معرض الكتاب.. كـ«حالة اجتماعية»

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٧/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٢٥ ص
معرض الكتاب.. كـ«حالة اجتماعية»

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com
msrahbyalrahby@gmail.com

انتهى معرض الكتاب ولم تنته الأفكار حوله..

وقد حقق نجاحا كبيرا، من خلال كل تلك الأعداد الكبيرة التي تدلف إلى بواباته وتخرج بحمولة طيبة من الكتب، أو من خلال سقف الحرية الذي أعطى الجميع الحق أن يقدم نتاجه، حتى أن هواة التصيّد يبدو أنهم تعبوا لعبة العزف على مفاهيم بآلية لم يعد لها مكان في عصر الانفتاح وشبكات التواصل الاجتماعي، وما تريد إشهاره أظهر «إثارة» فيه، الإثارة المحسوبة على عوالم السياسة أو الدين أو التابو الثالث حيث الجنس المتصيّد للعقول أكثر من أية حواس أخرى.

أركز في مقالي على معرض الكتاب كحالة اجتماعية حركت المجتمع عشرة أيام ممتدة من العاشرة صباحا وحتى ما بعد العاشرة ليلا، بمستويات راقية وحضور لافت بدا راقيا في حركته داخل مساحات المعرض، والعلاقة بين القارئ والناشر بدت جميلة حتى وهما يتفاوضان على سعر كتاب.

الحالة الاجتماعية بدت في التفاف الأسر وهي تختار كتبا للعائلة، الأطفال باختياراتهم، والشباب بقراءتهم، والكبار بمداركهم، وقد منحوا فرصة الانتقاء الحر لأنهم على درجة من الوعي لا يجدر بلجنة المعرض أن تحدد لهم بالضبط ماذا يضرّهم من أفكار، فمجتمعنا بلغ سنّ الرشد، وما يحجر من فكر عليه سيكتشفه عبر مداخل تبدو خادمة لانتشاره بصورة سلبية أبلغ.

الحالة الاجتماعية تجسّدت في تعدد شرائح المجتمع، ليس عمريا فحسب، بل معرفيا، فالمعرض كان حوارا ثقافيا يوميا بين الكتّاب وقرائهم، اللقاء المباشر..

لكن تبقى هناك متناقضات حدّ السخرية..

شخصيا أنظر إلى معرض الكتاب على أنه حدث يدخل في صميم البناء الحضاري والمعرفي المحلي، بما يعجز عنه مهرجان مسقط، وعدد الزوار شاهد على أن أولئك الذين يذهبون لرؤية فعاليات المهرجان لا يعودون بذات المنفعة كالعائدين من معرض الكتاب، فشتّان بين من ذهب لفرجة بصرية عابرة ومن انتقى فكرا.

مهرجان مدعوم حكوميا وينال رعاية ضخمة من البنوك والشركات والمؤسسات، العامة والخاصة، كأنما هو حدث وطني هائل المنافع..
ومعرض عليه أن يموّل نفسه، فالبنوك مصالحها (الرأسمالية) مع بلدية مسقط لا تشبه لا من قريب ولا بعيد مصالحها مع وزارتي التراث والثقافة، والإعلام، والشركات الخاصة معاملاتها تسير وفق مصالح واضحة (أو غير واضحة) مع بلدية مسقط، بينما العلاقة مع الوزارتين منظمتي المعرض تشبه علاقتها مع الثقافة، فمع بلدية مسقط هناك مفردة «هات وخذ» إنما مع «معرض الكتاب» فليس لدينا ما نعطيك، لأنك لا تعطينا شيئا، ولتذهب الثقافة إلى غياهب النسيان.. حتى الشركات الكبرى بقيت في موقف عدائي مع معرض الكتاب، لأن هناك ثقافة.. غاضّين الطرف، لجهل عميق، بعشرات الآلاف التي تؤم مركز عمان للمعارض من أجل «خير جليس».
رفعت الحكومة يدها عن دعم الثقافة بخطوات تقشفية غريبة، وبقي القطاع الخاص «جبانا» يتفرج على «المعرفة» باعتبارها لا تنفعه كما تنفعه.. بلدية مسقط.