ثورة التعليم في فرنسا

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٣/مارس/٢٠١٨ ٠٤:٢٩ ص

فيليب أغيون
بينيديكت بيرنر

منذ إلغاء ضريبة الثروة وفرض ضربة ثابتة على المكاسب الرأسمالية، ذهب معارضو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تشبيهه بطريقة خبيثة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي خفض الضرائب على الأمريكيين الأكثر ثراء في ديسمبر. حتى أن بعض أشد منتقديه قسوة وصف ماكرون بأنه «رئيس الأثرياء».

لا شيء قد يكون أبعد عن الحقيقة من هذه الادعاءات. فإذا استعرضنا أجندة ماكرون الإصلاحية سنجد أنها تقدم نهجاً جديداً واعداً في التعامل مع فجوة التفاوت وركود الحراك الاجتماعي في فرنسا. وعلى أي مستوى، من الصعب أن نقارن بين الولايات المتحدة وفرنسا في ما يتصل بمثل هذه القضايا. فعلى الرغم من اتساع فجوة التفاوت في الدخل في فرنسا منذ العام 1990، فإنها تظل أقل اتساعاً من نظيراتها في الدول المتقدمة الأخرى.

على وجه التحديد، نجد أن نسبة أعلى 10%على جدول توزيع الدخل إلى أقل 10%دخلا أعلى بنحو خمس مرات في الولايات المتحدة مقارنة بفرنسا (انظر الرسم البياني). وعلاوة على ذلك، فإن معدل الفقر في فرنسا (13.6%) أقل من نظيره في السويد (14.5%) وألمانيا (16.7%). ومعدلات الفقر في كل هذه الدول الأوروبية الثلاث أقل من المعدل في الولايات المتحدة.

مع ذلك، ورغم أن فرنسا توفر التعليم المجاني لكل الأطفال من رياض الأطفال إلى المرحلة الثانوية، فإن الحراك الاجتماعي يظل منخفضاً. يرتبط الأصل الاجتماعي بشكل أكثر إيجابية بالنتائج التعليمية في فرنسا مقارنة بأي دولة أخرى في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وأكثر من 20%من الأطفال الفرنسيين من الأسر العمالية يتسربون من التعليم قبل الحصول على أي شهادة، مقارنة بنحو 7%فقط من أطفال كبار المديرين أو المسؤولين التنفيذيين.

ونظام التعليم العالي في فرنسا فريد من نوعه، ويرجع هذا إلى الفجوة العميقة بين جامعاتها وقِلة من مدارس النخبة المعروفة باسم «المدارس الكبرى». تنفق المدارس الكبرى على كل طالب أكثر كثيرا مما تنفقه الجامعات، وهي بالتالي توفر تدريباً مهنياً أفضل كثيراً. والواقع أن 27%فقط من الطلاب في الجامعات يحصلون على درجة بعد ثلاث سنوات، ويصبح 25%إلى 30%من الخريجين عاطلين عن العمل بعد عام من تركهم المدرسة. لكن الأمر الأكثر أهمية هو أن 2.7%فقط من الطلاب في المدارس الكبرى، اعتباراً من العام 2017، ينتمي آباؤهم إلى السلم الاجتماعي الاقتصادي الأدنى، في حين ينتمي إليه آباء 66%من طلاب الجامعات.

من جانبه، يدرك ماكرون أن هذا النظام لابد أن يتغير من أجل معالجة فجوة التفاوت وركود الحراك الاجتماعي، وحفز النمو الأكثر شمولية في الأمد البعيد. وسوف تؤكد إصلاحاته بقدر أكبر من أي وقت مضى على تعليم المهارات الأساسية ــ القراءة، واللغة، والحساب ــ في المرحلة الابتدائية. وبعد سبتمبر 201، لن يكون عدد الطلاب في الفصول المدرسية في الأحياء الفقيرة أكثر من 12 طالباً.
كما تستثمر حكومة ماكرون بشكل كبير في برامج التدريس وغير ذلك من التدابير لمساعدة الأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم، والسماح بأداء قدر أكبر من الواجبات المدرسية في المدرسة. وتنشئ حكومة ماكرون أيضا نظاما جديدا لتسهيل الانتقال من المدارس الثانوية إلى الجامعة.
حتى الآن، كان الطلاب يرسلون إلى الجامعات من خلال نظام يانصيب، والذي يفشل غالبا في إرسال الطلاب إلى الكلية أو الفرع المناسب. ولكن بعد تنفيذ إصلاحات ماكرون، سوف يصبح أداء الطلاب في المدرسة والموضوعات المفضلة العوامل المحددة في الالتحاق بالجامعات. وسوف يركز الامتحان النهائي، البكالوريا، على موضوعين رئيسيين، وموضوعين فرعيين، وامتحان شفوي، بدلا من تغطية 10 إلى 15 موضوعاً مختلفاً. وللحد من معدل الفشل على مستوى شهدة البكالوريوس، سوف تفرض الإصلاحات أيضا متطلبات مسبقة من كل جامعة، بدلا من ضمان الأهلية للجميع. وكل هذا يجعل فرنسا أقرب إلى دول مثل السويد وألمانيا، حيث البطالة أقل كثيراً.
لقد خالَف ماكرون «اليسار القديم» في ما يتصل بالضرائب. ولكن كما تُظهِر أجندته التعليمية، فإن هذا يرجع إلى تفكيره في التفاوت بين الناس بطريقة جديدة تماماً، طريقة تسعى إلى التوفيق بين النمو والحراك الاجتماعي. فلابد من معالجة التفاوت بين الناس من جذوره، وهذا يعني أنه يتطلب حلا مسبقا مثل التعليم، وليس تدابير تالية مثل الضرائب التي تهدف إلى إعادة التوزيع. ولهذا السبب، يركز ماكرون بشكل كبير على تحسين التعليم على أدنى المستويات، وعلى تيسير الانتقال من المدرسة إلى سوق العمل.
علاوة على ذلك، لا يبدو الأمر وكأن الضريبة الثابتة على المكاسب الرأسمالية قد تعوق الحراك الاجتماعي أو تزيد من الفقر. الواقع أن متوسط المعدل السنوي لنمو الإنتاجية في السويد ازداد بمقدار أربعة أضعاف منذ تبنت نفس النظام الضريبي في العام 1991.
لم يشهد الحراك الاجتماعي في فرنسا أي تغيير كبير منذ العام 1991. ومن خلال الابتعاد عن نظام الأهلية الشاملة على المستوى الجماعي والانتقال إلى نظام أكثر ملاءمة لكل الطلاب بعد المدرسة الثانوية، تُصبِح فرنسا قادرة على الاستفادة من مساواة حقيقية وقدر أعظم من الحراك الاجتماعي. لقد انطلقت ثورة ماكرون.

فيليب أغيون: أستاذ في كلية لندن للاقتصاد

بينيديكت بيرنر: مُحاضِرة في معهد باريس للدراسات السياسة