هل تنجح قمة كيم - ترامب؟

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٥/مارس/٢٠١٨ ٠٥:١٣ ص
هل تنجح قمة كيم - ترامب؟

راميش ثاكور

في العام الفائت، كان زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب يتقاذفان الإهانات على نحو أشبه بتلامذة رياض الأطفال ــ فقال ترامب عن كيم: «إنه الرجل الصاروخ في مهمة انتحارية»، ورد عليه كيم بوصفه «مخرف أمريكا المختل عقليا» ــ في حين هدد بتحويل شرق آسيا إلى أرض قاحلها مخربة بفعل الدمار الذري. والآن، في تطور مذهل ومثير، من المقرر أن يلتقي الاثنان بحلول شهر مايو. ويُقال إن كيم على استعداد لنزع السلاح النووي ومتلهف إلى التحدث بشكل مباشر مع ترامب، الذي أعلن موافقته.

بيد أن الواقعية الحذرة لابد أن تخفف من التفاؤل المحيط بمثل هذه الأحداث. تُعَد كوريا الشمالية مشكلة نووية من الجحيم. ولا تستطيع كوريا الجنوبية ولا الولايات المتحدة السيطرة على السرد؛ وهنا تشكل تعريفات النجاح أو الفشل أهمية كبرى؛ وترامب مضطر إلى دخول المحادثات بلا استراتيجية خروج. الواقع أن السنوات الستين التي مرت منذ انتهت الحرب الكورية في العام 1953 ــ بوقف إطلاق النار ولكن دون التوصل إلى اتفاق سلام ــ أدت إلى تفاقم حالة الجمود المتزايدة الخطورة. ورغم أنه من غير المحتمل أن يشن أي من الجانبين هجوما نوويا متعمدا، فإن خطر اندلاع حرب نتيجة لسوء تواصل، أو سوء فهم، أو سوء تقدير، خطر حقيقي وقائم.

