداعها الفني.
توزعت صور العائلة التي انشات هذا المتحف لتحكي تاريخ هذه العائلة وعلاقتها بالعطور على مدى زمن طويل.
اوجين فوكس مؤسس دار فراغونار لم يكن يوما يفكر بصناعة العطور بل كان كاتب عدل في البداية، ولم تكن له اية علاقة بالعطور، ولكنه كان يعاني مشاكل تنفسية صعبة فاضطر ان يستقر في مدينة غراس مدينة الزهور والورود وهي اكبر مركز لصناعة العطور، بهدف استرداد عافيته فاكتشف الزهور والعطور في هذه المدينة وقرر إنشاء شركته الخاصة على مفهوم جديد تماما للمبيعات المعطرة مباشرة للسياح الذين بدأوا باكتشاف سحر الريفيرا الفرنسية الجميلة وهكذا في عام 1926، ولد العطر الشهير فراغونارد تيمنا باسم الرسام الشهير الأصلي جراس جان هونوري فراغونارد (1732-1806) الذي ولد وعاش في مدينة غراس انجب اوجين فوكس اربعة اطفال منها انييس التي تتراس المؤسسة اليوم والتي تزوجت جان فرانسوا كوستا وهما يديران الشركة والمتحف وفرانسوا من الذين ادخلوا للشركة التحديث وطوروا الدار خصوصا وانه عاشق للفن، حيث انشات انييس مع زوجها ستة متاحف للعطور ثلاثة في باريس وثلاثة متاحف في مدينة غراس في الجنوب الفرنسي جمعت مقتنيات جمعتها الاسرة عبر الزمن من قطع وادوات تعود الى قرون عديدة وتحكي تاريخ العطور من الماضي حتى اليوم وخلدت تاريخ العائلة الى الابد.
.