ناصر اليحمدي
للأسف انتهى العرس الثقافي الذي عشناه مع معرض مسقط الدولي للكتاب الذي أغلق أبوابه المضيئة للعقول والقلوب وشعرنا بعد الإقبال منقطع النظير الذي شهدته أيام المعرض منذ بدايتها حتى نهايتها والمشاركة الكثيفة لفعالياته الثقافية والأدبية المختلفة أن الكتاب الورقي مازال بخير وأن الكتاب الإلكتروني لم يستطع إزاحته من فوق عرش القراءة أو يخرجه من دائرة الاهتمام ..
لاشك أن الزحام الشديد الذي شهده المعرض يؤكد على نجاحه الباهر وأنه يستحق أن يدرج ضمن أفضل المعارض العربية والدولية .. ورغم الكم الكبير من العناوين التي ضمها المعرض (أكثر من 250 ألفا) ودور النشر التي شاركت (650 دار نشر من 27 دولة عربية وأجنبية) والفعاليات الثقافية والأدبية المتنوعة للكبير والصغير إلا أن القائمين عليه استطاعوا بحرفية ومهارة إدارة هذه التظاهرة الثقافية وظهورها بطريقة مشرفة.
لا ننكر أن لكل شيء في الدنيا وجهين أحدهما إيجابي والآخر سلبي وبالتالي لم يخل المعرض من السلبيات ولكنها طفيفة وتكاد لا تذكر بجانب إيجابياته مثل عدم وجود موقف كاف لسيارات الزائرين وتأثر قاعة أحمد بن ماجد المخصصة لكتاب وفعاليات الطفل والكتاب الإنجليزي بالأمطار التي كان يجب أن يراعيها القائمون على المعرض حيث تم إغلاق القاعة لبعض الوقت وحرمان الزائرين منها رغم أنه من المعروف مسبقا أن هذه الفترة من العام تشهد البلاد أمطارا غزيرة إلا أنها جميعا سلبيات لا تقلل من المجهود الجبار الذي بذله المسئولون كي يخرج العرس الثقافي في هذه الحلة البهية.
لاشك أننا بحاجة ماسة لأن يكون معرض الكتاب على مدار العام لما للكتاب من أهمية كبيرة في بناء شخصية الإنسان وتوسيع مداركه وصقل مواهبه .. وهو ما يقودنا للتساؤل لماذا لا يقام معرض دائم مصغر في كل ولاية يضم أحدث الإصدارات ويزوره الكتاب والمؤلفون بالتناوب بحيث يستطيع القارئ أن يطلع على ما يجري على الساحة الثقافية بشكل دائم ؟.. فهذا المعرض المصغر سيقلل الفجوة بين الكاتب والقارئ كما أنه سيساهم في تطوير الحراك الثقافي في المجتمع إلى جانب تعويد الصغار على عادة القراءة .. بل ويمكن للقراء أنفسهم أن يساهموا في هذا المعرض بأن يخصص ركن يقوم القراء فيه بالتبرع بكتبهم القديمة ليمنحوا الفرصة للآخرين كي يتمكنوا من قراءته .. أو تبادل الكتب مع الآخرين فهذا الركن سيمنع تكدس الكتب في المنازل ويفسح المجال للقراء للاطلاع على أكبر كم من الكتب.
* * *
لمسة وفاء
عندما كنت أتجول في معرض مسقط الدولي للكتاب مررت على ركن اللجنة الوطنية للشباب التي شاركت بفعاليات متنوعة تحت شعار "نقرأ لنحيا" .. إلا أن ما سرني كثيرا هو احتفاء اللجنة بالراحلين الشيخ خلفان العيسري وشاعر الشباب حمد الخروصي فهاتان الشخصيتان أثرتا بشكل كبير في الساحة الثقافية العمانية ولهما إسهامات لن ينساها التاريخ لذلك اعتبرتهما اللجنة ضيوف شرف ركن اللجنة طيلة فترة المعرض .. حيث يتناول القائمون على المعرض من المسئولين في اللجنة حياة الشخصيتين العظيمتين على المستوى الشخصي والثقافي وعرض إصدارات ومخطوطات لم تنشر من قبل كذلك قاموا بجمع إنتاجهما المحلي والإقليمي على شكل إصدارات سمعية وبصرية "قرص خاص" وتم توزيعها على الزائرين بالمجان .. كما أصدرت اللجنة كتابا تحت عنوان "قفار" تضمن مقالات في الشعر الشعبي العماني للراحل حمد الخروصي كي يكون مرجعا أدبيا لكل من يريد الاطلاع على تجربة الراحل وملامح الشعر الشعبي في السلطنة .. إلى جانب العديد من الفعاليات الأخرى التي توضح اهتمام اللجنة بالراحلين الكبيرين.
