وداعاً معرض الكتاب

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٦/مارس/٢٠١٦ ٠١:٢٥ ص
وداعاً معرض الكتاب

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com
msrahbyalrahby@gmail.com

ودّعنا دورة جميلة من دورات معرض مسقط الدولي للكتاب.. ستعبرنا الشهور سريعا، ستتكوم سنة، وستأتي النسخة التالية لتكون على قدر أجمل، مكانيا، وعسى ألا يخذلنا المكان مرة أخرى كما توقعناه العام الماضي، إنما للأقدار تصاريفها، كما هي الأمطار، هطلت بقوة مع قوة حضور المعرفة كما هي في ملايين الكتب التي ضمتها قاعات المعرض وخيامه، ابتلّت الأرض أكثر مما ينبغي في بعض الأماكن، وستجفّ، لكن مطر المعرفة سيبقى أقوى، كسحابة لا تكف عن إرواء العطشى.

انتظرناه، عشنا فيه عشرة أيام من النظر الممتع إلى معروضاته، والالتقاء بمحبي خير جليس جاؤوا إليه من أمكنة قربت منه أو بعدت، من أجله تهون المسافات وتقصر..
عشنا أمسياته، قراء ومثقفين ومهتمين، ثرية بحوارات وجلسات ولقاءات، التقينا بعضنا وقد مرّ عام على آخر عهد بلقاءات كهذه، واللقاء أجمل وأنت تسير بين صفوف الكتب، وترى في الوجوه ذلك البحث الجميل عن عنوان ما، نظرات تكذب أن خير جليس تراجع دوره كثيرا، ربما فقد بعض ألقه، لكنه حاضر ما يزال، بدون رائحة حبر الكتابة وملمس الورق لا جمال للقراءة.. ولا يلذ للعين سوى الحروف مرسومة على ورقة حتى وإن توهج الضوء أكثر من الشاشات اللامعة.
كانت الفعاليات المصاحبة حياة أخرى لخير جليس..
وقد تعددت وتنوعت، بما يكفي لاعتبار معرض مسقط حالة عمانية خاصة، سمعت الحديث عنها من ضيوف قالوا إن هذا المعرض له خصوصية المكان والإنسان في بلادكم، المكان بهدوئه، والإنسان بطيبته وتواضعه وتلقائيته..
بكل ذلك الصخب الجميل قلنا منتصف ليل البارحة وداعا معرض مسقط، وكما يقول المثل العماني «يلاقيه الحي» وقد عشنا تجربة أن نفقد وجوها كانت تصافحنا كل عام في هذا المعرض باعتباره بيتنا السنوي الذي نلتقي فيه، وكانت بادرة رائعة أن نتذكرهم، أن يحضر أبناؤهم، وحروفهم، أن يبقوا أحياء وإن تواروا في درب الغياب الذي لا مناص عنه.. ولا مفر.
أخذنا زادنا من المعرفة وذهبنا إلى بيوتنا..
أشعر أن الكتب تستيقظ كل ليلة لتجالس نفسها وتتحاور، لن تبقى صامتة في أرجاء المنزل أو رفوف الكلمات، ستتمنى لو أن يدا تمتد إليها، عين تعبر صفحاتها، عقل يستوعب محتوياتها.
سيعود المعرض مرة أخرى.. بزاد آخر، وعلينا أن نقبل التحدي، أن ننجز قراءة ما اقتنيناه هذه المرة لنستقبل الجديد بشغف المعرفة والتجوال بين زوايا عقول بشر أبدعت وأعطت ثمار تجاربها فنقطفها بشهية المقبل عليها بجوع لا يلجمه سوى المزيد من القراءة والاطلاع.
كيف نعتاد هذا المساء أن لا نكون بين الكتب والأصدقاء ومحبي خير جليس؟!
يلزمنا بعض الوقت لنعتاد.