ثورة ترامب التجارية

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٩/مارس/٢٠١٨ ٠٢:٣٦ ص
ثورة ترامب التجارية

يوشكا فيشر

أصبح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاداً في ترجمة ازدرائه النظام الدولي إلى سياسات ملموسة. وقد يؤدي قراره بفرض رسوم جمركية عقابية على واردات الولايات المتحدة من المنتجات الصينية بقيمة 50 بليون دولار إلى تعطيل التجارة العالمية بشكل كبير. ورغم أنه اتخذ قرارا في اللحظة الأخيرة بإعفاء الاتحاد الأوروبي من هذه الرسوم، فإن أوروبا ستعاني الأمرين.

من الواضح أن نهج ترامب «أمريكا أولا» لن يترك النظام الدولي القائم على القواعد سالما. فقد طوّرت الولايات المتحدة نظام ما بعد الحرب، كما عملت على تنفيذ قوانينها لعقود. ولكن لم تعُد هذه هي القضية. في الواقع، إن تصرفات ترامب الأخيرة لا تتعلّق بالتجارة فحسب، بل بابتعاد أمريكا عن السلام الدولي تحت إشرافها (باكس أمريكانا).

يرتبط عدد قليل من البلدان مثل ألمانيا بشكل أكبر بنظام ما بعد الحرب، التي تدين بصعودها الاقتصادي بعد العام 1945 إلى النظام التجاري القائم على القواعد. مثل اليابان، يعتمد اقتصاد ألمانيا على الصادرات بشكل كبير، مما يعني أنها معرَّضة بشدة للحواجز التجارية والتعريفات العقابية التي يفرضها الشركاء التجاريون الرئيسيون.
علاوة على ذلك، تتحدى سياسات ترامب الحمائية النموذج الاقتصادي الألماني بالكامل كما كان عليه منذ الخمسينيات. إن حقيقة انتقاء ترامب المتكرر لألمانيا، أحد أقرب حلفاء أمريكا في أوروبا، ليست مسألة هيّنة. في حين سيقول المتفائلون إن نباح ترامب أسوأ من عضته -تصريحاته حول التجارة هي مجرد جزء من إستراتيجية تفاوضية، مثل تهديداته تجاه كوريا الشمالية- يمكن للمتشائمين الرد بسؤال معقول: ماذا لو كان ترامب يعني حقا ما يقول؟
وفي ألمانيا، لا يجب أن تكون هناك شكوك حول ما تعنيه حرب التجارة عبر المحيط الأطلسي. رغم الانتماء إلى الاتحاد الأوروبي وسوقه المنفردة، فإن ألمانيا ستكون واحدة من أكبر الخاسرين؛ بسبب اعتمادها على التجارة والوضع الحالي لعلاقات القوى عبر الأطلسي.
من المؤكد أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي تتهم ألمانيا بالغطرسة قد تنظر لهذه النتيجة بشيء من الشماتة. لكن إضعاف أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي ستكون له آثار سلبية فورية على الكتلة بأكملها. إن هذا ليس الوقت المناسب للخلاف. يُسبّب انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي بالفعل تنافرا سياسيا بين الدول الأعضاء، إلى جانب فوز الشعبويين المناهضين لأوروبا بالأغلبية البرلمانية المشتركة في إيطاليا.
مما يزيد الأمور سوءا أن ألمانيا والمفوضية الأوروبية، التي تتعامل مع القضايا التجارية نيابة عن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ليست على استعداد للوقوف في وجه ترامب. إن حماقة القادة السياسيين الألمان الذين اختاروا تجاهل الانتقاد الذي طال أمده لفائض الحساب الجاري المرتفع في البلاد، أصبحت واضحة. إذا قامت الحكومة الألمانية الأخيرة بخفض الفائض -الذي وصل إلى مستوى قياسي جديد في العام الفائت- من خلال تعزيز الاستثمار المحلي، فإن ألمانيا ستكون في وضع أفضل بكثير للرد على تهديدات ترامب.
عند التفكير في إمكانية نشوب حرب تجارية عبر المحيط الأطلسي، علينا أن نتذكّر أيضا قول المهاتما غاندي: «إن مبدأ العين بالعين ينتهي بجعل العالم كله أعمى». إن حرب العين بالعين في التجارة عبر المحيط الأطلسي ستنتج خسائر من جميع الجهات، ويمكن أن تؤدي إلى فترة جديدة من الانعزالية والحمائية. وإذا زادت الأمور سوءا، فقد تؤدي إلى انهيار الاقتصاد العالمي وتفكك الغرب. ولهذا السبب، ليس أمام الاتحاد الأوروبي من خيار سوى التفاوض، ولو على مضض.
من شأن ثورة ترامب التجارية أن تعزز العلاقة بين أوروبا والصين، حيث وصلت بالفعل إلى الاتحاد الأوروبي من خلال مبادرة الحزام والطريق الخاصة بمشاريع الاستثمار والبنية الأساسية في أنحاء أوراسيا. ومع تزايد البدائل ذات التوجه الشرقي تجاه الأطلسي في السنوات المقبلة، سيكون تحقيق التوازن بين الشرق والغرب من أصعب التحديات في أوروبا. على الأوروبيين الآن أن يقلقوا ليس بشأن روسيا فحسب، بل أيضاً بشأن قوة عظمى صينية جديدة.
إن تدمير العلاقات التجارية عبر المحيط الأطلسي ليس في مصلحة الولايات المتحدة وأوروبا. ربما يحتفل الزعماء الصينيون على نحو خاص بوعد إدارة ترامب بـ«جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى»؛ وذلك لتقويضه المصالح والوعود الأمريكية للمساهمة في جعل الصين عظيمة مرة أخرى. وفي الواقع، رغم التعريفات التي فرضها ترامب مؤخرا على الصين، ردا على انتهاكاتها المزعومة للملكية الفكرية، يعتقد المرء أن الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية لترامب هو مساعدة الصين في محاولتها للحصول على نفوذ عالمي.
بعد تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة، تمثلت إحدى خطوات ترامب الأولى في سحب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ، وهي صفقة تجارية كان من شأنها أن تُوجِد حصنا ضد الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. تحظى الصين اليوم بفرصة لوضع قواعد التجارة في منطقة تضمّ حوالي 60% من الاقتصاد العالمي. وبالمثل، فإن تأثيرات تعريفة واردات ترامب على الفولاذ والألمنيوم ستساعد الصين عموما، بينما ستضرّ بالحلفاء الأوروبيين لأمريكا. إذا كان الصينيون يسعون للاستفادة من مكاسبهم المفاجئة غير المتوقعة، فلا يستطيع أحد أن يلومهم.
في الأشهر المقبلة، سيصبح ضعف أوروبا الأساسي واضحا بشكل متزايد. إن رخاء أوروبا يعتمد على استعداد أمريكا لتوفير الضمانات الأمنية والإشراف على النظام الدولي الليبرالي. مع تخلي الولايات المتحدة عن سعيها وراء القومية الاستبدادية، فقد أصبح الأوروبيون لوحدهم. ونأمل أن يتمكّن الأوروبيون من اتخاذ إجراءات سريعة للحفاظ على وحدتهم وإنقاذ النظام الدولي الذي وفّر لهم السلام والازدهار لأجيال قادمة.

وزير الخارجية الألماني الأسبق.