باميلا كسرواني
العمل الإنساني، التطوّع، الإنقاذ.. كلها مصطلحات لم تكن يوماً غريبة عن الكويتية معالي العسعوسي التي تعرّفت عليها منذ الصغر وجعلتها نمط حياة تبدّلت أشكاله مع السنوات ليُتوّج بعملها الإنساني المتواصل منذ أكثر من عشر سنوات في خدمة الشعب اليمني.
تخبرنا العسعوسي أنها أحبّت العمل التطوعي بفضل المدرسة وحثّ والديها الدائم على مساعدة الآخرين. وتقول “كنت في الـ15 عندما حصل غزو الكويت، فتطوّعت وتدرّبت في البحرين على الإنقاذ وإطفاء الحرائق ودخلت مع الصليب الأحمر والهلال الأحمر خلال عاصفة الصحراء ورأيت الدمار والخراب. ومنذ تلك اللحظة، تمنّيت ألا يحدث لأي وطن ما حصل في الكويت وتعهّدت أن أعمل في هذا المجال".
وبالفعل وفت العسعوسي بوعدها حتى عندما استقرّت في الولايات المتحدة لإتمام دراستها في مجال تخطيط الأراضي السياحة وإدارة الأعمال حيث ساعدت المشرّدين وذوي الاحتياجات الخاصة لتعود إلى الكويت وتواصل العمل التطوعي وإنما هذه المرة لدعم النساء والأرامل والشباب لتكوين المشاريع التجارية، موضحةً "لاسيما أنني عانيت كثيراً عندما أسّست شركتي، فأردت مساعدة الناس لئلا يتعثروا مثلي ولتحقيق الاستدامة".
أما عملها التطوعي في اليمن، فكان نتيجة زيارتها الأولى من أجل تقييم عملي تجاري إلا أنها سرعان ما اكتشفت حاجة البلد إلى المساعدة، فأطلقت مبادرة "تمكين" التي تحوّلت إلى مؤسسة تنموية غير ربحية سنة 2007 واستمرت في العمل إلى أن بدأت تتدهور الأوضاع ويتم توقيف عمل الكثير من المنظمات غير الحكومية، على حد العسعوسي.
تعقيدات لوجستية، حرب ودمار، وصعوبات إدارة المؤسسات كامرأة.. هذه بعض من المشاكل التي واجهت العسعوسي في اليمن وفي حياتها بشكل عام إلا أنها أبت أن تجعلها حجر عثرة في دربها. وتضحك وتقول "أنا شخصيتي شوي عنيدة وأيضاً مبدعة وأحب التغريد خارج السرب. بداياتي المهنية كانت صعبة جداً، سواء عند تأسيس شركتي حيث لم أحب أن يساعدني أحد وتحمّلت الخسائر أو عند انتقالي من الحكومة إلى قطاع خاص ومن القطاع الخاص إلى المجتمع المدني...".
تغريد خارج السرب وقوة الشخصية أبرز ما دفع العسعوسي عن التخلي عن الاستقرار المادي والنجاحات التي حققتها إلا أن النقطة الفاصلة تبقى ما رأته من فقر وقهر في اليمن. وهنا تطلعنا "رأيت الناس يأكلون من القمامة وآخرون يفقدون بصرهم بسبب 120 دولارا أو الدراسة بسبب 40 دولارا. شعرت أنني مسؤولة بفضل ما أملكه أن أقوم بشيء لكيلا أُحاسب".
وتعرف العسعوسي جيداً أن إعطاء الفقراء المال ليس كافياً لا بل يجب بذل المزيد من الجهود. وهنا تقول "عندما قرّرت الاستقرار في اليمن بين 2007 و2009، كنت في صراع دائم بين أن أتبرّع بالمال أو أنخرط في العمل وأنفّذ المشاريع".
غير أنها قرّرت الاستقرار في هذا البلد الذي يفتقر لأبسط مقومات الحياة رغم كونها امرأة غير متزوجة ومعارضة الأهل إلا أنها نجحت في قلب المعادلة والحصول على دعم الجميع. ثابرت العسعوسي وقابلت العديد من الشخصيات المهمة في العمل الإنساني وقامت بالأبحاث لتتم نشاطاتها على أكمل وجه لكن منظمتها توقفت عن العمل العام 2013، أمر لم يمنعها من المتابعة إذ انتقلت، نهاية 2015، إلى جمعية العون المباشر لتُصبح أول امرأة تدير المؤسسة منذ تأسيسها في الثمانينيات.
ولكن، ما هي طبيعة العمل التطوعي الذي تؤديه العسعوسي وفريق عملها في اليمن؟ هنا تجيبنا "بدأت في مبادرة لتغيير حياة أقل من 40 فتاة في التعليم، ومن التعليم توسّعت إلى الصحة ثم إلى المياه وإلى الإغاثة ومشاريع كثيرة أخرى. حتى الآن، غيّرنا حياة أكثر من ربع مليون إنسان".
