هل الصحافة حرة؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢٢/مارس/٢٠١٨ ٠٣:٤٨ ص

روبرت سكيدلسكي

أثارت حادثة تسميم العميل الروسي المزدوج سيرجي سكريبال وابنته يوليا في مطعم إيطالي في سالزبوري ضجة كبيرة في وسائل الإعلام البريطانية. وفي وقت فائت من هذا الشهر، كشف الممثل الكوميدي الأسبق جون فورد أنه قد عمل في صحيفة «صنداي تايمز» لصاحبها روبرت مردوخ لمدة 15 سنة -من العام 1995 حتى العام 2010- وقد قام باختراق حياة العشرات من الشخصيات البارزة من خلال القرصنة والخداع، بما في ذلك حياة رئيس الوزراء جوردون براون.

وفي مناقشته للتقنيات التي استخدمها، قال فورد: «لقد اخترقت هواتفهم النقالة وحساباتهم المصرفية، وقمت بسرقة نفاياتهم». وقد تم تشويه سمعة بعض من أبرز الأسماء في الصحافة البريطانية جراء ذلك، إلى جانب حقائق أخرى عن الاعتداءات غير القانونية.

تعود المؤامرة الأساسية إلى تأسيس الصحافة الحرة وإلغاء الترخيص في العام 1695. ومن أجل تحقيق الهدف المميّز الذي تسعى إليه -التحكم في السلطة- تحتاج الصحافة الحرة إلى معلومات. نتوقع قيام الصحافة الحرة بالتحقيق والكشف عن انتهاكات السلطة. وفي هذا السياق، سيتذكّر الناس حتما فضيحة ووترجيت، التي أطاحت بالرئيس ريتشارد نيكسون في العام 1974.
لكن الصحافة لا تحتاج إلى فضائح حقيقية للقيام بعملها. يؤدي وجود الصحافة الحرة بحد ذاته إلى تقييد الحكومة. إلا أنها ليست السبب الوحيد: إن سيادة القانون، التي فرضها القضاء المستقل، والانتخابات التنافسية التي تُقام على فترات منتظمة لا تقل أهمية. معا تشكّل دعامة ثلاثية: إذا انهار أحدهما، لن يتمكّن الآخران من الصمود.
رغم أداء السياسيين الضعيف في مواجهة الضغط الإعلامي، إلا أننا ما زلنا نعتقد أن الصحافة هي المدافع عن مصالحنا ضد حكومة قوية للغاية. فنحن لا نملك النظرية الصحيحة للسلطة الخاصة.
إن الحجة الليبرالية بسيطة للغاية: تعدّ الدولة خطيرة على وجه التحديد لأنها محتكِرة للسلطة. فهي تتحكّم في وسائل الإكراه وتفرض ضرائب إجبارية. ينبغي على الصحافة الاستقصائية الجريئة أن تعارض تصرفات الدولة ألا القانونية. وعلى النقيض من ذلك، فإن الصحف ليست محتكِرة. فهي تفتقر إلى أي سلطة إلزامية، لذلك ليست هناك حاجة للحماية من إساءة استخدام السلطة الصحفية؛ لأنه هذه الأخيرة لا وجود لها.
رغم عدم وجود احتكار ظاهر للصحافة، إلا أن احتكار القلة ما يزال حالة شائعة في معظم البلدان. إذا كانت اليد الخفية للسوق تعزز الصالح العام، كما يدّعي الاقتصاديون، فإن سوق الأخبار واضحة ومركّزة للغاية. تمتلك ثماني شركات 12 صحيفة وطنية في المملكة المتحدة، ويحظى أربعة مالكين بأكثر من 80% من جميع النسخ التي يتم بيعها. وفي العام 2013، كان كل من مردوخ ولورد روثرمير يمتلكان 52% من المنشورات الإخبارية المطبوعة والإلكترونية في المملكة المتحدة. لولا نجاح الصحافة في إخفاء قوتها الخاصة، لما استطعنا الاعتماد على التنظيم الذاتي لوحده لضمان نزاهة الأخبار.
لقد فشلت الجهود المبذولة لربط الصحافة البريطانية بمعايير إخبارية «لائقة» باستمرار. وقد كانت هناك ست لجان تحقيق في المملكة المتحدة منذ العام 1945. وقد طالبت كل لجنة، تم إنشاؤها بعد انتهاكات فاضحة، بـ»اتخاذ التدابير اللازمة» لحماية الحق في الخصوصية، وفي كل مرة، كانت الحكومة تتراجع عن القيام بذلك.
