محمود بن سعيد العوفي
لا تزال أسعار خام النفط دون المستوى الذي وضعته مجمل موازنات دول الخليج عامة والسلطنة خاصة، كأسعار متوقعة للبرميل، والتي تعتمد اقتصادياتها بشكل رئيسي على قطاع النفط، حيث يشكل نسبة كبيرة من الناتج المحلي الإجمالي والإيرادات والصادرات، الأمر الذي يجعلنا أكثر تأثراً.
ورغم أن تراجع أسعار الذهب الأسود في الأسواق العالمية ألقى بظلاله على القطاعات الاقتصادية، وتأثرت به الإيرادات التي انخفضت بشكل ملاحظ، علاوة على تأثيراته النفسية على الأفراد، إلا أن هذا التراجع كما يرى الخبراء يمثل فرصة حقيقية خاصة لتنويع مصادر الدخل بدلا من الاعتماد على النفط والغاز كمصدر رئيسي للإيرادات.
ولم يعد هبوط أسعار النفط بالمفاجئ أو الغريب وإنما اصبح شيء طبيعي تماماً، حيث تتحرك الأسعار بقفزات بطيئة وتستقر حول مستوى متدن، كما حدث خلال العامي 1986 - 2000، ولكي ندرك إلى أين تتجه أسعار النفط ينبغي أن نتفهم العوامل الأساسية التي تحكمها، أو ما يطلق عليه آليات السوق «العرض والطلب»، والمخزون النفطي التجاري الذي تحتفظ به الشركات لمواجهة الطوارئ، وكذلك المخزون الإستراتيجي.
ويأتي بعد ذلك العديد من العوامل القصيرة الأمد التي يزول أو يخف وقعها على الأسعار تبعا لحدة وطول بقائها، ومن أمثلة تلك العوامل الاضطرابات الجيوسياسية والأمنية التي تسود المنطقة ومن ثم المضاربات التي يتربح منها خبراء البورصات العالمية بأسلوب المراهنة على أسعار النفط، بيعا وشراء، فيما يعرف بالبراميل «الورقية» التي يزيد عدد صفقاتها على خمسة أمثال صفقات التعامل في النفط الحقيقي.
وعلى امتداد ربع القرن السابق لأكتوبر 1973 لم يتجاوز نصيب الدول المصدرة للنفط 85 سنتا للبرميل في ظل سيطرة الشركات العالمية على الموارد النفطية في العالم، وكما هو معروف فقد استمرت أسعار النفط ثابتة من حيث قيمتها الاسمية عند 1.80 دولارا للبرميل على امتداد ربع القرن السابق على حرب أكتوبر 1973، كما لم يتجاوز نصيب الدول المصدرة للنفط 85 سنتا للبرميل في ظل سيطرة الشركات العالمية على الموارد النفطية في العالم.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن يقصر إجمالي العرض العالمي من النفط بحلول 2020 عن مواجهة الطلب العالمي المتزايد، فإن الاحتياطيات النفطية العالمية المؤكدة تبلغ نحو 959 بليون برميل وذلك بنقص 11 بالمئة عن التقديرات التي تتبناها «أوبك» وجهات أخرى، كذلك تقدر احتياطات «أوبك» النفطية المؤكدة بنحو 612 بليون برميل وهو ما يقل بنحو 28 بالمئة عما هو شائع ومعلن.
وإذا ألقينا نظرة على الطلب العالمي للنفط حاليا، بعيداً عن السوق الهندية والصينية، فإن الأمر لا يقلّ سوءاً، فأوروبا لن يعود الطلب على النفط قوياً فيها كما كان من قبل، كما أن النمو البطيء في الاقتصاد الأمريكي لن يرفع الطلب على النفط أيضا، بينما في بلدان الشرق الأوسط، انخفض استهلاك المحروقات بسبب رفع الحكومات أسعارها، أو رفع الدعم عن مشتقاتها.
وبرغم سواد هذه الصورة، فإن الدول المصدرة للنفط لم تكن تظهر حماسة لخفض الإنتاج إلى أن ظهرت بوادر تفيد باحتمال حصول ذلك، وهذا الأمر يدفع شركات النفط التي تستخرجه بكلف عالية إلى التوقف عن الإنتاج، ويتوقع أن يظل الأمر على هذه الصورة حتى منتصف العام 2017، عندما يعود التوازن إلى عاملي العرض والطلب.
أما بالنسبة للعام الجاري والتقلبات التي تحدث فيه، فقد خفض البنك الدولي توقعاته لأسعار للنفط الذي يستحوذ على حصة رئيسية من إمدادات الطاقة بالعالم إلى مستوى 37 دولارا للبرميل بانخفاض قدره 14 دولارا عن السعر المستهدف السابق، عازيا ذلك إلى ضعف الطلب من الاقتصادات الناشئة.
فتوقعات انخفاض أسعار النفط لم تقف عند البنك الدولي بل شملت عدد كبير من بيوت الخبرة منها موديز وغولدمان ساكس وباركليز انتهاء بجدوى للاستثمار السعودية التي عدلت تقديراتها لمتوسط أسعار برنت للعام الجاري ككل بخفضها من 47 دولاراً للبرميل إلى 33 دولاراً، كما خفضت تقديراتها للأسعار العام 2017 من 58 دولاراً للبرميل إلى 44 دولاراً للبرميل بسبب ضعف نمو الطلب العالمي على النفط.
وبلغ متوسط سعر بيع خام نفط عمان بلغ 34.76 دولاراً للبرميل خلال الربع الأول من العام الجاري 2016، وسجلت العقود تسليم شهر يناير أعلى مستوى هذا العام عند 42.28 دولاراً للبرميل ثم نزلت عقود تسليم فبراير إلى 34.59 دولاراً للبرميل وهبطت أكثر إلى 27.40 دولاراً للبرميل في عقود تسليم شهر مارس.
في تقديرنا أن السعر الذي يحقق الغاية ينبغي أن لا يقل في الوقت الحاضر عن 50 دولاراً للبرميل، وهو ما يعادل الـ12 دولاراً التي وصل إليها السعر العام 1973 وذلك بعد زيادته بمعدل 5 بالمئة سنويا لمواجهة التضخم وانخفاض قيمة الدولار.
ونأمل في عودة أسعار النفط إلى معدلاتها السابقة، إذ إن عودة النمو الصيني إلى معدلاته الطبيعية وكذلك النمو في أسيا وأوروبا وارتفاع معدلاته في أمريكا يمكن أن يسهم في زيادة الطلب على الطاقة وارتفاع الأسعار.