جدلية الختان في الغرب

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٣/مارس/٢٠١٨ ٠٤:٢٨ ص

سيث د. كابلان

لقد أثار مشروع قانون لحظر الختان غير الطبي في آيسلندا غضب اليهود والمسلمين. هناك أسباب وجيهة تدعو إلى القلق: كانت هناك أيضا دعوات إلى حظر طقوس الختان في هولندا والدول الاسكندينافية. يتعرض الأطباء في المملكة المتحدة لضغوط من أجل دعم الحظر أيضا؛ وقد نسي بعضهم أن شرعية الممارسة قد واجهت تحديا في ألمانيا في العام 2012.

وقد تعرض الختان لانتقادات بصورة متزايدة في أوروبا، وذلك لأن تعريف حقوق الإنسان يشمل سلامة الأطفال البدنية، في حين أن تعريف الحرية الدينية يقتصر بصورة متزايدة على العبادة والدين.

ومع ذلك، إذا لم يتم التعامل مع هذا التغيير في التسلسل الهرمي للحقوق بحذر، فإن شرعية مشروع حقوق الإنسان برمته يمكن أن تتعرض للخطر.
ووفقا لسيلجا دوغ غونارسدوتير، النائبة البرلمانية للحزب التقدمي التي أطلقت القانون الأيسلندي، فإن القضية تتعلق أساسا بـ «حقوق الطفل، وليس حرية المعتقد». وتعتقد غونارسدوتير على أن «لكل شخص الحق في الاعتقاد بما يريد»، لكنها تصر على أن «حقوق الأطفال أهم من الحق في الاعتقاد».
ومن جانبه، قال الإمام أحمد صديق عن المركز الثقافي الإسلامي في آيسلندا، أن الختان هو جزء من العقيدة الإسلامية، وأن مشروع قانون غونارسدوتير يشكل «مخالفة للحرية الدينية».
وقد حذر أغنيز م. سيغوراردوتير، أسقف آيسلندا، أن الحظر سيحول دين اليهودية والإسلام إلى «أديان مجرمة»، لأن أي شخص يمارس الختان يمكن أن يعاقب بالسجن لمدة ست سنوات.
ومما يجعل الأمور أكثر تعقيداً، أن الطرفان يبنيان حججهما على حقوق الإنسان.
على سبيل المثال، فقد أشار بعض مؤيدي الحظر إلى أن الختان ينتهك المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أنه «لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب أو للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة». ووفقا للمؤيدين، ينطبق مصطلح «المعاملة» على الختان.
وفي الوقت نفسه، أشار بعض المدافعين عن هذه الممارسة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولاسيما المادة 18 التي تنص على أن «لكل شخص الحق في حرية الفكر والوجدان والدين».
وعلاوة على ذلك، فإن المادة 18 تُعرف هذا الحق على نطاق واسع: لكل فرد «الحرية، إما بمفرده أو مع جماعة أخرى أو في القطاعين العام والخاص، في إظهار دينه أو معتقده في التدريس والممارسة والعبادة والالتزام». ويبدو أن مصطلح «الممارسة» يشمل أيضا الختان.
ولتوضيح التناقضات في تفسير حقوق الإنسان، يجب مراعاة السياق من أجل تحقيق التوازن بين حقوق والتزامات سكان المجتمعات المختلفة بصورة متزايدة. وفيما يتعلق بالختان، لا تقتصر الصراعات على الحرية الدينية والسلامة الجسدية للفرد فحسب، بل تمتد أيضا إلى الصراع بين حقوق الوالدين وسلطة الدولة، التعددية الثقافية ضد القومية والاختلاف بين الأخلاق الدينية والعلمانية.
وعلاوة على ذلك، تعطي المجتمعات المختلفة الأولوية لحقوق الإنسان بشكل مختلف. وبالنسبة للبعض، فإن الإطار المعنوي الذي توفره حقوق الإنسان كاف في حد ذاته. غير أن لغة حقوق الإنسان، كما قال وليام غالستون من مؤسسة بروكينغز: «لا تستنفد مجال القيم الأخلاقية والروحية».
وبعبارة أخرى، تلعب الثقافة دوراً في تفسير حقوق الإنسان أكبر بكثير مما يعتقده الكثيرون. وهذا يعني أن على المدافعين عن حقوق الإنسان أن يكونوا حذرين عند تقييم الممارسات ذات الجذور الثقافية أو الدينية العميقة. وكما أشار عالم النفس الثقافي ريتشارد شويدر، فإن الختان لعب دوراً في الصراعات بين الأوروبيين والشرقيين لعدة قرون.
وهكذا، فإن الثورة اليهودية ضد الحكم اليوناني في القرن الثاني قبل الميلاد، والتي يحتفل بها سنويا من قبل اليهود في شكل مهرجان هانوكا، كان سببها جزئيا مرسوم فرض الختان تحت عقوبة الإعدام.
وفي الوقت نفسه، تطورت تفسيرات حقوق الإنسان في البلدان الغربية كجزء من تحول ثقافي أوسع نحو النزعة الفردية والعلمانية، مما أدى إلى معارضة مجموعة متنوعة من الممارسات الدينية.
إن مسألة الختان هي مقياس لما إذا كانت المجتمعات الغربية لا تزال تقدر الحرية الدينية بما يكفي لاحتضان مجموعة واسعة من المعتقدات والممارسات.
وكان الختان جزءا لا يتجزأ من الهوية الثقافية والمعتقدات الدينية لأجزاء كبيرة من العالم منذ آلاف السنين.

وتنبئ الخطوة الحالية لإلغائها في الغرب بمزيد من تضييق نطاق الحرية الدينية.

ويكمن الخطر في أن اختيار بعض الحقوق بغرض تعزيز القواعد العلمانية يقوض المشروع الكامل لحقوق الإنسان، والذي يهدف إلى توحيد شعوب العالم وتحسين حياتهم من خلال فهم مشترك للحد الأدنى للشروط اللازمة لتعزيز «الكرامة المتأصلة» والمساواة بين «جميع أفراد الأسرة البشرية».
وليس ذلك فحسب، بل يقوض مصداقية النظام الليبرالي القائم على التسامح إزاء التنوع والأقليات.
ومن شأن حظر الختان في الغرب أن يكون خروجاً كبيراً عن هذا التقليد.
وكما أظهرت الولايات المتحدة تاريخيا، فإن التسامح هو وضع تعريف أوسع لحق الناس في ممارسة ديانتهم، أو ممارسة هويتهم الثقافية على نحو مختلف، وذلك وفقا لمعتقداتهم، بغض النظر عن ما إذا كانت هذه المعتقدات «صحيحة» أم «خاطئة».
محاضر أستاذ في مدرسة بول نيتز للدراسات

الدولية المتقدمة في جامعة جونز هوبكنز.