هناك سببان رئيسيان لهذا التصرّف. أولاً، لا يرغب أي سياسي في معارضة الصحافة: لقد كان تودد توني بلير لروبرت مردوخ، مالك صحيفة «ذا صان»، «ذا تايمز» و«صنداي تايمز»، أمرا لا يصدّق، كما كان مربحا. لقد دعمت صحافة مردوخ فوز حزب العمّال البريطاني في ثلاثة انتخابات عامة في الأعوام 1997 و2001 و2005. هناك سبب آخر أكثر خطورة: فالصحف لديها أخبار «قذرة» على السياسيين، ولن تتردد في استخدام هذه المعلومات لحماية مصالحها الخاصة.
وفي العام 1989، وبسبب ضغط من البرلمان، كلّفت الحكومة ديفيد كالكوت بتشكيل لجنة «للنظر في نوع التشريعات أو السياسات الأخرى التي يجب اتخاذها لحماية الخصوصية الشخصية من الأنشطة الإخبارية وتحسين اللجوء إلى الطعن ضد الصحافة من أجل حماية المواطن». كانت توصية كالكوت الرئيسية تتمثّل في استبدال مجلس الصحافة المحتضِر بلجنة الشكاوى الصحفية (PCC)، التي تم إنشاؤها بشكل رسمي.
وفي العام 1993، صرّح كالكوت بأن لجنة الشكاوى الصحفية هي «منظمة تم تشكيلها وتمويلها والتحكم فيها من قِبل صناعة الأخبار، كما تقوم بتطبيق القواعد السلوكية التي وضعها القطاع والتي هي أكثر من مناسبة لهذا القطاع». واقترح استبدال لجنة الشكاوى الصحفية بمحكمة شكاوى صحفية قانونية. ومع ذلك، رفضت الحكومة اتخاذ أي إجراء بهذا الشأن.
وفي مارس 2011، ذكرت اللجنة البرلمانية المشتركة أن «آليات التنظيم الذاتي الحالية مشكلة ويجب إصلاحها». وحيثُ إن لجنة الشكاوى الصحفية «ليست لديها القدرة على التعامل مع الانتهاكات المنهجية وغير القانونية لحقوق الخصوصية»، فقد اقترحت اللجنة البرلمانية المشتركة إصلاحا للهيئة التنظيمية.
وفي العام نفسه، وبعد محاكمات جنائية ضد القرصنة الهاتفية التي أدّت إلى إغلاق صحيفة مردوخ «نيوز أوف ذا وورلد»، قام رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون بتعيين بريان ليفيسون للتحقيق في «ثقافة وممارسات وأخلاقيات الصحافة، وعلاقتها بالشرطة، وفشل النظام الحالي للتنظيم، والاتصالات التي أجريت والمناقشات بين الصحف الوطنية والسياسيين، وسبب عدم الاستجابة للتحذيرات السابقة حول سوء السلوك الصحفي، وقضية الملكية عبر وسائل الإعلام». دافع ليفيسون عن صلاحياته -لتقديم توصيات حول طرق جديدة وأكثر فاعلية لتنظيم الصحافة- بسؤال واحد بسيط: من سيحرس الحراس؟
نُشر الجزء الأول من تقرير ليفيسون في العام 2012، والذي يقترح إنشاء هيئة تنظيمية مهنية تضمن استقلال الصحف والحكومة من قِبل هيئة اعتماد الصحافة وفقا للميثاق الملكي. من أجل تجنّب ما يسمّى بـ«سيطرة الحكومة»، أنشأ أصحاب الصحف منظمة مستقلة لمعايير الصحافة (IPSO)، والتي تعدّ غير مسؤولة أمام أي جهة سوى نفسها.
وكما حدث من قبل، فقد تراجعت الحكومة، مما أدّى إلى إبطال رأي ليفيسون والتخلي عن المزيد من التحقيقات لتحديد «عدم قانونية الصحف أو عدم ملاءمتها، بما في ذلك الرشوة المدفوعة للشرطة». وفي الواقع، تساءل ليفيسون عمّا إذا كانت المنظّمة المستقلة لمعايير الصحافة تختلف اختلافا كافيا عن سلفها، لجنة الشكاوى الصحفية، مما أدّى إلى «فرق حقيقي في السلوك».
رغم أن بعض قنوات الإعلام البريطانية سيئة للغاية، إلا أن الوصول إلى توازن مناسب بين حق الجمهور في المعرفة والحق في الخصوصية الشخصية هو مشكلة شائعة، ويجب حلها باستمرار وفقا لتطوّر التكنولوجيا والحقائق. ما زلنا بحاجة إلى وسائل الإعلام لحمايتنا من إساءة استخدام سلطة الدولة، لكننا نحتاج أيضا إلى الدولة لحمايتنا من إساءة استخدام السلطة من قِبل وسائل الإعلام.

عضو المجلس البريطاني، وأستاذ بارز للاقتصاد السياسي في جامعة وارويك.