لا تجعلوا المواطن يبكي.. بقلم محمود بن سعيد العوفي

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٦/مارس/٢٠١٨ ٢٠:٠٤ م
لا تجعلوا المواطن يبكي.. بقلم محمود بن سعيد العوفي

محمود بن سعيد العوفي
صحيح أن الدمع تعقبه راحة على النفس المأزومة، ويشفي القلب الملتاع، الذي ثارت بلابله - أي شجونه، لأي سبب من أسباب هموم الدنيا ومتاعبها، غالباً ما يكون غالياً، وعزيزاً، فلا يهطل إلا من كرب، أو ضائقة أو تعب نفسي يفجّر غدده فتنساب. ولكن أن يبكي «مواطن» لأجل تقديم «خدمة» ما له؛ أمر محير بأمانة!
أعتقد أن الجميع تأثر عندما استمع إلى الصوت الباكي لمواطن عماني مصاب بمرض خبيث يبحث عن علاج عبر إحدى القنوات الإذاعية، يناشد من خلالها الجهات المعنية لمساعدته، والذي تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك مواطن آخر كبير في السن أيضاً يبكي بحرقة بسبب احتجازه منذ أربع سنوات جراء التهمة التي تعرض لها في قضية الزواج من قاصرات بالهند، ويرجو الرجوع إلى الوطن، وغيرهم من المواطنين الذين لجؤوا إلى القنوات الإذاعية أو إلى الإعلام بالأحرى لطرح معاناتهم بألم من أجل إيجاد الحلول لها، فأين الحق الإنساني؟ ومن يرضى أن يستمع لبكاء مواطن؟ فبكاؤه أمام الملأ ليس سهلاً، وهو عماني ينتمي لتراب هذا الوطن الذي يأبى أن يجعل مواطنيه يبكون بتلك الحرقة المؤلمة الحزينة، مهما كانت الظروف.
ولا شك أن الوطن يحمل روح المواطن، والعكس كذلك، أحسبها معادلة تتألق في كنايتها بين الوطن والمواطن، فإذا بكى المواطن يبكي الوطن معه، وإذا بكى الوطن يبكي المواطن معه، هل تدركون ذلك؟!
بغض النظر إن كان المواطن على حق أو لا، ولكن علينا أن نؤمن أن هناك بعض القصور في توفير خدمات ضرورية يطلبها المواطن من الجهات المختصة أو تأخر في إنجازها بسبب عدم اكتراث بعض الموظفين لها، رغم الجهود المبذولة التي لا أحد يستطيع منا إنكارها، ولكن في ظل التطورات والمتغيرات التقنية التي نعيشها، تحتاج تلكم الخدمات -خاصة التي تمس المواطن مباشرة وأسرته- التي هي بالنسبة له ملحة وضرورية إلى تسريع في إجراءاتها وتبسيطها دون تعقيد، وإيجاد الحلول الناجعة والسريعة لها، وعدم تجاهلها، لأن إبطاءها يتضرر منه -بلا شك- أولاً وأخيراً المواطن نفسه.
لا يزال مسلسل الموظف أو المدير المختص غير موجود «في إجازة أو اختبارات دراسية» مستمراً، وغيرها من الأعذار، وبالتالي لن تنجز المعاملة إلا بحضوره، ناهيك عن فقدان تلكم المعاملة، وهذا ليس تجنياً على أحد، وإنما واقعاً يتلمسه ويعيشه المواطن المراجع طالب الخدمة من تلك الجهة، الذي تجده يحوم بأوراقه في أروقتها ومكاتبها لعل وعسى أن يجد بصيصاً من الأمل في إنجاز معاملته بأسرع وقت، إلا أنها قد تمكث سنة كاملة أو أكثر من ذلك، بسبب اجتهادات الموظف والمسؤول -بعض الأحيان- الذي اعتبر المعاملة عادية، لكنها في الأصل ضرورية بالنسبة للمواطن.
فإذن، لا غرابة إذا استمعنا إلى مواطن يبكي بكاءً هستيرياً من داخل الوطن، فما بالكم إذا كان من خارج الوطن، وبالتالي على كل موظف أو مسؤول في الأجهزة الحكومية أن يقوم بواجبات مسؤوليته المناطة له، فهو مسؤول أمام الله سبحانه والقانون عن أداء وظيفته وعمله، ومسؤول أمام نفسه عن القيام بوظيفته وأدائها على أكمل وجه، والتفاني في خدمة الوطن والمواطنين بما يحقق لهم السعادة والعيش الكريم، وبالتالي فمن الضرورة بمكان تحسين وتطوير آلية العمل لإنجاز معاملة أي مواطن في زمن أقل من المستهدف وبكل يسر وأمانة، وتسريع الإجراءات خاصة إذا كانت معاناة المواطن خارج البلد، حتى لا نجعله يوماً من الأيام يبكي ألماً.
ختاماً، إن ما تقدمه الحكومة من خدمات عامة للمواطن والوطن واضحة وملموسة لدى الأعيان، وتواكب التطلعات والآمال، ولكن ما نأمله من بعض الجهات المعنية أن تسعى إلى تسريع إجراءاتها في إنجاز معاملات المواطنين وتبسيطها، خاصة تلك المعاملات التي يطلب فيها المواطن خدمة ضرورية يستدعي توفيرها دون تأخير أو تأجيل.
وأخيراً، لا تجعلوا المواطن يبكي ويصل إلى مرحلة الانكسار من أجل خدمة اجتماعية إنسانية، والجهات المختصة قادرة على تلبيتها، قال الله تعالى في كتابه العزيز: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.