فبالفعل، كثيرة هي المشاريع التي تعمل عليها العسعوسي لاسيما أن الوضع الإنساني في اليمن يتدهور بالثواني وليس بالساعات أو الأيام، على حد قولها، إضافة إلى أن الاحتياج يزيد وبقعة الفقر تتوسع. وتضيف: "23 مليون شخص يحتاجون إلى أي نوع من الخدمات، فلا مياه ولا كهرباء ولا رواتب ولا عمل كما أن المشاريع الصغيرة انهارت وحتى الأفراد الذين يبيعون المنتجات في الشارع اختفوا".
هذا الوضع حمل العسعوسي وفريقها إلى مضاعفة الجهود حيث تخبرنا أنهم في السابق، كانوا يطلقون 30 مشروعاً سنوياً فيما اليوم، لديهم 70 إلى 100 مشروع سنوياً، مشاريع إغاثية تتمحور حول الغذاء والإيواء والصحة والمياه. وتذكر، على سبيل المثال، "نركّز في مجال الصحة على تطوير المراكز الصحية وإطلاق حملات لمحاربة الكوليرا والدفتيريا مع تركيز على الأمهات والأطفال. كما أننا نقوم ببناء سدود شبكات المياه، وتطوير مساكن للطالبات النازحات من تعز إضافة إلى منح دراسية تخصص 30% منها إلى ذوي الاحتياجات الخاصة لاسيما أنها شريحة ازداد تهميشها مع الحرب".
كثيرة هي المشاريع التي أنجزتها وتنجزها اليوم العسعوسي رغم القصف الذي طالها وألحق الأذى بها مؤخراً إلا أنها تقف مجدداً وتواصل مسيرتها وتطمح إلى مواصلة مجموعة التدريبات التي بدأتها في الشرق الأوسط والخليج والشمال المغربي حيث إنها، حتى اليوم، درّبت مجاناً أكثر من 150 جمعية مبادرة تطوعية. مشاريع أكسبتها العديد من الجوائز مثل جائزة "صنّاع الأمل" في الإمارات واختيارها ضمن قائمة أقوى 100 امرأة عربية وسفيرة للأعمال الخيرية العالمية.
جوائز ونجاحات إلا أن أكثر ما جذبنا في العسعوسي هو التواضع الذي تجسّده هي التي ترى أن الإنسان لا ينجح لوحده ولكن مع فريق عمل متكامل وأنها تتعلّم الكثير ليس من لقاء شخصيات مهمة فحسب لا بل أيضاً من الشباب اليمني الذي يبادر ويتطوّر ويعمل بشكل كبير رغم الوضع إضافة إلى نساء يمنيات أحدثن تغييراً مجتمعياً كبيراً.
وتطلعنا أن كل هذه اللقاءات علّمتها الصبر، مضيفة: "تخيّلوا للحظة كيف عاشوا معاناتهم وكيف وقفوا مجدداً رغم الآلام والجوع والإعاقة. أمهات يطعمن أولادهنّ ورق شجر وعلف ولكن يكافحن للحياة أو طالبة لم تجد 20 دولاراً لمتابعة دراستها واليوم تحوّلت إلى امرأة ناجحة، كل أم وطفل ومكفوف علمونا الدروس. وتكتشف أنهم ليسوا من بحاجة إليك وإنما نحن بحاجة إليهم".
وتشدد على أن كونها امرأة عربية لم يكن عائقاً لا بل على العكس. وتكشف لنا أن سر نجاحها في اليمن هو أنها امرأة تستطيع التحاور مع جميع الأطراف، قائلة: "أدخل بيوت الناس بسهولة وأستطيع التواصل مع النساء وفهم مشاكلهنّ وهمومهنّ وأطوّرها إلى حلول وأعمل مشاريع".
رغم أن حياة معالي العسعوسي مختلفة عن الناس العاديين وعلى أنها وضعت جانباً حياتها الشخصية في خدمة الآخرين إلا أنها نجحت في أن تجد السعادة الزوجية مع رفيق دربها الذي تحوّل أيضاً إلى صديق العمل الإنساني. وتقول: "ينادوننا "ثنائي الخير" وقد أصبح ساعدي الأيمن في أعمالي وتنقلاتي وفي أفكاري وفي كل الإنجازات".
وتبقى نصيحتها الأهم لكل إنسان يريد أن يكون عضواً فاعلاً على هذه الأرض "ليس من الضروري أن تهاجروا أو تعملوا في بلد غير بلدكم. اليوم التغيير قد يبدأ من الأسرة أو من الحارة أو من المجتمع. ولكن يبقى الأهم أن تبدأوا بعمل الخير والمساعدة لتكونوا سعداء لأن السعادة هي في مجال التطوّع والعطاء من دون التمييز في اللون والدين والعرق".
متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية