أوروبا ونزعة الحماية الأمريكية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٩/مارس/٢٠١٨ ٠٢:٣٧ ص

هانز فيرنر سِن

من الواضح أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بدأ يفي بوعوده بشأن وضع «أمريكا أولا» من خلال تدابير الحماية التجارية. فكيف ينبغي لأوروبا أن تستجيب؟

أعفى ترامب أوروبا مؤقتا من رسوم الاستيراد التي فرضها مؤخرا على الصلب والألمنيوم. لكن سيفه المسلَّط على الرقاب -التعريفات المرتفعة على الواردات- يظل يهدّد أوروبا. الواقع أنه تعهّد بالفعل بفرض تعريفات على السيارات الأوروبية -مستهدفا بشكل خاص شركة بي إم دبليو وشركة مرسيدس- لمساعدة منتجي السيارات في الولايات المتحدة، حتى برغم أن هذا سيُلحق الأذى أيضا بالمستهلكين الأمريكيين. والمستهلكون، كما هي حالهم دوما، أقل قوة من المنتجين سياسيا؛ لأن نصيب الفرد في خسائرهم أقل من نصيب الفرد في مكاسب المنتجين، وهم يواجهون عددا أكبر من الحواجز التي تحول دون تمكين العمل الجماعي.

كانت المفوضية الأوروبية تدرس فرض تعريفات انتقامية على مجموعة متنوّعة من الواردات من الولايات المتحدة -التي تتراوح من الدرّاجات النارية هارلي ديفيدسون إلى منتجات غذائية مثل عصير البرتقال وزبدة الفول السوداني- على أمل أن يفرض المنتجون الأمريكيون المتضررون الضغوط على إدارة ترامب. ومن الواضح أن هذا نجح في الوقت الحالي، لكنها استراتيجية خاطئة في نهاية المطاف.
الحقيقة هي أن فرض تعريفات انتقامية تصرُّف بالغ الخطورة؛ لأن هذا يهدّد باستفزاز حرب تجارية أوسع نطاقا. وعلى النقيض من مزاعم ترامب غير المدروسة فإن الحروب التجارية ليست مفيدة لأحد؛ فهي تقوّض تقسيم العمل. والفوز بالنصر فيها ليس سهلا. بل على العكس تماما: من المستحيل الفوز بالحروب التجارية، مثلها في ذلك كمثل الحروب التقليدية.
إلى جانب هذا الخطر العام المتمثل في الحرب التجارية، هناك من الأسباب ما يجعل المفوضية الأوروبية، بشكل خاص، تجد أن التعريفات الانتقامية تأتي بنتائج عكسية. فبادئ ذي بدء، ربما تُثير الشكوك في أن يكون الحافز الذي يدفع المفوضية ولو جزئيا هو الرغبة في جني المزيد من عائدات الجمارك لنفسها، على سبيل التحوّط ضد أزمة مالية تترتب على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ورغم أن مثل هذه العائدات ستؤخذ بعين الاعتبار في مفاوضات الموازنة المقبلة مع دول الاتحاد الأوروبي، فإن التساؤلات حول دوافع المفوضية هي آخر ما تحتاج إليه.
في كل الأحوال، ينبغي للمرء أن يمتنع عن إلقاء الحجارة عندما يكون بيته من زجاج. ومن الواضح أن بيت الاتحاد الأوروبي هش: فهو بالفعل يفرض الضرائب على الواردات من السيارات القادمة من الولايات المتحدة بنسبة 10%، مقارنة بتعريفات بنسبة 2.5% تفرضها الولايات المتحدة على السيارات المستوردة من الاتحاد الأوروبي. ورغم أن هذا الفارق ناشئ عن حصول الولايات المتحدة على سبل حماية أكبر للملكية الفكرية من خلال ما يسمّى اتفاق تريبس، تظل الحقيقة الثابتة هي أن التعريفات تقوّض مصالح المستهلك، وهي بالتالي غير مبررة.
كما يحصِّل الاتحاد الأوروبي ضريبة مبيعات على الواردات تعادل ضريبة القيمة المضافة لأسباب جهازية. ويحصِّل أيضا رسوم استيراد مرتفعة على المنتجات الزراعية. منذ البداية، تشكّلت الجماعة الاقتصادية الأوروبية على أساس تسوية سيئة بين ألمانيا وفرنسا: حيث يستطيع المزارعون الفرنسيون فرض أسعار باهظة، وتستطيع ألمانيا بيع سلعها الصناعية لفرنسا.
ويظل نظام الحماية الزراعية الذي أنتجته هذه التسوية قائما إلى يومنا هذا، ويتجسّد في رسوم استيراد بنسبة 69% على لحوم الأبقار و26% على لحم الخنزير. وبسبب هذه التعريفات الجمركية المرتفعة، نجد أن الأسعار الزراعية الأوروبية أعلى بنحو 20% في المتوسط من مستويات السوق العالمية. ويشكّل هذا عبئا يُرهق المستهلكين في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، وخاصة الفقراء الذين يضطرون إلى إنفاق حصة كبيرة من دخلهم على الغذاء.
كما تضرّ تدابير الحماية الزراعية في أوروبا الدول النامية، التي لا تستطيع بيع منتجاتها الزراعية -وهي في كثير من الحالات السلع الوحيدة التي يمكنها تصديرها- في الأسواق الأوروبية. ووفقا لدراسة أقدم أجراها الاقتصادي الكندي جون والي فإن مساوئ تدابير الحماية الزراعية التي تتحمّلها الدول النامية تفوق الفوائد التي تعود عليها من مساعدات التنمية.
كما يخسر المزارعون الأمريكيون؛ لأنهم محرومون من القدرة على الوصول إلى السوق الأوروبية الضخمة. وعلى هذا فإن ترامب لم يكن مخطئا في هذا الصدد عندما انتقد تدابير الحماية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي. فأوروبا تمنع الوصول إلى فئة من السلع -تشكّل أهمية بالغة لتمكين البشر من البقاء- يمكن استيرادها بأسعار أرخص كثيرا من تلك التي يمكن إنتاجها بها في الداخل.
يتعيّن على الاتحاد الأوروبي أن يضمن كونه معقلا حقيقيا للتجارة الحرة، حتى وإن تحرّكت أمريكا نحو العمل كمعقل لسياسات الحماية. وهذا يعني أنه لا ينبغي له أبدا أن يضحّي بمصالح مواطنيه في سبيل رعاية مصالح جماعات الضغط الزراعية الفرنسية أو احتياجات تمويل المفوضية. ولا ينبغي له بكل تأكيد أن ينخرط في نزاع عبر الأطلسي.
بل ينبغي للمفوضية الأوروبية بدلا من ذلك أن تلاحق استراتيجية التهدئة، فتعرض تخفيض الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية واستئناف المفاوضات حول شراكة التجارة والاستثمار عبر الأطلسي. فهذا من شأنه أن يمكّن ترامب من إعلان النصر في أمريكا، في حين يعمل على رفع مستوى المعيشة في أوروبا من خلال تحرير المستهلكين الأوروبيين من نير تدابير الحماية الزراعية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي.

أستاذ علوم الاقتصاد في جامعة ميونيخ الألمانية.