البدويات يحاربن الفقر والتهميش

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٦/مارس/٢٠١٨ ٠٤:٤٦ ص
البدويات يحاربن الفقر والتهميش

باميلا كسرواني

«صار لي وعي.. وصار لي مكان في المجتمع، وصار لي مسؤولية أي لا أنتظر أن يُحضر الرجل راتبه لا بل أدير أمور البيت وأتنقل بمفردي..»، بهذه الكلمات، تخبرنا أم غانم، بفخر واعتزاز، عن كل ما تعلّمته بفضل «جمعية نساء حوض الديسة» الأردنية. أم غانم، 39 عاماً، وأم لخمسة أطفال تقول لنا في مقابلة هاتفية «بفضل الجمعية، تابعنا دورات توعية في عدد من المهارات مثل كيفية التعامل مع المجتمع المحلي»، مضيفة: «ما كنّا نحكي أو نرد والآن بات لنا صوت».

بالفعل، بات لأم غانم صوت وعمل هي التي تدرّبت على حرفة الخزف وباتت اليوم مشرفة في الجمعية وتتولى العديد من المهمات إضافة إلى ثقة في النفس لا تعرف حدوداً. وهنا تقول: «لا شك أنني واجهت صعوبات في البداية مع زوجي ومحيطي. فقبل كل شيء، نحن مجتمع عشائري وعندنا عادات وتقاليد محافظة. لكن الوضع تغيّر وصار زوجي داعمي الأول ومشجع طموحاتي».

