متحف بارد ووزارة غائبة

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٩/مارس/٢٠١٨ ٠٣:٤٦ ص
متحف بارد ووزارة غائبة

عزيزة راشد
عمان بلد التاريخ، فمنذ أربعة آلاف سنة قبل الميلاد والحضارات تعبر الأرض العمانية، راحلة ومقيمة ومستثمرة ومالكة وحاكمة وغازية وعابرة، تعدد المرور وبقي الأثر.
في أرض عمان ملايين القطع الأثرية والتراثية جعلت العمانيين يرتبطون بالأرض والولاء للوطن، ويحتفظون بكل هذه المقتنيات لأنها تشكل تاريخ بلد، وقصص حضارات، ومعالم شعوب، وكفاح بقاء، ورمز تطور.
تستنهض الهمة العمانية في نفوس الشباب العماني الطموح الذي يعشق بلاده ويصون تاريخها وتراثها، ويترجم الإحساس الوطني عبر إنشاء العديد من المتاحف الخاصة، التي تحتوي على القطع الأثرية والمقتنيات التراثية، لتشكل تلك القطع تاريخ مرحلة من المراحل الزمنية التي مرت على عمان، وقصصاً لعمانيين ضحوا بحياتهم وجهدهم من أجل أن تبقى عمان عزيزة في المقام والرفعة والسمو والعز.
تلك الغرف الباردة التي يطلق عليها مسمى المتحف، تعاني من صعوبات عديدة تعلم عنها وزارة التراث والثقافة دون أن تساهم في دعوة مالكيها إلى لقاء مباشر معهم في كلمة سواء بينها وبينهم، لتطلع على الصعوبات والعراقيل وكيفية حفظ هذه الأثريات، فلم أسمع في يوم من الأيام تنظيم ملتقى أو ندوة أو حتى اجتماع مع أصحاب وملاك المتاحف الخاصة.
تلك الغرف الباردة تفتقر إلى أدنى مستويات حفظ التراث من حيث الأجهزة الحديثة أو حتى الترميم أو الاهتمام بها، وتثقل وزارة التراث والثقافة كاهل ملاك تلك المتاحف الخاصة برسوم سنوية، ملزمة إياهم بدفع فواتير الكهرباء والماء وغيرها من وسائل حفظ التراث، وتكمل وزارة البلديات الإقليمية عملية الخنق المالي بفرضها هي الأخرى رسوماً على المتاحف الخاصة، وكأنه عقاب جماعي من الحكومة لهذه المتاحف الخاصة لأنها حفظت تراث البلاد.
ومن غرائب القوانين أن تأتي المادة السادسة من اللائحة التنظيمية للمتاحف الخاصة وبيوت التراث الصادرة بوزارة التراث والثقافة كمادة خانقة لملاك المتاحف الخاصة، وذلك بعدم السماح لهم بفرض رسوم دخول لهذه المتاحف ما كان سيساهم في دفع مصاريف المتحف بحيث يحقق المتحف اكتفاء مالياً ذاتياً يغنيه عن أموال الوزارة، ومنع أصحاب تلك المتاحف من المشاركة في الملتقيات التراثية داخل وخارج السلطنة وكأن التعريف بتراث عمان ليس من حق المواطن العماني صانع ذلك التاريخ نفسه، وتمنع وزارة التراث والثقافة كذلك نقل المتحف أو إجراء أي تعديلات عليه وكأنها تصدر شهادة وفاة استباقية لهذه المتاحف، أما الاستثمار السياحي ودعوة الجمهور والسياح لزيارة هذه المتاحف ونقل صورة للعالم عن تراث عمان فهذا يعد من الممنوعات أيضاً، فلماذا تضع وزارة التراث والثقافة هذه القوانين القاتلة والخانقة لهذه المتاحف؟
إن التراث المادي ينقسم إلى نوعين: القطع الأثرية والمقتنيات التراثية، فالمقتنيات التراثية تأتي عن طريق الميراث أو الشراء أو الإهداء، إما القطع الأثرية فهي القطع التي تم الحصول عليها من مواقع الآثار، وكل هذه الأنواع موجودة في المتاحف الخاصة، وعلى وزارة التراث والثقافة أن تعتني بهذه القطع الثمينة لأنها تمثل تاريخ عمان، حرسها الله الواحد الصمد، وليست ملكاً لأحد.
إن ملاك المتاحف الخاصة يحتاجون إلى المزيد من الدورات التثقيفية في مجال الآثار وكيفية الحفاظ عليها، وعلى الوزارة عمل زيارات دورية لهذه المتاحف والاطلاع على أهم ما تعانيه، وأقترح أن يضم مبنى مطار مسقط الدولي الجديد ركناً لهذه المتاحف لعرض مقتنياتها أمام الملايين الذين سيزورون المطار.
تراث عمان أمانة والمسؤولية مشتركة، وأي تفريط فيه من قبل المواطنين ببيعه أو إهدائه لجهات خارجية يعد جريمة في حق البلد، وعلى الوزارة أن تسن القوانين الرادعة التي تمنع خروج أي قطعة آثار من منافذ عمان الحدودية، حفظ الله عمان وتراثها.