خبراء يؤكدون على ضرورة الاهتمام بالتراث العماني والاستفادة منه

مزاج الأحد ٠٦/مارس/٢٠١٦ ٢٣:٤٥ م
خبراء يؤكدون على ضرورة الاهتمام بالتراث العماني والاستفادة منه

مسقط - ش

حبا الله عمان بالعديد من المقومات التي تزخر بها في شتى مناحي الحياة كالموقع الاستراتيجي المتميز والتنوع الجغرافي والمناخ المعتدل والإرث الحضاري الضارب في الجذور والكثير من المواقع التراثية الشاهدة على هذا التاريخ ومكانته بين الحضارات على مر العصور والأزمنة، ويعد الاهتمام بالتراث الثقافي العماني كأولوية وطنية نظرا لما يمثله من أهمية معرفية ومصدر مهم للثقافة المحلية يعزز دورها في الحياة المعاصرة ويحمل في طياته الدروس والعبر ويتضمن قيم تمثل هوية المجتمعات البشرية علاوة على أنه يشكل مصدرا من مصادر الدخل القومي هذا ما أكده الخبراء المشاركون في حلقة عمل الدولية للتراث الثقافي العماني ودوره في التنمية المستدامة التي أقامها مجلس البحث العلمي مؤخرا.
وفي وقتنا الحاضر وفي ظل الأوضاع الراهنة لانخفاض الأسعار العالمية للنفط تسعى كثير من دول العالم نحو إيجاد البدائل والحلول العلمية الناجعة التي تعمل على التنوع الاقتصادي وتستثمر البدائل المتاحة التي ترفد السوق بمنتجات ذات طابع محلي تعمل على رفع مستوى دخل الفرد وتحافظ على هويته وموروثاته الأصيلة، والسلطنة بدورها تملك الكم الهائل من المفردات الثقافية التي تعمل على استثمارها واستغلالها اقتصاديا عبر خلق هوية ثقافية مميزة للسلطنة تستطيع من خلالها الترويج لاستقطاب العديد من الاستثمارات في مختلف المجالات السياحية التي تخدم قطاع السياحة الثقافية ويؤكد إنشاء مجلس البحث العلمي للبرنامج الاستراتيجي لبحوث التراث الثقافي العماني بالتعاون مع الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون دليلا لتوجه السلطنة نحو الاستفادة من التراث الثقافي المادي وغير المادي والعمل على استثماره والمحافظة عليه وصونه للأجيال المقبلة.
وفي حلقة العمل الدولية بعنوان التراث الثقافي والتنمية المستدامة التي شارك فيها بعض المختصين من المؤسسات والأفراد العاملين بمجال التراث الثقافي من داخل السلطنة وخارجها الى جانب حضور أعضاء اللجنة التوجيهية لبرنامج بحوث التراث الثقافي العماني، قدم عدد من الخبراء المحلين ونظرائهم الدوليين (9) أوراق علمية تناولت دور التراث الثقافي في التنمية المستدامة، ولمعرفة تفاصيل أكثر عن هذا الموضوع كان لنا وقفة مع المتحدثين محاولة للتعرف عن قرب لأبرز النقاط والمحاور التي طرحتها الأوراق العلمية.
بداية كانت لنا وقفه مع عضو اللجنة التوجيهية للبرنامج الاستراتيجي لبحوث التراث الثقافي العماني د.عائشة الدرمكيه للحديث عن أهمية حلقة العمل والأهداف المرجوة من حلقة العمل حيث قالت د.عائشة الدرمكي أن الحلقة جاءت بهدف عرض تجارب الدول والمنظمات في كيفية إدارة مراكز بحثية في مجال التراث الثقافي، ومناقشة دور التراث الثقافي في التنمية المستدامة، بالإضافة إلى مشاركة الجهات المعنية والمهتمين في مجال التراث الثقافي العماني في صياغة الوثيقة النهائية لبرنامج التراث الثقافي العماني، وإيجاد روابط مشتركة وبناء علاقات بحثية مع المختصين والباحثين الدوليين في مجال التراث الثقافي.
