القيم الاستهلاكية لدى النّشء غرس في الصغر.. وحصادٌ بالمستقبل

مؤشر الأربعاء ٠٧/مارس/٢٠١٨ ٠٣:١٩ ص
القيم الاستهلاكية لدى النّشء

غرس في الصغر.. وحصادٌ بالمستقبل

مسقط -
يُمثّل الأطفال مستقبل أي مجتمع؛ فهم سيكونون شباب الغد وقوته وفتوته، لذا فإن غرس القيم الصحيحة فيهم منذ نعومة أظفارهم ستُجنى ثماره لاحقا بشكل ملموس وواضح. وتُعدّ الثقافة الاستهلاكية قيمة كبيرة ينبغي على المجتمع أن يغرسها في نفوس النشء بكل الوسائل الممكنة؛ لأهمية ذلك في إيجاد جيلٍ واعٍ استهلاكيا يُسهم في الحد من الظواهر السلبية في هذا الجانب.

وكونها الجهة المعنية بما يتعلق بالمستهلكين، فإن الهيئة العامة لحماية المستهلك لا تألو جهدا في الوصول إلى المستهلك الصغير وتثقيفه، لكن ذلك لا يتأتى إلا بتظافر جهود المجتمع ومؤسساته وأفراده لتعزيز هذا الجانب.
هذا الأسبوع، تسلّط «صفحة المستهلك» الضوء على دور المجتمع في غرس القيم الاستهلاكية لدى الأطفال من خلال آراء مختصين واستعراض نماذج واقعية.
في البداية يقول مشرف أول التربية الإسلامية في وزارة التربية والتعليم ومقدم البرامج الإذاعية والتلفزيونية حمد بن سليمان المعولي: إن الله أمر الإنسان بتناول الطيبات: (كلوا من طيبات ما رزقناكم)، وحذّره من سلوك البعض في الاستهلاك وهم الذين: (يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام) بلا ضوابط ولا مراعاة لحرمات الله تعالى. كما حث على ترشيد الاستهلاك: (والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما).
ويوضح المعولي بأن غرس هذه القيم في نفوس أطفالنا يتأتى بعدة أمور أرشدنا إليها الدين العظيم ومنها: عبر الجانب العاطفي في نفس الطفل وتنميته وتهذيبه، فحينما ينمو في نفسه حب الله تعالى، تجده يحب ما يحبه الله، والعكس كذلك، ومن هنا نربّيه على آيات كريمة مثل قوله تعالى: (إن الله لا يحب المعتدين)، و(إنه لا يحب المسرفين)، و(إن الله لا يحب المفسدين)، و(إن الله لا يحب كل مختال فخور)، وهي مرتبطة بالتعامل والتصرّفات والاستهلاك بطريقة أو بأخرى. وعبر القدوة الحسنة في الاستهلاك؛ لأن المحاكاة من العوامل الأكثر تأثيراً في تربية الطفل. وعبر أسلوب الحكاية والقصة، وفي قصص الأنبياء عبرة، والتركيز على كيفية حياة أولئك العظماء عليهم السلام غير بخلاء مقترين ولا مبذرين مسرفين، وعاشوا لتحقيق غايات نبيلة ولم يكن الاستهلاك سوى وسيلة، وكذلك قصص تأريخنا العُماني المجيد وكيف عاش العُمانيون محافظين على الاعتدال في كل شيء ومنه في الاستهلاك.

