علي بن راشد المطاعني
حفاظا على كيان مجلس الشورى من الانزلاق ولأجل ترسيخ وتأصيل وتطوير هذه التجربة عبر المزيد من الاتزان والعقلانية والبعد عن التصعيد والتصادم، فالاهتمام الذي يحظى به المجلس وأعضاؤه من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- من كافة الجوانب سواء بالحظوة الكبيرة التي يرعى بها جلالته المجلس وأعضاءه باعتباره أحد غرفتي مجلس عُمان لهو خير دليل على مكانته في منظومة الحكم الراشد بالبلاد ويعول عليه كثيرا في تجسيد تجربة الشورى بمعناه العميق عبر منهجية الشورى بمفهومها الواسع وليس استيراد تجارب أو تقليدها.
لكل ذلك فإن المواطن يعول على هذا المجلس باعتباره المنوط به حمل همومه الحياتية ليرفعها للحكومة للبت فيها ولإيجاد الحلول الناجعة لها، وبالتالي فإن المواطن لم يتخيل أو يتصور أبدا بأن كل تلك الآمال قد أمست معلقة في حبال وسائط التواصل الاجتماعي المفتوحة على مصراعيها لكل ذي هوى وغرض لحل بعض الإشكاليات التي من الطبيعي أن تعتري أي تجربة، ولكن لا تتقطع أوصالها بتلويح غير مستساغ في معالجة أي معضلة كانت، فما بالك بإشكاليات بسيطة وهو ما نتطلع إلى أن يدركه بعض أعضاء الشورى ويقدرونه حق التقدير والتعاطي معه بمسؤولية تتواكب مع مستوى المجلس وأعضائه.
إن جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- أرسى مستويات التنسيق بين مجلسي الوزراء والدولة والشورى -نظام مجلس عمان- بمعدل مرتين في العام لتدارس كيفية التنسيق المشترك بين المجالس الثلاثة وتعظيم الاستفادة من التجارب الإيجابية ورصد التحديات، وكيفية إيجاد الحلول لها إحدى الأدوات المتوفرة لطرح أي ملاحظات في مستويات التعاون بينها، والمسألة لا تحتاج إلى أي تصعيد من أي نوع، إذ ليست هناك إخفاقات بالمعنى الدقيق للكلمة حتى يطلب مجلس الشورى تدخل المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة لحض مجلس الوزراء للمزيد والتنسيق معه في كل الأدوات المتوفرة والآليات الموجودة وهو ما يطرح بأنه من غير المناسب افتعال قضايا ومشكلات وإيصالها إلى المقام السامي الذي أوجد هذه المؤسسات في إطار دولة المؤسسات والقانون لتعمل وفق النظم الموجودة لا المناشدات والمطالبات عبر منابر أخرى.
نحن ندرك في هذه المرحلة أولويات الحكومة في مواجهة التحديات ومعالجة القضايا الناتجة عن الأزمة الاقتصادية وقضايا أخرى تهم الوضع الجيوسياسي وغيرها من قضايا بلد بحجم السلطنة فهي لديها من المهام ما يجعل المجلس وأعضاءه عونا لا وجعا، فإذا تأخر مجلس الوزراء عن إرسال بيانات أو الرد على بعض الطلبات في هذه المرحلة الدقيقة يجب أن نقدر ونضع الظروف التي تمر بها البلاد في الحسبان، فكلا المجلسين ومجلس الدولة معهما يدركان أو يفترض ذلك، فلا يجب أن نقحم أمورا هامشية وطلبات ليست بتلك الأهمية لكي تتصدر المشهد من خلال افتعالها وتضخيمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي واستعراضات غير محبذة.
فتلك الاعتبارات الموضوعية، والأوضاع والأولويات فإن الأمل قائم في أن يتفهم أعضاء المجلس الموقرون هذه المهام وأن يضعوها أبدا في الاعتبار بعيدا عن أي توجهات أو رغبات معلنة أو مكبوتة لتوجيه أعضاء المجلس للركون للرغبات الشخصية، إذ المجلس يعمل في الأصل لتأكيد علو كعب المصلحة العامة والتي تمثل مصلحة المواطن بعد أن وضع كل أحلامه وآماله عليه.
إن قيادة مجلس الشورى في ظل هذه المعطيات تحتاج إلى إرادة فعالة تنأى بنفسها عن الاستجابة للرغبات الشخصية أو الفئوية أو التجارية الضيقة، والتي يجب عليها أن تعمل على صهر التكتلات الفكرية في بوتقة مصلحة الوطن والمواطن باعتباره الغاية والهدف، وليس هناك من مقصد أصلا غير هذا الذي ذكرنا، هو ما تجسده رئاسة المجلس في هذا الشأن رغم أن بين مطرقة المصلحة العامة وسندان رغبات بعض الأعضاء تأجيج الوضع وتأزيم الأمور وتوجيه المجلس لدفة غير محبذة أن يكون عليها.
بالطبع هناك جهود تبذل داخل أروقة المجلس للاستمساك بالعروة الوثقى، ولعل البعض يتفهم الحكمة بعيدة المنال من الالتجاء للاعتدال والوسطية وتحكيم العقل والمنطق ونبذ بوادر الفرقة والشتات التي لن تفضي إلا إلى الخسران المبين، ونحن أصلا في غنى عن كل ذلك، فمن هنا في إدارة المجلس توازن بين هذا وذاك ومن الطبيعي أن تنحاز لمصلحة الوطن باعتبارها هي الأعلى من كل شيء مهما كلف ذلك.
نأمل أن نعزز من هذه التجربة الديمقراطية التي تتطور يوما بعد الآخر، وفقا لتطور المجتمع، وننهض بها عاما بعد الآخر نحو ترسيخ تجربة المشاركة السياسية الواعية والمدركة تماما لمصالح البلاد والعباد، ونبتعد عن الشخصنة والفئويات التي تتكتل من أجل تمرير بعض الجوانب التي تركن المصلحة العامة في جانب وتستغل صلاحية عضوية الشورى لتحقيق مآرب ليس أكثر، فمقتضيات المرحلة وظروفها ووضع هذه التجربة وتطورها يحتم علينا أن نكون أكثر عقلانية وهدوءا في مناقشة القضايا التي تهم بلادنا تحت قبة مجلسنا لا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأن نترفع بعض الشيء عن صغائر الأمور والإشكاليات البسيطة التي لا تعدو أن تكون كذر الرماد في العيون وخلط الأوراق ليس مكانها مجلس الشورى وتحقيق بطولات شخصية على حساب نجاحات وطنية عالية أولها توفر أدوات المشاركة السياسية في ظل لجم الألسن في المنطقة وتغييب الرأي الآخر وإسكات كل الأصوات حتى القائلة خيرا، فرفقا بمجلسكم يا أعضاء الشورى لكي يتطور، كما يتطلع باني عمان و راعي نهضتها أن يكون، وتتطور هذه التجربة لتكون نبراسا يهتدى به في المشاركة السياسية في كافة محاضن المشاركة التي تصنع جانبا مضيئا في بلادنا.