وأضافت الدرمكية بأن البرنامج الاستراتيجي للتراث الثقافي العماني أسس ليكون وحدة تُعنى بالتراث الثقافي العماني وتوظيفـه فــي التنميــة المســتدامة مــن خــلال إجــراء دراسات علمية فــي التراث الثقافي العماني حسـب أولويات ومحاور محددة يعمل بها وتفيد في التنمية المستدامة، وحفظ وتوثيق مواد التراث الثقافي العماني والبحوث العلمية في هذا المجال، ولبناء قدرات وكفاءات في المجال البحثي للتراث الثقافي، وإيجــاد شـراكة وسـبل تعاون في المجالات البحثية بين مجلس البحث العلمي ومختلف الجهات الحكومية، الى جانب تعزيز دور التراث الثقافي في الثقافة المحلية والمساهمة في نشـر وتسويق مواد التراث الثقافي المادي وغير المادي.
وفيما يتعلق بالمشروعات البحثية لبرنامج التراث الثقافي العماني تقول الدكتورة عائشة الدرمكي أن البرنامج سوف يشمل (6) مشاريع بحثية في مجالات مختلفة كالشخصيات العمانية وتاريخ الأمكنة العمانية والأدوات الصناعية عبر التاريخ واللهجات واللغات في عمان والتاريخ العماني والحكايات والأساطير المتعلقة بالأمكنة.
مدير عام مساعد للآداب والفنون بوزارة التراث والثقافة السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي قال خلال ورقته العلمية التي ألقاها في حلقة العمل حول أهمية التراث الثقافي غير المادي ودوره في التنمية أنه يمكن للسلطنة استثمار العديد من العناصر الثقافية استثمارا اقتصاديا عبر ابتكار هوية ثقافية مميزة للسلطنة تستطيع من خلالها الترويج لاستقطاب العديد من الاستثمارات في مختلف المجالات السياحية التي تخدم قطاع السياحة الثقافية و جذب اكبر عدد من السواح كذلك يمكن استثمار وتنمية العديد من الحرف والمهن التقليدية كأنشطة اقتصادية منظمة ذات عائد مادي كبير بالإضافة الى تنظيم عمل الممارسين في مجالات الفنون الشعبية ودعمهم لجعل هذه الفنون ذات عائد مادي مجز.
وتحدث السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي في ورقته العلمية بعنوان واقع التنمية الثقافية في السلطنة والتي قال فيها بأن السياسات الحكومية في التنمية الثقافية تعتبر من العناصر المهمة لدعم وبناء القواعد الأساسية لإقامة المشاريع الثقافية، لذلك تسعى الحكومات ومن خلال خططها وبرامجها الاقتصادية الى ادماج "الثقافة الشعبية" في المشروعات الاستراتيجية العامة لذلك نجد السلطنة من الدول العربية السباقة في الاهتمام بالتراث والثقافة وادراج القطاع الثقافي كأحد ابرز القطاعات التنموية المهمة عبر انشاء المؤسسات المعنية بالشأن الثقافي ودعمها على سبيل المثال انشاء الهيئة العامة للصناعات الحرفية والتي تعكس البعد الاقتصادي في جانب الحرف التقليدية وانشاء دار الاوبرا السلطانية مسقط لتكون منارة اشعاع حضاري وثقافي للإسهام في خدمة العمل الثقافي بالسلطنة وإبراز السلطنة كواجهة حضارية وثقافية وإنشاء العديد من المتاحف المتخصصة وترميم القلاع والحصون والابراج وصيانة الأماكن الاثرية والتي تعد فضاءات ثقافية مهمة ورافدا مهما للقطاع السياحي والتعليمي بالسلطنة، بالإضافة الى إقامة مهرجانات الهجن والخيل في مختلف محافظات السلطنة على مدار العام.