أهداف وغايات

وأضاف المعولي: إن تربية الأبناء على الغاية العظيمة التي يجب أن يركّزوا عليها وهي مرضاة الله عز وجل، وجميع الأمور الأخرى إنما هي وسائل ويجب استهلاكها واستخدامها وفقا لما يُرضي الله تبارك وتعالى؛ لأن ثقافة البعض الاستهلاكية تجعل من أطفالهم يرون أن تلك الأمور (الكمالية) إنما هي أهداف وغايات يولونها الأهمية القصوى والاهتمام الزائد عن الحد فيخسرون بالتالي العناية بالغاية الحقيقية (الضرورات) والتوجه لها. وتنويع الأساليب في بيان الثقافة الاستهلاكية وخطورة الإسراف والتبذير وأهمية الاعتدال والادخار وحسن الإنفاق. وتنمية مهارات الأطفال الاستهلاكية، بإشراكهم في بعض عمليات الشراء، والتناقش والحوار أمامهم أو معهم في موازنة الأسرة والمنزل، فهذا كله يربّيهم على السلوك الاستهلاكي الصحيح ويرفع من درجة الوعي لديهم.
ويؤكد المعولي أنه يجب على القائمين على المناهج الدراسية مراعاة الجانب الاستهلاكي وتربية الطلاب عليه من خلال عدة أمور منها: تضمينه في جميع المقررات الدراسية لكل المراحل، ومن خلال البرامج العملية بالمدارس كالأسواق الخيرية ونحوها، حيث يكون الطالب بائعا ومشتريا أيضا. ومـــن خلال زيارة بعض الأماكن المتعلّقة بالموضوع كالمراكز التجارية والمصـــانع، عبر خطة عملية تمهّد لتلك الزيارة لتكون الثقافة الاستهلاكية حاضرة.
ويذكر ناشر مجلة «مرشد» الموجهة للأطفال الإعلامي حمود بن علي الطوقي بأن غرس القيم النبيلة للأطفال في مختلف المجالات التي تلامس حياة الطفل آمرٌ مهم بدءا من البيت والمدرسة وأثناء اللعب في الحارة وزيارة الأقارب والأرحام.
وحول تجربة «مرشد» يوضح بأن المجلة أطلقت منذ تدشينها مبادرة «هيا نقرأ مع مرشد» تهدف إلى زرع حب القراءة لدى الطفل وتدريبه عليها، وهو أمر يسهم بشكل مباشر في تعزيز الثقافة الاستهلاكية من خلال تعويد الطفل على قراءة الكتب والمنشورات والنصائح المتعلقة بالترشيد والادخار وكيفية الاستهلاك وغيرها.
ويرى أحمد بن ناصر الراشدي -كاتب قصص أطفال وناشط في مجال تعليمهم القراءة- أن الطفل يتأثر من خلال أسرته بأي سلوك سواء كان إيجابا أو سلبا، فإذا كانت ثقافة الأسرة استهلاكية فبالطبع أن الطفل يتأثر بها، وإذا كانت لديهم الحكمة في ترشيد الاستهلاك سيتولّد بالضرورة عند الطفل هذا السلوك كمثل أي صفة أو قيمة يريد الوالدان أن يتحلى بها طفلهما.

التفكير الجيّد

ويضيف الراشدي أن تغيير سلوك الطفل يحتاج إلى استخدام أدوات ووسائل، وواحدة من أهم هذه الأدوات المؤثّرة التي ينصح بها التربويون لتغيير سلوك الطفل إلى التفكير الجيّد هي استخدام وسيلة القصص التي تحمل هذه القيم، كالقصص المصوّرة سواءً بقراءتها لهم أو تعويدهم على قراءتها؛ فالقصة هي حكاية والحكاية تخاطب الوجدان والطفل يتأثر وجدانيا كثيرا بالشخصيات التي تكون في القصة خصوصا إذا كانت تتناسب مع عمره ومستواه اللغوي والعقلي.
ويؤكد الراشدي أنه يمكن أن نُعوّد الطفل على الذهاب معنا إلى السوبرماركت، لكن بطرق إيجابية يستفيد منها، كأن يمسك قائمة المشتريات ويكتبها بنفسه، ثم يكتب قيمة كل منتج، ويحسب الأسعار في المجمل وبهذه الطريقة نُربّي فيه قيمة عدم الذهاب للشراء عشوائيا، وإنما بتنظيم، كما أن حسابه لإجمالي المشتريات سيعرّفه بأن لكل سلعة قيمتها وكذلك سيتعلّم المقارنة مع سعرها مع المحلات الأخرى.
ويشير الراشدي -في حديثه أيضا- إلى وسائل أخـــرى تساعد على غرس الثقافة الاستهلاكية لـــدى الطفــل مثل تعويده على قراءة بيانات كل منتج، وقراءة تاريخ الإنتاج وانتهاء الصلاحية. بالإضافة إلى استخدام فيديوهات ومقاطع مرئية يمثّلها أطفال حقيقيون، ويكون تمثيلهم مؤثِّرا وبوسائل بصرية راقية يتأثّر بها الطفل ويغيّر سلوكه للأفضل.