كانت كل التصريحات الرئيسية حتى الآن صادرة عن سول، وليس بيونج يانج أو واشنطن. فقد انتُخِب الرئيس مون جاي إن، المولود لأسرة من اللاجئين من كوريا الشمالية، على وعد بتبني نهج ثنائي في التعامل مع الشمال: العقوبات والدبلوماسية. وقد أدى هذا إلى المبادرة الأوليمبية والتي بموجبها حضرت كيم يو جونج، شقيقة كيم جونج أون دورة الألعاب الشتوية في بيونج تشانج، وخاض البلدان المنافسة كفريق واحد. وبعد ذلك، سافر مستشار مون لشؤون الأمن القومي، تشونج ايوي يونج، ورئيس الاستخبارات سوه هون إلى بيونج يانج وواشنطن، حيث أعلنا عن لقاء القمة وهما يقفان في حديقة البيت الأبيض مع سفير كوريا الجنوبية إلى الولايات المتحدة تشو يون جي، ولكن في غياب أي مسؤول أمريكي.أجرت كوريا الشمالية أولى تجاربها النووية الست في العام 2006. ويتألف برنامجها النووي من عناصر عديدة، وقد تنهار المحادثات حول ما يجب حظره، وما يمكن السماح به، وما ينبغي عكس اتجاهه، وفي مقابل أي تنازلات من الولايات المتحدة. فهل يستلزم الاتفاق تجميد قدرة كوريا الشمالية عند المستويات الحالية، أو نزع السلاح النووي الكامل الذي يمكن التحقق منه ولا يمكن الرجوع عنه؟ تتوقف الإجابة على دوافع كوريا الشمالية في الحصول على القنبلة والموافقة على المحادثات.
من منظور نظام كيم، كان الدرس الرئيسي المستفاد من مصير سلوبودان ميلوسيفيتش، وصدام حسين، ومعمر القذافي، هو أن الأسلحة النووية وحدها القادرة على تحييد الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة لتغيير النظام. لكن الولايات المتحدة لم تشن أي هجوم على كوريا الشمالية في العقود التي تلت العام 1953، عندما لم تكن تملك القنبلة. وعلى النقيض من ذلك، كانت القدرة النووية المتنامية لدى الشمال سبباً في دفع الولايات المتحدة إلى الاستعداد بهدوء للحرب بينما تمسكت بالأمل في القدرة على تجنبها. والعقوبات أداة فعّالة لإرغام كوريا الشمالية على الامتثال لمطلب الأمم المتحدة بالتخلي عن الأسلحة النووية، وقد يكون من الخطير أن نستنتج أن الآلام الناجمة عنها دفعت كيم إلى المحادثات.
على نحو مماثل، لم يفعل التهديد بشن ضربات عسكرية أمريكية شيئاً يُذكَر لتركيز ذهن كيم: وحتى المحللون الغربيون لا يعتبرون هذا التهديد جديرا بالتصديق. والواقع أن الولايات المتحدة تفتقر إلى القدرة على تحديد، وتعيين، وتدمير كل الفئات الثلاث من الأهداف النووية: الرؤوس الحربية، والبنية الأساسية لإنتاج القنابل، ووسيلة التوصيل. كما تمتلك كوريا الشمالية قدرات عسكرية تقليدية هائلة، وربما تصل تقديرات الخسائر البشرية في المجمل إلى 25 مليون شخص، اعتماداً على أنواع الأسلحة المستخدمة، والمسرح الجغرافي للنزاع، والدول التي قد تتورط فيه.
في شهر فبراير، قال مون: «يتعين على الولايات المتحدة أن تخفض سقفها للحوار، ويتعين على كوريا الشمالية أيضاً أن تُظهِر استعدادها لنزع السلاح النووي» كخطوة أولى حاسمة. لقد أصبحت القمة في حكم الممكن لأن الولايات المتحدة وافقت على هذه المشورة، وحولت مطلبها بنزع السلاح النووي، الذي كان شرطا مسبقا للمحادثات، إلى هدف للمفاوضات.
لكن كيم لن يثق في الضمانات الأمريكية الأحادية. ولهذا فإن أي اتفاق سوف يتطلب دعم الصين وروسيا، والمساعدات الاقتصادية ومساعدات الطاقة من اليابان وغيرها، والتأييد من قِبَل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وقد رحبت كل من الصين وروسيا بالأخبار حول المحادثات المباشرة، لكن اليابان غير مرتاحة.
سوف تستكشف كل الأطراف العناصر الستة التي يتألف منها الاتفاق الذي تسعى كوريا الشمالية إلى إبرامه: معاهدة سلام في محل الهدنة القائمة منذ العام 1953، والإعفاء الشامل من العقوبات، وإنهاء التدريبات العسكرية المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، والاعتراف الدبلوماسي، وقبول الأنشطة الفضائية لكوريا الشمالية، ومساعدات الطاقة النووية.يتعين على كوريا الشمالية أن توقف كل التجارب النووية والصاروخية حتى انعقاد القمة، وسوف تظل العقوبات قائمة. ولكن هل تعلق الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية المناورات العسكرية المشتركة؟ من منظور كوريا الشمالية، يعني نزع السلاح النووي بالكامل سحب الولايات المتحدة لوسائل الردع النووي الممتدة من شبه الجزيرة الكورية.الحق أن قمة كيم – ترامب فرصة يصعب انتهازها ويسهل إهدارها. على سبيل المثال، إذا سحب ترامب التصديق على الاتفاق النووي مع إيران في الثاني عشر من مايو، قبيل القمة، فيكاد يكون من المؤكد أن تدعو هذه الخطوة إلى التشكك في نوايا أمريكا وقدرتها على احترام الاتفاقيات الدولية التي جرى التوصل إليها عن طريق التفاوض.علاوة على ذلك، هناك مسألة عامة تتعلق بجهل ترامب، وافتقاره إلى الخبرة في عالَم السياسة الخارجية، والمناصب العديدة الشاغرة في وزارة الخارجية الأمريكية. فحتى الآن لا يوجد سفير أمريكي في سول، وفي وقت سابق من هذا الشهر، تقاعد الممثل الأمريكي الخاص لشؤون سياسة كوريا الشمالية جوزيف يون. وفي غياب أساس دبلوماسي عريض، فقد يتفوق كيم الماكر المراوغ على ترامب دهاء. لقد حصلت كوريا الشمالية بالفعل على دفعة دعائية قوية بفضل قرار المشاركة في الألعاب الأوليمبية الشتوية والاستعداد للجلوس مع ترامب، وسوف يضفي لقاء القمة مع الرئيس الأمريكي الشرعية على كيم.
غير أن ترامب أثبت كونه رجلا يتمتع بحس براجماتي، وليس إيديولوجيا. وقد يثبت نهج الصفقات الذي يتبناه أنه المفتاح إلى الحل. وسواء كانت دوافعه حقيقية أو تكتيكية، فقد أشاد مون على نحو مستمر بموقف ترامب الصارم المتمثل في فرض الحد الأقصى من الضغط باعتباره وسيلة مفيدة لاكتساب اهتمام كيم بحل دبلوماسي محتمل.علاوة على ذلك، لا يحمل ترامب أي إرث تاريخي، وقد يوفر أسلوبه الحاسم، حتى وإن كانت جذوره تمتد إلى تهور واندفاع، الاختراق اللازم للتغلب على عقود من الجمود المتراكم. وقد تكون قدرة ترامب على عكس اتجاهه وإنكار قيامه بذلك مفيدة بنفس القدر. فإذا كانت صفقة جيدة مطروحة على الطاولة، فلن يكون أي شيء فعلته الولايات المتحدة أو قاله ترامب في الماضي كافيا لمنعه من اغتنام الفرصة. بهذه الخيوط الواهية من الأمل يتعلق السلام النووي.

مساعد الأمين العام للأمم المتحدة سابقا، ويشغل حاليا منصب مدير مركز منع الانتشار النووي ونزع السلاح في الجامعة الوطنية الأسترالية.