الأزمة الخليجية ليست عابرة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٠٧/مارس/٢٠١٨ ١٠:٢٦ ص
الأزمة الخليجية ليست عابرة

فريد أحمد حسن

في يناير الماضي وخلال جلسة حضرها رؤساء برلمانات دول مجلس التعاون الخليجي قال رئيس مجلس الأمة الكويتي، مرزوق علي الغانم: إن بشائر اللحمة والتصافي بين دول مجلس التعاون بدأت تلوح، واتخذ من دور هذه الدول في تحرير الكويت في التسعينيات من القرن الماضي مثالاً يؤكد به على أهمية دور جميع دول مجلس التعاون الخليجي. جاء ذلك في الأخبار التي تناولت باهتمام أيضا تعبيره عن «يقينه واطمئنانه» بأن «وحدة الخليج لن تتزعزع، وقوته لن تتضعضع، وأواصره لن تتقطع، ومجلسَه الحبيب لن يتصدع»... «وأن ما عرض من خلافات لا تلبث أن تغلبها عاطفة الإخاء، وتغسلها مشاعر الود والصفاء».

هذا الكلام الجميل والمهم قاله أيضا مسؤولون آخرون من مختلف دول مجلس التعاون في مناسبات سابقة وتالية لتلك المناسبة، ويقوله كذلك كل محب لهذه الدول من أبنائها وغير أبنائها، لكن التطور السالب للخلاف بين بعض دول المجلس يجعل الكثيرين يفقدون الأمل في عودة الأمور إلى سابق عهدها، ففي كل يوم قصة، وفي كل يوم يبرز حدث يزيد من الشقاق بين هذه الدول ويجعل التفاؤل بالتصالح ضربا من الخيال، فعندما يصل عدد غير قليل من المثقفين من مختلف هذه الدول إلى حد تبادل السباب والاتهامات فالأكيد أن أحدا لا يلام في اعتبار عودة الأحوال إلى ما كانت عليه مسألة صعبة أو مستحيلة.

للأسف فإن الخلاف الخليجي ليس عابراً وسيطول، فإذا كانت القمة الخليجية التي وضعت دولة الكويت من أجل إنجاحها كل جهدها وطاقتها لم توصل إلى حل للأزمة الطارئة فالأكيد أن المحاولات دون ذلك لن توصل إلى النتيجة المتوخاة إلا إن تغيرت المعطيات وحدث تطور لم يكن متوقعا.
الأساسات المتوفرة؛ مثل تطلب المسيرة الخليجية التعاون على مختلف المستويات ومثل التحدي الذي تمثله للجميع الأوضاع المحيطة الآخذة في التدهور، هذه الأساسات وغيرها رغم أهميتها إلا أنها لا تعين بقوة على احتواء الأزمة، فهذه الأزمة يتطلب حلها إيجاد أرضية تضمن عدم اندلاعها من جديد، وهو ما يبدو أنها غير متوفرة حتى الآن، لهذا فإن المسئولية الملقاة على الأجهزة التشريعية بدول مجلس التعاون كبيرة، ولعل اللقاء المستمر بين المنتمين إليها يسهم في تكوين تلك الأرضية التي من دونها يصعب التفاؤل باللقاءات المرتقبة بين قادة السعودية والإمارات وقطر ورئيس الولايات المتحدة في واشنطن حيث ذكرت الأنباء أنها قد تعقد في الشهر المقبل استجابة لدعوة الرئيس ترامب.
حجم الخلاف الخليجي الخليجي وتعقده - ربما بسبب خروجه إلى العلن وفتح الباب للجميع ليدلوا بآرائهم فيه ويتخذوا المواقف منه - واستمراره كل هذه المدة يجعل المرء يقرر بأنه ليس خلافاً عابراً وأن حله ليس بالسهولة المتصورة والمأمولة ولا يمكن أن يتحقق كالمعتاد بـ»حب الخشوم»، ولأن المطلوب هو حل جذري لا يسمح للأزمة بالانبعاث من جديد لذا فإن القول بأن ما حدث أمر عابر ويمكن السيطرة عليه بسهولة قول غير واقعي، فما حدث يحتاج إلى حل ولكن ليس أي حل وليس حلاً مؤقتاً وليس حلاً ينطلق من العواطف. حل هذه الأزمة إن لم يكن كاملا ينهيها تماما ويقطع جذورها فلا قيمة له حتى لو تم التوقيع عليه في واشنطن.
الأزمة الخليجية هذه لا ينفع معها الاتفاقيات ولا الصيغ من قبيل «انطلاقاً من إيمان الأمة الخليجية أو العربية بكذا وكذا.. وتحقيقاً للمبادئ التي أرستها الشريعة الإسلامية.. واعتزازا بما أرسته عبر تاريخها الطويل...»، ولا ينفع معها كذلك التوقيع عليها في حضور شخصيات عالمية وإيداعها الأمم المتحدة ومجلس الأمن وتصفيق العالم للمشاركين في ذلك، ما ينفع هو ترجمة النوايا الصادقة إلى واقع والاتفاق على إنهاء المشكلة واتخاذ قرار برميها وراء الظهور والجلوس معا للتخطيط لمستقبل المنطقة ولمصلحة شعوب التعاون التي وإن ساند اليوم كل منها حكومته لضرورة الانتماء إلا أنها لن تسامح الجميع في حال غرق سفينة مجلس التعاون، ولن تقبل المبررات أيا كانت.
كلما طالت الأزمة الخليجية كلما ازداد ألم شعوب التعاون وازداد الإحساس بفقد أمل عودة الأحوال إلى ما كانت عليه، وكلما تأخر اللقاء الذي موضوعه وضع نقطة في نهاية السطر وبدء صفحة جديدة كلما صار صعبا تصور حصوله وتصور ما قد يسفر عنه وما سيلتزم به المشاركون فيه. ولأن استمرار هذه الأزمة يضر بالجميع من دون استثناء لذا لم يعد أمام دول مجلس التعاون غير إيجاد حل مناسب يرضي الجميع ويفتح أبواب المستقبل أمام الجميع.
قوة دول مجلس التعاون في وجودها معاً وليس في تفرقها، فهذا الباب يفضي إلى نهايتها وإن بقيت على الخارطة، ففي هذا الزمن، وفي ظل التطورات غير العادية والمتسارعة والقاسية التي تشهدها المنطقة، لا قيمة للدول غير القوية وغير المتكتلة، ولا أمان للدول التي لا سند لها من إخوتها ويحكم التوتر علاقتها بجيرانها.
ما حفظ دول مجلس التعاون الخليجي من خطر التقلبات في العقود الأربعة الأخيرة هو تعاونها وتكتلها، وما سيجعلها تواجه العواصف التي قد تودي بها هو استمرار هذه الأزمة التي كان يفترض أن تكون عابرة. الجميع يتمنى ألا تتزعزع وحدة الخليج وألا تتضعضع قوته ولا تنقطع أواصره ولا يتصدع مجلسه، كما قال رئيس مجلس الأمة الكويتي.

كاتب بحريني