لاشك أن احتفاء اللجنة الوطنية للشباب بهاتين الشخصيتين العظيمتين هو لمحة وفاء لما قدماه من أعمال وإنجازات وعطاء إنساني نفخر بها جميعا .. فقد تركا إرثا ثقافيا سيظل محفورا في سجل التاريخ العماني بل التاريخ العربي بأحرف من نور ومن الضروري أن يتعرف الشباب على الإنجازات الفكرية والأدبية التي قدماها وعلى مسيرتهما الناجحة حتى يكونا قدوة لكل من يريد أن يحقق النجاح في حياته.
فمن ينظر لشخصية مثل الشيخ العيسري رحمه الله بعلمه الغزير وأقكاره الخلاقة ونصائحه السديدة يجد أنه نعم القدوة .. فهو أحد الحكماء الذين خسرهم المجتمع العماني لأنه كان صاحب رسالة عظيمة هدفها الأسمى تنمية المجتمع عن طريق النهوض بالشباب الذين هم عدته وعتاده ..
أما شاعر الشباب أو شاعر الوطن حمد الخروصي فإن بصمته على ساحة الشعر النبطي لن تمحى أبدا مهما مرت عليها السنون .. فقصائده الخالدة ستظل محفوظة في دفاتر التاريخ لتشهد على ما يمتلكه الراحل من موهبة فذة وإرث أدبي وافر يجسد حبه وإخلاصه لوطنه .. فقصائده المميزة العذبة كانت تعبر عن عشقه لتراب وطنه إلى جانب تناوله للعديد من القضايا الإنسانية كالسلم والظلم والغربة والحب والطبيعة وغيرها مستخدما مفردات عمانية أصيلة ستظل حافظة للتراث الحضاري للسلطنة .. ليظل شاعرنا العظيم حتى بعد وفاته خير سفير لبلاده استطاع عن جدارة أن يساهم في تعريف حضارتها العريقة للعالم.
* * *
المباني الخضراء خطوة في طريق الحفاظ على البيئة
اعتبرت قيادتنا الحكيمة منذ أن سطعت شمس النهضة على بلادنا الجميلة أن تنمية البيئة والمحافظة على مفردات الطبيعة من ثوابت السياسة الرشيدة وقدمت الكثير من الجهود والفعاليات والمبادرات المحلية والإقليمية والدولية التي تهدف لصون البيئة ومكافحة التلوث الذي وضع الأرض على صفيح ساخن نتيجة تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري وتزايد معدل الكوارث الطبيعية التي لا يعلم سوى الله وحده تبعاتها.
لذلك فإن العالم يتجه مؤخرا لاتباع السياسة الخضراء في كل ما يتعلق بالأنشطة البشرية بحيث يقلل الإنسان من كل ما يدمر البيئة ويسعى للحفاظ عليها وتنميتها واستبدال مصادر الطاقة الناتجة من الأحفوريات التي تسبب انبعاث الكربون المسبب للاحتباس الحراري بأخرى نظيفة صديقة للبيئة .. كما رأينا مباني خضراء ومدنا ذكية وغيرها من الابتكارات التي تحافظ على البيئة.
ومؤخرا ناقشت جميعة البيئة العمانية مع مؤسسة نمساوية أهمية المباني الخضراء وكيفية تطبيقها في السلطنة وهذه بالتأكيد خطوة هامة نتمنى أن يتم تعميمها على كافة ولايات ومحافظات وقرى السلطنة بحيث يتم توفير مساكن صديقة للبيئة تستخدم مصادر للطاقة بديلة للنفط من أنواع الطاقة المتجددة كالطاقة الشمسية والبخارية وطاقة الرياح وغيرها للحصول على الخدمات المطلوبة دون الإضرار بالبيئة .. لذلك نتمنى أن نرى المشاريع التي تم مناقشتها بين المؤسستين العمانية والنمساوية على أرض الواقع وأن تتحقق مدينة المستقبل التي تروج لها وزارة التكنولوجيا والابتكار النمساوية والتي تدعو لبناء مدن صديقة للبيئة تحافظ على المصادر الطبيعية في ظل تزايد أعداد السكان واختلال النظام البيئي فمثل هذه المدن خطوة نحو التنمية المستدامة والحفاظ على الكوكب الأزرق لإيصاله للأجيال القادمة.
إن التحديات التي تواجهها الطبيعة من حولنا تتطلب من البشر سرعة إنقاذها والكف عن العبث بمقدراتها واستغلال التكنولوجيا الحديثة لحمايتها والحفاظ عليها وتقليل تهديدات المناخ التي تتزايد يوما بعد يوم .. لذلك نتمنى أن يتمكن مركز عمان للأبنية الخضراء وجمعية المهندسين العمانية وجميعة البيئة العمانية وغيرهم من الجهات المعنية بالحفاظ على البيئة من تطوير البنية التحتية العمانية بحيث تتوافر بها كل الإمكانيات التي تدعم العيش النظيف ونشر ثقافة صون الطبيعة بين المواطنين وتقليل الملوثات قدر المستطاع حتى تظل طبيعتنا خلابة ونقية.
* * *
آخر كلام
قال برنارد شو : يسألونك عن الحب .. قل الحب هو نوع ثالث من الكرات الدموية يجري في الأوردة والشرايين.