د. محمد رياض حمزة
وزارة القوى العاملة
تتعرض منشآت القطاع الخاص إلى الخسائر بسبب الغياب المفاجئ لعامل أو لعدد من القوى العاملة على خطوط الإنتاج أو من منافذ التسويق أو من مكاتب تقديم الخدمات المباشرة. وتلك الحالة التي تعرف بدوران العمل ولابد أن تكون هناك مسببات لعدم استقرار القوى العاملة، ومع ذلك فإن عدد القوى العاملة الوطنية في القطاع الخاص بلغ 828 ألفا و222 مواطن ومواطنة في نهاية يناير 2016، وخلال الشهر سجل مؤشر سوق العمل لوزارة القوى العاملة استقالة 5671 من القوى العاملة الوطنية.
ويطلق على مثل هذه الحالات «دوران العمل» بمعدل ترك الخدمة، ويترك العاملون أعمالهم لعدة أسباب أهمها: الاستقالة والنقل والترقية والعجز والفصل والمرض أو الوفاة ويختلف معدل دوران العمل وفقا لنسبة العاملين الذين يتركون العمل خلال فترة عملهم فعلى سبيل المثال فانه إذا تبين ارتفاع معدل دوران العمل للعاملين الجدد فإن ذلك يقتضى ضرورة تعديل سياسة الاختيار والتعيين والتوجيه وأساليب تقديم الفرد التوجيه إلى عمله لمساعدته على التوافق مع جماعة العمل بينما إذا اتضح أن معدل دوران العمل للعاملين الذين التحقوا بالوظيفة منذ فترة طويلة فانه يجب أن توفر الإدارة فرص التقدم والترقية والنمو بمعدلات اكبر إلى جانب تعديل سياستي الأجور وتوفير فرص الرعاية الاجتماعية للعاملين.
ويعكس دوران العمل وجود مشكلات في ظروف العمل أو في علاقاته تؤدى إلى عدم الرغبة في مواصلة العمل بالشركة أو في إحدى إداراتها ويمكن أن يكون دوران العمل سببه التنقل الداخلي أي الانتقال من قسم إلى أخر أي ما يطلق عليه التسرب الداخلي وقد يكون خارجيا أي ترك الشركة والانتقال إلى شركة أخرى. وتقوم إدارة الموارد البشرية بصورة دورية بمراقبة معدلات ترك العمل، ويطلق عليه اصطلاحا معدل دوران العمل، ويتم حساب هذا المعدل من خلال تقسيم عدد العاملين الذين تركوا الشركة خلال العام على العدد الإجمالي للعاملين، وتكتسب هذه العملية أهميتها من جراء ما يسببه ارتفاع معدل دوران العمل من تكاليف باهظة، وفي العادة تكون معدلات دوران العمل في القوى العاملة غير الماهرة أعلى من غيرها ولكن تأثير ذلك في أداء الشركة محدود لسهولة إحلالها بقوى عاملة أخرى، ولكن المشكلة تصبح جدا خطيرة مع القوى العاملة الماهرة والمحترفة حتى وإن كان معدل دوران العمل فيها منخفضا، لأن الشركة تفقد بفقدانهم التأهيل والتدريب والمهارة التي يتمتعون بها، كما أن هذه الفئة عندما تترك العمل فإنـــها تذهب للعمل في مجال الصناعة نفسه لدى المنافسين وهذا يشكل ضررا كبيرا على الشركة التي خسرتهم.
ويعتبر ارتفاع معدل دوران العمل مؤشرا على عدم رضا العاملين عن مستوى الرواتب والأجور لذلك يقرر بعضهم ترك العمل والبحث في مكان آخر عن رواتب وأجور ذات مستوى أفضل، وفي حالات أخرى تكون قرارات ترك العمل مرتبطة بعدم الرضا عن السياسة المطبقة لإدارة الرواتب والأجور والفرص المتاحة للتطور الوظيفي، وقد تتسبب عوامل أخرى في ارتفاع معدل دوران العمل كبيئة العمل غير الآمنة أو غير صحية أو موقع العمل النائي، ولكن تأثير هذه العوامل مقتصر بدرجة كبيرة على القوى العاملة غير الماهرة، أما القوى العاملة الماهرة والمحترفة فالتأثير الأكبر في قراراتها في ترك العمل يعود إلى عدم رضاها عن إدارة الرواتب والأجور والفرص المتاحة للتطور الوظيفي، وبما أن هذه النوعية ذات أهمية كبيرة للشركات لما تمتلكه من مهارة وتأهيل وخبرة مؤثرة في أداء وإنتاجية الشركة فإن ذلك يجعل إدارة الرواتب والأجور تحمل الأهمية والتأثير نفسه، لأن إدارتها الجيدة هي سبب محافظة الشركة على مصدر ثروتها الحقيقي المتمثلة في رأس المال البشري، فدون القوى العاملة الماهرة والمؤهلة تتراجع الأعمال بصورة حادة وهذا ما تتجنب الوقوع فيه الشركات فتحرص على إدارة الرواتب والأجور بمهنية عالية جدا لعلمها الجيد بحجم التأثير الذي تتركه في قرارات ترك العمل.
وهناك نوعان من الخسائر الناتجة عن ارتفاع معدل دوران العمل، خسائر مباشرة مثل تكاليف ترك العمل وما يتطلبه من مصاريف لتدريب البديل وتكاليف إحلال تارك العمل، وما يتطلبه من صرف على إجراءات التعيين الطويلة خاصة للمؤهلات والمهارات العالية وكذلك تكاليف المرحلة الانتقالية التي يتم فيها التأقلم مع غياب العامل المتمكن من العمل وانتقال مسؤوليته إلى موظف جديد، وهناك خسائر غير مباشرة مثل الخسائر في الإنتاج بسبب تكرار أخطاء العمل لنقص المهارة والتدريب وانخفاض مستوى الأداء وتكاليف ساعات العمل الإضافي غير الضرورية، فقط لاعتبارات نقص الكفاءة، وكذلك انخفاض الروح المعنوية وما يترتب عليها من آثار جانبية في الإنتاجية أمور كثيرة لو حسبت تكاليفها بدقة لفاجأت نتائجها المسؤولين في هذه الشركات ولما ترددوا يوما واحدا في تصحيح الطريقة التي تدار فيها الرواتب والأجور في سبيل تجنب هذه الخسائر. عندما يرتفع معدل دوران العمل يترتب على ذلك خسائر أخرى بخلاف الخسائر المادية التي أشرنا إليها آنفا يأتي في مقدمتها تحول هذه الكفاءات للعمل لدى الشركات المنافسة، وكل شركة أيا كان مستوى حجمها تعلم جيدا مدى الضرر الذي يمكن أن يصيبها من جراء هذا الانتقال، فالخسائر لا تقف عند خسارة المؤهلات والمهارات التي يتمتع بها هؤلاء العاملون، بل قد تمتد إلى خسائر أشد تأثيرا نتيجة للانكشاف الذي يطول الأسرار المهنية والخطط الاستراتيجية التي شارك الموظفون في إعدادها أو اطلعوا عليها بحكم وظائفهم، فتجتمع على الشركة خسارتان خسارة الكفـــاءات وخســــارة أسرار العمل وهـــاتان الخسارتان لا تقدران بثمن لعظم تأثــــيرهمــــا في الشركة.