أما د. أحمد مرسي من جمهورية مصر العربية ركز خلال ورقة العمل التي قدمها حول التراث الثقافي غير المادي والتنمية المحلية المستدامة على أن الاهتمام بالثقافة ينبغي ألا يقتصر على ما ينتجه الفنانون والمبدعون والأفراد المتميزون من إبداعات رائعة وإنما يجب الاهتمام بكل ما يتعلق بالتراث والثقافة من معارف وعادات ومهارات وسنن تقليدية وغيرها. كذلك دعا د. أحمد مرسي إلى المسارعة في حفظ وصون وتنمية هذا التراث، مشيرا بأن دائما ما يثار مسألة كيف يمكن تسليع التراث الثقافي؟ ويرى د أحمد مرسي بأن المسألة ليست في التسليع وإنما هنالك عناصر في هذا التراث يمكن أن تكون مصدرا لتأكيد مجموعة من القيم وأنماط السلوك وأشكال الحياة التي ربما لا يعرفها الأجيال المعاصرة نتيجة انقطاعها عن دراسة هذا التراث بأشكاله المختلفة سواء كانت على شكل أغاني شعبية او حكايات أو أمثال او ألغاز أو سنن أو معارف تقليدية استخدمها الإنسان في شتى جوانب الحياة وكانت تسهل أمور حياته الطبيعية الأمر الذي يمكن أن تصبح بالمحافظة عليها وبعقل رشيد وفكر متفتح أن تقدم في عصرنا الحالي بشكل جميل دون أن تفقد جوهرها الأصيل وتساهم في تنمية الدخل وتوفر الكثير من الحلول للمشكلات اليومية، فعلى سبيل المثال نحن نرى بأن الأباء والأمهات لم يعودوا يروون القصص والحكايات الشعبية للأطفال وإنما اعتمدوا على ما تنتجه شركات الكرتون(الرسوم المتحركة) من أفلام متناسين ما تنتجه هذه الشركات من مواضيع هل تتناسب مع عاداتنا وهويتنا وقيمنا الإسلامية أم لا ولو أمعنا النظر إلى تراثنا لوجدنا نماذج مختلفة ورائعة كقصص السندباد وعلاء الدين وغيرها من القصص التي تحمل في طياتها الطيب والأخلاق الحسنة والاحترام والقيم والعادات النبيلة لهذا نحن ندعو إلى الاستفادة من تراثنا العربي الأصيل وإخراجه بما يتناسب مع ظروفنا الراهنة.
وعلى صعيد متصل يرى د. سعيد بن محمد الصقري من جامعة السلطان قابوس بأن هنالك قيمة حقيقية يمكن استغلالها في التراث الثقافي خاصة وأنه ليس وليد اليوم وإنما تراث قديم يجب المحافظة علية واستثماره وتحويله إلى قيمة حقيقية تدر عائد ودخلا جيدا وتحقق المردود الإيجابي والاقتصادي على حد سواء، كذلك يرى الدكتور سعيد بأن إقامة مثل هذه الملتقيات والندوات لها دور كبير في إيجاد الحلول لتحويل التراث الى صناعة مع ضرورة التركيز على العلاقة بين الخصخصة وبين دور الحكومة في الإشراف على الجوانب المرتبطة بالتراث.
ومن جانب أخر قدم جمال الموسوي ورقة علمية بعنوان إدارة التراث الثقافي في سلطنة عُمان المتحف الوطني نموذجًا تحدث فيها عن المتحف الوطني الذي يعمل على تحقيق رسالته التعليمية والثقافية والإنسانية من خلال ترسيخ القيم والعادات العمانية النبيلة وتفعيل قيم الولاء والانتماء والارتقاء بالوعي العام لدى المواطن والمقيم والزائر من اجل عمان وتاريخها وتراثها وثقافتها والعمل على تنمية قدراتهم الإبداعية والفكرية ولاسيما في مجالات الحفاظ على الشواهد والمقتنيات وإبراز الأبعاد الحضارية للسلطنة عن طريق توظيف واعتماد افضل الممارسات والمعايير المتبعة في مجالات العلوم وتقديم الرؤية والقيادة للصناعة المختفية بالسلطنة.
الجدير بالذكر أن اللجنة التوجيهية للبرنامج الاستراتيجي لبحوث التراث الثقافي العماني برئاسة معالي رئيس الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، وتضم ممثلين عن وزارة التراث والثقافة، والهيئة العامة للصناعات الحرفية، والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ومجلس البحث العلمي، ومركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، والمتحف الوطني، واللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم، وخبير من جامعة السلطان قابوس والجامعة العربية المفتوحة.