أم غانم واحدة من العديد من الفتيات والنساء البدويات التي ساعدتهنّ هذه الجمعية الأردنية في منطقة تُعرف بجمالها الطبيعي وجاذبيتها السياحية إلا أنها تُعاني من الفقر والإهمال. فقرى حوض الديسة المجاورة لوادي رم تقع في محافظة العقبة، جنوبي الأردن، وتعتبر من مناطق جيوب الفقر، بحسب الإحصاءات، وتتجاوز نسبة الباحثات عن عمل فيها 95%.
إلا أن امرأة واحدة من المنطقة لم تقبل الواقع وأرادت أن تقلب المعادلة بالنسبة للبدويات. هي قطنة محمد الزلابية المعروفة بـ«أم ليث» التي ولِدت في وادي رم وتعيش في الديسة. هذه الأم لأربع بنات وأربعة شباب تحمل بكالوريوس اجتماع من الجامعة الأردنية ومقدم متقاعدة من الجيش. وقد يكون أول تحدٍّ رفعته في حياتها أن تكون أول فتاة بدوية تتخرج من الجامعة وتدخل في الثمانينيات القوات المسلحة، تحدٍّ دفعها، إلى جانب عشقها لبلدتها، إلى العمل الاجتماعي لاسيما أنها تعيش في مناطق فقيرة ونائية تنقصها خدمات كبيرة.
تشدد أم ليث على أن المرأة البدوية تضطلع بدور كبير في أسرتها إلا أنه نادراً ما كان لها أي دور أو تمثيل خارج نطاق الأسرة. وتضيف: «النساء هنا أغلب وظائفهنّ في مجال التعليم أو خدمات الصحة أو البلدية ولكن كم ستستوعب هذه المجالات من النساء؟».
وترى أم ليث أن فكرة تأسيس الجمعية ولِدت من «حاجة المرأة أن يكون لها وجود في تنمية «باديتها» {منطقتها} وحاجتها للخروج من البيت وتغيير نظرة المجتمع للمرأة البدوية التي تملك القدرة على العمل والتعلّم وليس فقط أن تكون راعية ماعز ومربية منزل ولكنها تنتظر فرصة لإثبات وجودها».
وعملياً، ولِدت «جمعية نساء حوض الديسة» أيضاً بإرادة القيّمين على بلدية المنطقة. ويخبرنا فيصل مطلق، مدير وحدة التنمية في بلدية الديسة: «عام 2009، خلال وضع خطط التنمية، رأينا خللاً في دور النساء في البلدية وصناعة القرار. بدأنا بمبادرة مجلس نساء حوض الديسة التي تطوّرت مع اجتماع كبير جداً لمئات من نساء المنطقة ليتمّ بعدها إنشاء «جمعية نساء حوض الديسة»، جمعية لاقت رواجاً في المنطقة لتكون نواة للمشاركة الشعبية والمشاريع التنموية والمبادرات الشبابية لنساء المنطقة».
إذن، بداية 2010، تأسست الجمعية ورسمت ملامح أهدافها التي تعددها لنا أم ليث قائلة: «نسعى إلى تمكين المرأة في مختلف مجالات الحياة، الثقافية والاجتماعية والبيئية، وضمان حياة تستحقها المرأة البدوية. وهذا ما شكّل دافعنا الأول لتنمية روح التعاون وتوفير فرص العمل للنساء».
ومنذ انطلاقها، تنظّم الجمعية العديد من المشاريع مثل صالون تجميل للنساء ومشغل الخياطة، مشاريع تحوّلت إلى مراكز تدريبية وتوظّف أكبر عدد من النساء إضافة إلى مشروع القروض المختلفة، من قروض السخانات الشخصية إلى قروض الطلاب، من دون أن ننسى الدورات المتعددة لرفع كفاءة النساء مثل التدريبات العملية أو في مهارات الاتصال والتواصل، والقضايا الصحية والثقافية. وهنا تشير أم ليث: «نريد أن تكتسب المرأة دوراً في تربية طفلها وتنميته مثلاً وأيضاً أكسبها العديد من المهارات مثل النول والخزف..».
قد تطول لائحة المشاريع والبرامج التي تديرها «جمعية نساء قرى حوض الديسة» ونعجز أن نعطي كل منها حقها. لكننا سنتوقف عند مشروع «جدايل» الذي يجمع بين القدرة على توفير لقمة العيش للعائلات الفقيرة وتوثيق تاريخ المنطقة حتى أن فيصل مطلق وصفها «بمرجع تاريخي مهم جداً». وهنا تفصّل لنا أم ليث هذا المشروع قائلة إن «أكثر من 60 امرأة يقمن بجمع القصص الحقيقية أو الأسطورية التي حصلت في باديتنا ويستخدمن الفن وأدواته في تدوينها ورسمها». وتضيف: «قمنا ببطاقات سياحية وترجمناها إلى الإنجليزية وبعناها في العقبة وعمّان، ما شكّل دخلاً لنا وساهم في نشر ثقافتنا إلى خارج الوطن».
كما أن الجمعية تهتم بمحيطها، فأطلقت مشروع «إنتاج أشجار الغضا» في محمية وادي رم الطبيعية الذي يأتي في إطار دمج اتفاقيات ريو الدولية في التنمية الأردنية. وتخبرنا أم ليث: «هذه الشجرة مهمة جداً في منطقتنا إلا أن قلة الأمطار والرعي الجائر وسيارات الدفع الرباعي قضت على هذه الأشجار المعمّرة التي تصعب زراعتها. لذلك، قررنا بتأسيس مشتل وزراعة ألف شجرة في وادي رم وإشراك السيّاح بمبادرتنا».
واجهت أم ليث والبدويات العديد من المطبات في رحلة التمكين، قد تكون لوجستية مثل الحصول على مقرّ لهنّ أو الوجود في منطقة تتباعد المسافة بين القرية والأخرى وتغيب فيها المواصلات الداخلية أو حتى مجتمعية. وتقول أم ليث: «واجهنا الاستهزاء من كثيرين.. «شو بدون يعملوا النسوان؟» إلا أننا أثبتنا العكس». أمر يؤكد عليه فيصل قائلاً: «في البداية، واجهت النساء صعوبات مجتمعية والسخرية حيال الدور الذي ستلعبه نساء المنطقة في مجتمع ذكوري بحت».
ولكن أم ليث تؤكد: «رغم المعاناة، نمتلك الأمل والقوة والإيمان بالنجاح. ليس نجاح أم ليث لا بل نجاح كل البدويات لأننا كلّنا يدٌ واحدة وهذا سبب نجاحنا»، عزيمة ضرورية لمواجهة المستقبل الذي سيحمل دائماً «تحديات كبيرة للبدويات مثل ثقافة العيب والعنصرية العشائرية التي سيظل لها دور». وهنا تضيف أم ليث: «يبقى الأهم تغيير حياة الفتيات مع الحفاظ على عاداتنا وتقاليدنا».

متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية