هل تتفوق الصين على الغرب إبداعا؟

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٦/مارس/٢٠١٨ ٠٤:٥١ ص
هل تتفوق الصين على الغرب إبداعا؟

إدموند فيلبس

منذ أوائل القرن التاسع عشر وحتى مطلع القرن العشرين، عزت الدول الغربية نموها الاقتصادي إلى اكتشافات «علماء وملاحين». ولم تكن أي دولة في احتياج إلى ما هو أكثر من «الحماس» لتطوير تطبيقات تجارية «واضحة»، وبناء المرافق اللازمة لتلبية الطلب على منتجات جديدة.

حتى وقت قريب كان الصينيون يعتقدون في نفس الأمر. ولكن الآن، يُظهِر رجال الأعمال الصينيون على نحو متزايد ليس فقط دافع ريادة الأعمال للتكيف مع الفرص الجديدة، بل وأيضا الرغبة والقدرة على الإبداع لأنفسهم، بدلا من استنساخ ما هو موجود هناك بالفعل.
الواقع أن المزيد والمزيد من الشركات الصينية تدرك الآن أنها لابد أن تبدع حتى يتسنى لها أن تتقدم الاقتصاد العالمي- وتبقى هناك. وقد حققت شركات عديدة- وخاصة علي بابا، وبايدو، وتينسينت- اختراقات كبرى، من خلال توفير البنية الأساسية للعصر الرقمي والتي تسهل النشاط الإبداعي. ومؤخرا، انتقلت الشركات الصناعية إلى الروبوتات والذكاء الاصطناعي.
ومن الواضح أن حكومة الصين تدعم الشركات الصينية الساعية إلى تطوير القدرة على إنتاج إبداعات محلية. وهي تدرك بلا أدنى شك أن مثل هذه الإبداعات تُصبِح أعظم قيمة عندما يظل الإبداع ضعيفا في الغرب، حيث يواصل نمو إنتاجية العامل الكامل تباطؤه الطويل.
في السنوات الأخيرة، أطلقت حكومة الصين مبادرات تهدف إلى زيادة ريادة الأعمال والإبداع. وقد اختصرت بشكل كبير عملية تأسيس الشركات الجديدة. كما بنت عددا كبيرا من المدارس حيث يتعلم الأطفال الصينيون المزيد عن العالَم الذي ينتظرهم. ومؤخرا، عملت على تسهيل دخول خبراء أجانب للعمل على مشاريع جديدة في قطاع الأعمال.
كما أدركت السلطات أهمية السماح بالمزيد من المنافسة في الاقتصاد. فلابد من تحرير الأفراد لتشجيعهم على بدء شركات جديدة، وينبغي تحرير الشركات القائمة لتشجيعها على الدخول في صناعات جديدة. والمنافسة كفيلة بحل الكثير من المشاكل- وهي النقطة التي باتت مفقودة على نحو متزايد في الغرب.
في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا في يناير، ناقش المسؤولون الصينيون إصلاحات أساسية قدمتها الحكومة قبل عامين لزيادة المنافسة. وبموجب السياسة الجديدة، تشير القدرة الفائضة الآن إلى ضرورة السماح للعرض بالانكماش وضرورة دفع الشركات الزائدة عن الحاجة إلى الخروج من السوق. بطبيعة الحال، يشير الطلب الزائد إلى ضرورة السماح بزيادة العرض، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى دخول شركات جديدة.
الفكرة الأساسية هنا هي أن حماية الشركات القائمة من الداخلين الجدد الذين يحملون أفكارا جديدة إلى السوق تفضي إلى انحسار الإبداع والقدرة على «التكيف» مع عالَم متغير، إذا استخدمنا مصطلح فريدريش هايك.
ومن الممكن أن نسوق حجة أخرى. ففي أي اقتصاد حديث، تعمل كل صناعة تقريبا في مواجهة مستقبل غير معلوم إلى حد كبير. وكلما زاد عدد الشركات في صناعة ما تفكر في مشكلة ما، كلما ارتفعت احتمالات التوصل إلى حل. والشركة التي أبقيت خارج صناعة ما ربما تعرف شيئا لا تعرفه كل الشركات في الصناعة. أو ربما زودت تجربة فريدة أحد الأفراد بمعرفة شخصية يستحيل نقلها إلى آخرين لم يمروا بنفس التجربة. في كل الأحوال، يستفيد المجتمع- من خلال الأسعار المنخفضة، وزيادة فرص العمل، وتحسين المنتجات والخدمات، وما إلى ذلك- عندما يملك الغرباء الذين لديهم ما يمكنهم إضافته الحرية اللازمة للقيام بذلك.
كان كل هذا معروفا لدى منظري عشرينيات وثلاثينيات القرن العشرين: هايك، وفرانك نايت، وجون ماينارد كينز. والآن بات من المعروف للصينيين، الذين يفهمون أن الدولة تستفيد عندما تتمتع الشركات- وكل منها من خلال فِكرها ومعارفها- بالحرية اللازمة للمنافسة.
ويبدو أن الغرب نسي هذه الحقيقة. فمنذ ثلاثينيات القرن العشرين، كانت أغلب الحكومات الغربية ترى أن من واجبها أن توفر الحماية للشركات القائمة من المنافسة، حتى عندما تكون المنافسة آتية من شركات جديدة تقدم تعديلات أو إبداعات جديدة. والواقع أن هذه الحماية، التي تأتي في أشكال لا حصر لها تسببت على نحو يكاد يكون مؤكدا في تثبيط العديد من رواد الأعمال ومنعهم من التقدم بأفكار جديدة وأفضل.
والتاريخ يعج بالأدلة التي تؤكد على قيمة المنافسة. ففي بريطانيا ما بعد الحرب، إلى سبعينيات القرن العشرين، كانت الصناعات خاضعة لسيطرة نواد مغلقة داخل اتحاد الصناعة البريطانية، الذي حظر الداخلين الجدد. وعندما تولت مارجريت تاتشر منصب رئيس الوزراء في عام 1979، كانت إنتاجية العامل الكامل في ركود. لكن تاتشر وضعت حدا لممارسات الاتحاد المناهضة للمنافسة، وعادت إنتاجية العامل الكامل في بريطانيا إلى النمو مرة أخرى بحلول منتصف ثمانينيات القرن العشرين.
ونحن الآن نشهد شيئا مماثلا في الصين. فبحلول عام 2016، كان معدل نمو إنتاجية العامل الكامل في تباطؤ لعدة سنوات. ولكن منذ الإصلاحات في ذلك العام، كان نموه في ازدياد.
يتعين على الغرب أن يعالج التباطؤ الكبير في إنتاجية العامل الكامل، والذي دام منذ أواخر ستينيات القرن العشرين. وربما يكون إنهاء حماية الشركات القائمة من الداخلين الجدد، الذين يمتلكون أفكارا لتعديلات وإبداعات جديدة، نقطة انطلاق جيدة.

حائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد لعام 2006، ومدير مركز الرأسمالية والمجتمع في جامعة كولومبيا، ومؤلف كتاب «الازدهار الجمعي: كيف خَلَق إبداع القاعدة الشعبية الوظائف، والتحديات، والتغيير».