فنون التعامل البرلماني

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠١/أبريل/٢٠١٨ ٠٢:١١ ص
فنون التعامل البرلماني

علي بن راشد المطاعني
التجارب البرلمانية في الدول النامية تبدأ في العادة بدايات متواضعة، ثم تتطور مع مرور الأيام والسنين مستلهمة الواقع الحياتي والاقتصادي والاجتماعي للبلد المعني، وفي ذات الوقت يتم استدعاء تجارب الدول الأخرى لاسيما العريقة منها في هذا المضمار.

بداية في البرلمانات العريقة يوجد ما يسمى بـ(لجان القيم)، هذه اللجان مناط بها ضبط إيقاع الأداء العام في حالة وجود مخالفة قانونية في اللوائح الداخلية أو النظام العام الذي يرتهن إليه المجلس، عضوية هذه اللجان في العادة من القانونيين المتمرسين والمشهود لهم بالكفاءة والاقتدار، وتوجيهاتهم القانونية توضع فورا موضع التنفيذ.
في مجلس العموم البريطاني على سبيل المثال توجد دائرة تعنى بتطوير الأعضاء، وتعمد لتوضيح النظم والقوانين التي يعمل المجلس تحت بنودها، كما تقوم الدائرة بشرح وتبسيط القوانين السارية بالبلد، إضافة لنقطة مهمة للغاية وهي كيفية التعامل مع الإعلام من كافة النواحي، وكيفية طرح الأسئلة التي ربما يعتقد البعض إنها تأتي أو تصاغ خبط عشواء، فهناك طرق علمية يتم من خلالها طرح وصياغة السؤال بحيث يبدو متكاملا ومتماسكا بعيدا عن أي صيغة تنتقص من قدر الآخرين، كل تلك القواعد يتم تعلمها من خلال قاعة محاكاة أعدت خصيصا لتعليم الأعضاء هذه القواعد البرلمانية المهمة، وبعدها يصبح العضو مؤهلا لطرح الأسئلة ومؤهلا لتلقي الإجابات بدون إنفعال أو غضب يخرج به عن جادة الصواب.
كما توجد دورات للأعضاء في فنون (الإتيكيت) كما يسمى وهو أدب التعامل مع الآخرين، بحيث يغدو العضو لطيفا بشوشا بعد أن يتعلم كيفية تهذيب كلماته وقص الزوائد الحادة والجارحة منها، وبذلك يجد القبول الحسن من الطرف الآخر، وفي نهاية المطاف ينصب كل ذلك خيرا على مسيرة المجلس بعيدا عن الصراخ والتشنج والإشتباكات بالأيدي وبالكراسي كما نشاهد في الكثير من برلمانات العالم الثالث للأسف.
ولأن تجربتنا البرلمانية لا تزال في بداياتها، فإنه لا يمكن توجيه اللوم للعضو الجديد، الذي لم يتم إطلاعه على أسس التعامل البرلماني، والذي أتى من بيئة تختلف عما وجد نفسه بغتة في خضمه، فهو ببساطة لا يعلم، وبما أنه كذلك فلا بد لنا من أن نجعله يعلم في أسرع وقت ممكن حرصا منا على سلامة نهجنا البرلماني.
نحن نقر أن الاختلاف في الرأي هي جزء أصيل من عمل أي برلمان على وجه الأرض، وبذلك فإن لجوء العضو لوسائل التواصل الاجتماعي لإبراز وجهة نظرة هو أمر لا ينبغي أن يحدث على الإطلاق، ذلك إن حدث وأصبح معتادا فيصعب حينئذ حصر القضايا داخل أروقة المجلس ومعالجتها لوجود جزء كبير منها يتم حله عبر وسائل التواصل!
نأمل أن نعمل جاهدين من أجل أعادة صياغة تجربتنا الديمقراطية مستفيدين من الأخطاء التي حدثت كأمر طبيعي أملا في أن نرى ذات يوم تجربة ديمقراطية وطنية يشار إليها بأنها الأفضل إقليميا على الأقل.