شراء صوت الإعلام

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٨/مارس/٢٠١٨ ٠٥:١٣ ص

ماريوس دراجومير

في العام الفائت، أديرت المؤسسة الإعلامية التابعة للدولة في المجر، MTVA، بميزانية بلغت نحو 309 مليون دولار أمريكي، وكان أغلب هذا التمويل آتيا من خزائن الحكومة. وهذا يعني أن MTVA -التي تدير محطات تلفزيونية، وشبكة إذاعية، ووكالة أنباء- ميزانيتها اليومية تعادل 846 ألف دولار. وفي بلد عدد سكانها عشرة ملايين نسمة فقط، فإن هذا هو الإسراف بعينه.

قد يفترض المرء أن القوة المالية التي تتمتع بها شركة MTVA تشكّل استثناءً في صناعة ابتليت بإيرادات متضائلة ونماذج عمل معطلة. ولكن بين شركات الإعلام التي تدعمها الدول، تُعَد ميزانية شركة MTVA القاعدة. ففي غرف الأخبار من صربيا إلى جنوب أفريقيا، يتنامى التمويل المولد بواسطة دافعي الضرائب. ومن المؤسف أن هذا لن يؤدي إلا إلى تعميق المشاكل التي تواجهها هذه الصناعة، برغم أن هذه الزيادة المفاجئة ربما تساعد في وضع المزيد من البرامج على الهواء.

لعبت الحكومات دورا رئيسيا في وسائل الإعلام المحلية لعقود من الزمن، باستخدام الضوابط لتنظيم ترددات البث ومتطلبات الترخيص لتشكيل السوق. ومع ذلك، صعّدت الحكومات في السنوات الأخيرة نفوذها في ما يتصل بالميزانية. واليوم تُعَد مخصصات الميزانية الحكومية من بين المصادر الرئيسية للإيرادات الإعلامية.
يقدَّم الدعم العام عادة بواحدة من ثلاث طرق. إحداها تتمثل في فرض رسوم الترخيص على الأسر، وهي ضريبة على المحتوى بحكم الأمر الواقع. ورغم أن الميزانيات الإعلامية العامة لم تسجّل نموا في كل مكان -في الفترة من 2011 إلى 2015 على سبيل المثال، انخفض تمويل وسائل الإعلام العامة في 40% من الدول الأعضاء الست والخمسين في الاتحاد الأوروبي للبث- تظل الأموال الحكومية مؤثرة بقوة. ففي العام 2017، وافقت الحكومة الرومانية على ميزانية قيمتها 360 مليون دولار لشركة البث التابعة للدولة، SRTV، وهو مبلغ هائل في بلد عدد سكانه 20 مليون نسمة فقط. والواقع أن ضخ الأموال العامة على نحو مماثل أمر شائع في أماكن أخرى.
وتُعَد المشتريات من الإعلانات طريقة ثانية لتقديم الدعم الحكومي. ومن الممكن أن يكون الإنفاق الحكومي في هذه الفئة كبيرا. خلال النصف الأول من العام 2013، على سبيل المثال، أنفقت حكومة ماليزيا على الإعلانات 118.5 مليون دولار أكثر من مجموع إنفاق المعلنين الأربعة التالين لها.
وأخيرا، تقدّم الدول عادة مساهمات نقدية للمنافذ الإعلامية المتعثرة، وخاصة تلك التي تقدّم تغطية محابية للحكومة. في العام 2014، أنفقت حكومة مونتينيجرو، وهي دولة عدد سكانها 622 ألف نسمة فقط، 33.6 مليون دولار في هيئة مساعدات من الدولة للمنافذ الإعلامية. ووفقا لمركز مساعدة وسائل الإعلام الدولية، تضمنت التبرعات دعما «سخيا» لصحيفة «موالية للحكومة بشكل جدير بالثقة»، وهي صحيفة Pobjeda.
ستظل المساهمات المالية موضع ترحيب من قِبَل وسائل الإعلام دائما، وخاصة المنافذ المستقلة التي تعاني من ضائقة مالية. ولكن عندما يأتي التمويل مشروطا، كما تفعل الأموال الحكومية غالبا، تصبح النزاهة الصحفية هي الضحية. وفي كثير من الحالات، تكون المنظمات الإعلامية العامة مجرد ناطق باسم الحكومة، وتتدخل السلطات بانتظام في الشؤون التحريرية.
وتُعَد المجر مثالا واضحا. ففي العام 2010، بعد فترة وجيزة من وصول حزب فيدس اليميني الشعبوي إلى السلطة، فصل المسؤولون الحكوميون عددا من الصحفيين في مؤسسة MTVA الذين انتقدوا حزب فيدس خلال الحملة الانتخابية. ومنذ ذلك الحين، أعادت السلطات صياغة التشريعات الإعلامية بشكل كبير، وهي الخطوة التي يخشى بعض المراقبين أنها سوف «تقيّد التعددية الإعلامية في الأمد البعيد».
وذكرت التقارير تجاوزات مماثلة في مقدونيا، حيث انتقدت المفوضية الأوروبية في العام 2011 الحكومة لأنها استخدمت أموالا دعائية لتعزيز سيطرة الدولة على المحتوى الإخباري. وهناك أمثلة أخرى لا حصر لها لتدخلات مماثلة في الأسواق الإعلامية في مختلف أنحاء العالَم.
في عموم الأمر، تميل الحكومات إلى تمويل المنافذ الإعلامية الموالية، أو المنظمات الإخبارية التي هي على استعداد للامتثال والخضوع للنظام. ووفقا لتقرير صادر في العام 2014 عن مستقبل الصحافة الرقمية، والذي شاركت في تحريره لصالح مؤسسات المجتمع المفتوح، استخدمت الحكومات الضغوط المالية للتلاعب بالمنظمات الإخبارية في أكثر من نصف الأسواق التي قمنا بدراستها. ولا شك أن النسبة ازدادت في السنوات التالية.
على نطاق أعرض، تعمل الحكومات، من خلال دعم الصحافة الطيعة، أو عن طريق قطع الدعم عن الأصوات الإعلامية المنتقدة، على تشويه أسواق الأعلام لصالحها. في العام 2012، وبفضل مساعدة مالية نقدية مقدَّمة من السلطات الصربية إلى وكالة الأنباء Tanjug التي تسيطر عليها الدولة، حصلت الوكالة على ميزة تنافسية هائلة على الخدمة الإخبارية المستقلة Beta. وفي المجر أيضا، تناضل الصحافة المستقلة في محاولة للحاق بالمؤسسات العملاقة التي تموّلها الدولة. ومن بين الأمثلة، مؤسسة التحقيقات الصحفية البادئة Atlatszo، التي اعتمد تمويلها بالكامل على التبرعات، والتي تعادل ميزانيتها السنوية أقل من نصف مخصصات MTVA اليومية.
في حين تعيد الأموال العامة صياغة صناعة الإعلام، لن يكون دافعو الضرائب أكبر المستفيدين في العديد من الدول. وإذا أعيد توجيه ولو جزء بسيط من الميزانيات التي تتلقاها وسائل الإعلام التابعة للدولة نحو منظمات إخبارية مستقلة، فسوف تزدهر الصحافة ويُصبِح عامة الناس أفضل اطلاعا. ولكن في الوقت الحالي، تُعَد الحكومات التي تستغل صناعة الإعلام المكافحة الفائز الأكبر في سوق وسائل الإعلام العامة.

مدير مركز الإعلام والبيانات والمجتمع في جامعة أوروبا الوسطى.