جوشوا نيوتن
كان "تاباكيكا" مصنعا للتبغ في يوم من الأيام. والآن أصبح مركزا كئيبا سيء الإضاءة مليئا بالغبار لاستقبال اللاجئين في جزيرة خيوس اليونانية. حيث يقضي الكثير من اللاجئين ليلتهم الأولى في تاباكيكا، متجمعين حول مدافئ تشبه تلك التي يمكن أن تراها في المطاعم، مفترشين صناديق من الورق المقوى غير المستخدمة أو مباشرة على الأرضية الخرسانية. هذا هو الاستقبال والترحيب الذي يجدونه في أوروبا.
يصل اللاجؤون من البلدان التي مزقتها الحروب في قوارب، وغالبا ما يقوم المهربون بدفعهم من القوارب قبل الوصول إلى الشاطئ ويكون عليهم السباحة للوصول إلى الشاطئ، وأخيرا يضعون أقدامهم على أرض باردة رطبة. بعضهم يكون في حالة صدمة، وبعضهم يعاني من انخفاض شديد في درجة حرارة الجسم، ومعظمهم يكونون في حالة جوع.
ومؤخرا قامت الحكومة اليونانية بفتح "نقطة ساخنة" للتسجيل خارج جزيرة خيوس؛ ويقوم مقاول بتوفير الطعام والماء لهم. ولكن مساحة هذه النقطة ليست كبيرة بما يكفي لتلبية الاحتياجات، لذلك يتم إرسال اللاجئين إلى تاباكيكا ويعهد بهم لمتطوعين – ليس الأمم المتحدة ولا الاتحاد الأوروبي ولا المنظمات غير الحكومية الدولية – يكونون هم المسؤولين عن شراء احتياجاتهم وطبخ الوجبات وتوزيعها لهم بسعر 50 سنتا للشخص الواحد.
ويستخدم المتطوعون الواتساب لإرسال الرسائل العاجلة: "مطلوب طعام لعدد 300 شخص في الميناء"، "عجز في السترات والجوارب والسراويل الرجالية"، "نحتاج إلى طبيب لشخص أصيب بكسر في ساقه"، "وصل قاربان على الشواطئ واللاجؤون غارقين من الرأس إلى أخمص القدمين، فهل يمكن إرسال ملابس جافة، خاصة للأطفال؟"
وفي حين أن الطعام وماء الشرب من الضروريات الأساسية بطبيعة الحال، فإن الدفء لا يقل أهمية في أشهر الشتاء. وأثناء توزيع البطانيات ، بعد أن تغرب الشمس، يكون اللاجؤون في حالة من اليأس، حيث يواجه الرجال والنساء المرهقين المتطوعين في كل منعطف، يسحبون البطاطين ويدفعون اللاجئين الآخرين ويصيح بعضهم "طفل رضيع، طفل رضيع" (يقصدون أن معهم طفلا رضيعا يحتاج إلى بطانية).
ولكن اسأل أي متطوع في أي مكان في اليونان، من لسبوس إلى أثينا إلى إيدوميني، وسيخبرك أنه حتى أكثر من المواد الغذائية والبطاطين، الأحذية من أهم السلع المطلوبة.
إن أحذية اللاجئين في حالة من الفوضى، أفسدها ملح البحر والرحلات الشاقة من الشرق الأوسط. واستبدالها ضروري جدا – فربما يكون مازال أمامهم مسيرات ثلجية طويلة قادمة. لذلك فإنهم يصطفون طلبا للأحذية؛ والمتطوعون يناضلون ويعانون من الحواجز اللغوية فيستخدمون إشارات اليد وبعض الإنجليزية المكسّرة والبطاقات المرقمة لمعرفة مقاسات الأحذية. وفي أكثر الأحيان يشير المتطوعون معتذرين إلى صندوق مليء بأزواج الأحذية غير المتطابقة، بعضها كبير جدا والبعض الآخر صغير جدا، والأحذية التي تناسب هي ضرب من الرفاهية.
"نفدت منا الأحذية! هل هناك أي أحد لديه أي أحذية؟" هكذا جاءت إحدى رسائل الواتساب.
إن أزمة اللاجئين في أوروبا هي مجرد بداية. وإن كان التوصل إلى تكامل في نهاية المطاف هو الهدف للتعامل مع هؤلاء الذين لا يمكنهم أبدا العودة إلى ديارهم، فإن الانطباعات الأولى مهمة، والانطباعات الأولى عن جزيرة خيوس نادرا ما تكون جيدة. فقط تصوّر الفرار من العنف والمخاطرة بالتعرض للموت على متن قارب صغير في البحر الأبيض المتوسط، فقط من أجل الكفاح للحصول على بطاطين وزوج ضيق من الأحذية. ورغم أن "النقطة الساخنة" الجديدة والنقاط الأخرى مثلها قد تعمل على تحسين الأمور في الوقت المناسب، فليس هناك ما يدعو كثيرا للتفاؤل.
إن المتطوعين في اليونان وأماكن أخرى يحاولون تحويل وضع مستحيل إلى وضع مقبول، فقط بتبرعات مادية ومالية محدودة. نعم ما يمكنهم عمله معا له أهميته ودوره، فعدم وجود هذه البطانية الرقيقة يولّد الاستيائ والإحباط، ولكن إن استطاع متطوع أن يوفر سترة دافئة وكوبا من الحساء الساخن لفتاة صغيرة فإنها هي ووالديها سيشعرون بالامتنان لشعب هذه القارة الذين احتضنوهم واستوعبوهم.
مستشار في مجال السياسة المائية الدولية للمنظمات غير الحكومية الدولية والأمم المتحدة، وعمل متطوعا في جزيرة خيوس في ديسمبر ويناير الفائتين.